إن القرآن الكريم، الكتاب السماوي الذي نزل على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليس مجرد كتاب هداية دينية، بل هو مصدر معجزات متعددة، تشمل جوانب عدة من الحياة الإنسانية، ومنها الجانب العلمي، ورغم أن القرآن ليس كتاباً علمياً بالمعنى التقليدي، فإنه يحتوي على آيات كريمة تتطرق إلى حقائق علمية كانت مجهولة تماماً للبشرية عند نزول الوحي، هذه الحقائق العلمية التي تذكرها آيات القرآن الكريم أثبتت التطور العلمي المعاصر صحتها، مما يبرز بعداً إعجازياً يربط بين الإيمان والعلم بشكل يدهش العقول ويثبت أن هذا الكتاب ليس من إنتاج بشر.
لقد جاء القرآن في وقت كان فيه البشر غارقين في الجهل العلمي، ولم تكن لديهم وسائل لفهم عميق للكون والطبيعة، في تلك الفترة، كانت الخرافات والتصورات الخاطئة هي السائدة في مجتمعاتهم، فالعلماء في تلك الحقبة لم يكتشفوا بعد أسرار الفضاء أو ميكانيكيات خلق الحياة، بينما كانت بعض المفاهيم الخاطئة راسخة في عقول الناس، لكن القرآن الكريم، بتوجيهات الله سبحانه وتعالى، تحدى كل هذه المفاهيم وقدم للإنسانية إضاءات علمية كانت غير متوقعة بالنسبة لعصره.
زمن خلال نصوص القرآن الكريم، نجد إشارات إلى تكوين الكون، وخلق الإنسان، وتركيب الماء، وعلوم الأجنة، والكثير من القضايا التي لم يتم اكتشافها إلا في العصور الحديثة، فالقرآن يذكر كيف أن الله عز وجل قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وكيف أن الكون كان في البداية عبارة عن “دخان” ثم انفصلت السماوات والأرض، هذه الحقيقة العلمية لم يتمكن البشر من فهمها إلا بعد اكتشافات الفيزياء الفلكية في القرن العشرين، والتي أكدت أن الكون نشأ من انفجار عظيم كان يشمل غازات ومواد متصاعدة، تمامًا كما وصفه القرآن.
وعندما يذكر القرآن تفاصيل دقيقة عن الخلق، مثل كيفية تطور الجنين في رحم أمه، فإن هذه الآيات تسبق بكثير الفهم العلمي الحديث في علم الأجنة، العلم الحديث، الذي اكتشف الآن العمليات التفصيلية لتكوين الأجنة داخل الرحم، يشهد لصحة ما ورد في القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام، ومثل هذه الحقائق لم تكن معروفة في زمن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل كانت بعيدة عن أذهان العلماء في ذلك الوقت.
وفي الوقت الذي كانت فيه الكتب السماوية السابقة تتضمن معلومات تاريخية وجغرافية وعلوم قديمة تحتوي على أخطاء وتناقضات علمية، يظل القرآن الكريم خالياً من أي تناقضات مع العلم، بل إن القرآن يظل دائماً مصدراً دقيقاً للمعلومات، ثابتاً في ضوء الاكتشافات الحديثة، هذا التوافق بين القرآن والعلم يوضح كيف أن هذا الكتاب هو من عند الله، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
بالتالي إن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لا يتوقف عند حدود المعارف الحالية، بل هو دليل دائم للناس في كل زمان ومكان على صحة هذا الكتاب السماوي، وفي عصرنا الحالي، مع تقدم العلوم وتوسع اكتشافاتنا، نجد أن القرآن يظل في صدارة الكتب التي تتناغم مع الحقائق العلمية الحديثة، ليؤكد للعقل البشري أن هذا الكتاب هو هدية من الله سبحانه وتعالى إلى البشرية، رسالة لا تتوقف عن الإعجاز في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري.
إن وجود الإعجاز العلمي في القرآن هو جانب آخر يدل على الأصل الإلهي للقرآن، وبطبيعة الحال، فإن القرآن ليس عملاً علمياً مخصصاً لمشاكل العلوم الطبيعية أو التقنية، إلا أن الحقائق المذكورة فيه والمتعلقة بالجغرافيا والجيولوجيا والفلك والكيمياء والفيزياء والأحياء والطب وغيرها من العلوم تجبر العلماء المعاصرين على الاعتراف بأن الإمكانات العلمية للقرآن تجاوزت مرات عديدة مستوى المعرفة الذي حققته البشرية في وقت نزوله.
في مطلع القرون السادس والسابع، سادت الخرافات والتحيزات التي لا تعد ولا تحصى في كل مكان تقريباً، وبدون حتى الوسائل التكنولوجية البدائية المتاحة لهم لاستكشاف الكون والطبيعة، آمن الناس بالعديد من الأساطير والحكايات التي تنتقل شفهياً من جيل إلى آخر، لذلك، على سبيل المثال، كان يعتقد أن الكرة السماوية تقع على قمم الجبال وتدعمها، ووفقاً لهذا الاعتقاد، فقد تم تصور الأرض مسطحة، وفي طرفيها جبال عالية، وهذه الجبال، مثل الدعامات المنفصلة، تدعم القبة السماوية بأكملها.
بالتالي، لم يتم تبني وجهات النظر الخاطئة فقط من قبل الوثنيين الغارقين في الجهل والرذيلة، ولكن أيضاً من قبل أهل الكتاب المتعلمين – اليهود والمسيحيين، لقد كانوا يدركون جيداً الإنجازات العلمية في ذلك الوقت، والتي تم دحض الكثير منها لاحقاً، ولكن من المؤسف أن بعض تلك المفاهيم الخاطئة انعكست في كتبهم المقدسة التي نسخوها بأيديهم، وبدأت الاختلافات بين هذه السجلات والحقائق العلمية الموثوقة في الظهور في عصر الاكتشافات العلمية العظيمة، ونتيجة لذلك، عارضت الكنيسة بشدة العلماء، وبدأت في الدفاع عن موقفها بتعصب ولجأت إلى سلاح وحشي في الحرب ضد الفكر التقدمي – محاكم التفتيش، وبمرور الوقت، اضطر أتباع الكتاب المقدس إلى البحث عن تفسيرات لكيفية وصول معلومات علمية وتاريخية غير صحيحة وحتى غير قابلة للتصديق إلى صفحات الكتاب المقدس، حتى الممثلين الرسميين للكنيسة لا ينكرون وجود مثل هذه المعلومان، فقد وصفت وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) بعض النصوص الكتابية بأنها “ناقصة” و”قديمة الطراز”، يقول الفصل الرابع من هذه الوثيقة: “إن هذه الكتب تحمل دليلاً على التعاليم الإلهية الحقيقية، على الرغم من أنها تحتوي على معلومات غير كاملة وقديمة”.
وكان هذا السؤال ولا يزال موضوع بحث العديد من العلماء، إذ يحتوي العهد القديم على أوصاف مختلفة لنفس الأحداث، بالإضافة إلى عدد من التناقضات والمعلومات المذهلة والبيانات المشوهة للحقائق التاريخية والمعلومات غير المتوافقة مع البيانات التي حددها العلم بدقة، كل هذا طبيعي تماماً، لأن العهد القديم كتبه أناس في العصور القديمة، ومن المستحيل ببساطة عدم مواجهة شيء مماثل عند النظر في أي كتب مكتوبة في نفس الظروف التاريخية، كما أن هناك نتيجة مماثلة بعد إجراء مقارنة بين نصوص الأناجيل الأربعة وآخر إنجازات العلم.
فقد دفعت الظروف المذكورة أعلاه العديد من العلماء البارزين إلى الشك في موثوقية الكتاب المقدس والتخلي عن الإيمان بالكتاب المقدس تماماً، وقد أدى هذا الاتجاه إلى تكوين مجتمع في أوروبا وأمريكا يعتبر فيه العلم والدين شيئين غير متوافقين تماماً، وتدمير هذا التحيز، الذي يكمن في أساس ما يسمى بالإلحاد “العلمي” والمادية، لم يبدأ إلا مع تغلغل الإسلام في العالم المسيحي.
معجزات القرآن الكريم
يتحدى القرآن الكريم علناً أولئك الذين يحاولون تفنيد حقيقة ما جاء به من اكتشافات علمية، ويعلن أن كل اكتشاف عظيم جديد سيكون دليلاً إضافياً على أصله الإلهي، قال تبارك وتعالى: سنريهم آياتنا في العالمين وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن هذا الحق”، ويثبت القرآن أن الإيمان بالخالق عز وجل لا يتعارض مع العقل البشري فحسب، بل تؤكده أيضاً الاكتشافات العلمية الحديثة، حيث يتم دمج العلامات القرآنية بشكل مثالي مع تطور المعرفة لدى الناس وترافق التقدم العلمي والتكنولوجي، وبما أن كتاب الله تبارك وتعالى يغطي العديد من مجالات الوجود، فيمكن للأشخاص من مختلف مستويات المعرفة فهم منطقه وتقدير كماله.
واليوم من المستحيل رؤية عصا النبي موسى عليه السلام، وآيات النبي عيسى عليه السلام، وقوة النبي سليمان عليه السلام، ومع ذلك، فإن معجزة القرآن الكريم لا تتوقف أبداً عن إدهاش عقول الناس، وستظل غير مسبوقة إلى قيام يوم القيامة، ببساطة لأن الإسلام عالمي ولن يفقد أهميته حتى نهاية العالم، ولذلك منح الله سبحانه وتعالى الناس في كل عصر الفرصة لرؤية دليل على الحقيقة السماوية، قال تبارك وتعالى: “إن لكل رسالة أجلاً وسوف تعلمون”.
بالإضافة إلى ذلك، في عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، عندما توقف العلماء عن أن يكونوا هدفاً للاضطهاد واحتلوا بحق مكانة عالية في المجتمع، فقد حان الوقت ليتعرف الناس على الحقائق العلمية العديدة الواردة في الآيات القرآنية، يقول الشيخ مصطفى أحمد: « في الوقت الذي نزل فيه الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان العرب ماهرين جداً في الأدب والشعر، وكثيراً ما نظموا مسابقات شعرية، وبذلك وصلوا بلغتهم إلى أعلى درجات الكمال، ومع ذلك، بعد أن سمعوا سطور القرآن الكريم، اندهشوا من بلاغة لغته وتعبيرها غير المسبوق، لدرجة أن بعض العلماء، في وصفهم لتأثير القرآن على الناس، أشاروا إلى تأثيره السحري، وبما أن إتقان لغة أهل ذلك الوقت قد وصل إلى درجة عالية من الكمال، فإن السمات اللغوية للقرآن كانت الدليل الرئيسي على أصله الإلهي.
بالتالي، نحن نعيش في عصر العلم، فقد حققت البشرية نتيجة لتطورها السريع العديد من النجاحات، ويعتبر العلم الوسيلة الأساسية في البحث عن الحقيقة، لكن القرآن الكريم، لاستمرارية طبيعته المعجزة، وقدر المعرفة غير المسبوق الذي يحتويه، يثبت حتى اليوم أنه كلام الخالق حقاً ولا يخفى عليه شيء.
وإن الظاهرة العلمية للقرآن الكريم تمس مجموعة واسعة من المعرفة من مختلف مجالات العلوم، وبدون الخوض في التفاصيل، الآيات القرآنية ذكرت أهم قضايا الكون، بما في ذلك خلق الكون ونشأة الحياة وظهور الإنسان وغير ذلك الكثير، فبيان القرآن الكريم للحقائق قد أكدها العلم الحديث، ومن الجدير بالذكر أنه ليس بين المعلومات العلمية الواردة في القرآن الكريم ما يتناقض مع الاكتشافات العلمية الحديثة التي أكدتها الأبحاث والتجارب.
فالقرآن ليس عملاً علمياً، ولا يتم شرح قوانين الكون فيه بالشكل الذي اعتدنا رؤيته في الكتب المدرسية والمقالات العلمية، وإن ذكر هذه الشرائع والإشارات الدقيقة لها يهدف إلى تذكير الناس برحمة الرب، حتى يتواضعوا أمام قدرته اللامحدودة، ويدركوا حكمته اللامحدودة ويسارعوا إليه بكل قلوبهم، وبالنظر إلى المعرفة التي امتلكها المجتمع البشري في نهاية القرن السادس – بداية القرن السابع، فمن المستحيل أن نتخيل أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة ولم يكن لديه أي فكرة عن الفيزياء الفلكية والهيدرولوجيا وعلم الأجنة والتشريح وعلم وظائف الأعضاء والعديد من العلوم الأخرى، يمكن أن تتلقى مثل هذه المعلومات الموثوقة من أي شخص آخر غير الله، ولذلك قال الله تعالى: “وليعلم الذين أوتوا العلم أن هذا الحق من ربك فيؤمنوا به وتخشع له قلوبهم. إن الله يهدي المؤمنين إلى الصراط المستقيم”.
بالتالي، إن الإشارات العلمية للقرآن الكريم، والتي أكدت حقيقتها الاكتشافات الحديثة في مجال العلوم الطبيعية والتقنية وغيرها، ليست آخر الأدلة على إعجاز القرآن، وتتضمن ميزاته أيضاً وصفاً حقيقياً لأحداث في المستقبل، بعضها قد حدث بالفعل تماماً كما ذكرها القرآن الكريم.
وفي الختام، يبقى القرآن الكريم، بما يتضمن من إعجاز علمي، دليلاً دامغاً على أصله الإلهي وتفرد رسالته. إنه كتاب يجمع بين هداية الروح وفهم العقل، يربط بين العلم والإيمان في تناغم كامل، وما أشار إليه القرآن من حقائق علمية لم تكن معروفة في زمان نزوله، بل وحتى في العصور الحديثة، يظل شاهداً على أن هذه الكلمات التي أُنزلت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم تأتِ من عقل بشري محدود، بل من خالق الكون الذي يعلم ما كان وما سيكون، إن التقدم العلمي لا يفتح لنا فقط أفقاً جديداً لفهم الكون، بل يثبت لنا، في كل اكتشاف جديد، أن القرآن كان دائماً في طليعة المعرفة، متماشياً مع كل تطور علمي دون أن يعارضه أو يتناقض معه، وبهذا، يبقى القرآن الكريم مصدراً خالداً من الإعجاز في كل زمان، يعيد الإنسان إلى جوهره الحقيقي، ويذكّره بعظمة الخالق وقدرته التي لا حد لها، ويبقى دعوتنا للإيمان، ليس فقط بالقلب ولكن بعقولنا أيضاً.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / كاتب ومفكر – الكويت.