في خضم السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على الهوية الوطنية، أصدرت الحكومة الكويتية مؤخراً قراراً أثار جدلاً واسعاً حول سحب الجنسية من مئات الأفراد، خصوصاً النساء اللواتي حصلن على الجنسية بالتبعية، هذا القرار استند إلى نصوص قانونية محددة في إطار جهود الحكومة لتصحيح أوضاع تتعلق بما وصفته بـ “التزوير” و”مخالفة قانون الجنسية”.
من الناحية القانونية، يُشترط لاكتساب المرأة الأجنبية الجنسية الكويتية شرطين أساسيين/ الشرط الأول أن تكون متزوجة من مواطن كويتي ولديها أبناء منه، والثاني أن تقدم طلباً مرفقاً بالتنازل عن جنسيتها الأصلية بعد مرور خمس سنوات من الزواج، بالتالي، إن هذه القواعد تعكس حرص المشرّع على ضمان أن يتم اكتساب الجنسية الكويتية بشكل مشروع، يعزز الانتماء الحقيقي للوطن.
ورغم هذه الضوابط، فإن المراسيم الصادرة مؤخراً شملت سحب الجنسية من 1145 امرأة وعدد من الأشخاص الذين اكتسبوها بالتبعية. استندت هذه القرارات إلى المادة 21 مكرر من قانون الجنسية الكويتية، التي تخوّل السلطات سحب الجنسية إذا تبين أنها مُنحت بناءً على غش، أقوال كاذبة، أو شهادات غير صحيحة. وقد جاء ذلك بعد الاطلاع على الدستور وقانون الجنسية الكويتي وتوصيات وزير الداخلية.
في سياق هذه الحملة، تجاوز عدد الأشخاص الذين سُحبت جنسيتهم 6370 فردًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. حيث تؤكد الحكومة أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية النسيج الوطني وتنقية السجلات من أي تلاعب أو تحايل يضر بالهوية الكويتية. ومن أجل تعزيز هذه الجهود، أدخلت الكويت تعديلات على قانون الجنسية في سبتمبر الماضي، تضمنت إلغاء بعض الحالات التي كانت تُمنح فيها الجنسية بالتبعية.
يُذكر أن قانون الجنسية الكويتي يتضمن قواعد محددة لاكتساب الجنسية، تشمل المواليد لأب كويتي، المواليد لأم كويتية في حالات خاصة، من قدم خدمات جليلة للبلاد، بالإضافة إلى شروط تتعلق بالإقامة لفترات طويلة بالنسبة للعرب وغير العرب قبل صدور المراسيم بمنحهم الجنسية.
كما يُلاحظ أن الحملة الكويتية الراهنة على ملفات الجنسية تأتي في إطار رؤية وطنية تهدف إلى تعزيز الاستقرار وحماية الهوية الكويتية من أي تهديد محتمل. إلا أن هذه القرارات تثير تساؤلات قانونية وإنسانية تتطلب مراجعة متأنية لضمان تحقيق التوازن بين سيادة الدولة وحقوق الأفراد، خاصة أن أي إجراء يتعلق بسحب الجنسية يحمل تأثيرات عميقة على حياة الأشخاص الذين يُسحب منهم هذا الحق.
بالتالي، إن قرارات سحب الجنسية الكويتية تحمل أبعاداً قانونية حساسة، نظراً لأنها تتعلق بحق أساسي يحدد الهوية والانتماء للأفراد. في هذا السياق، يمكن تناول الرأي القانوني من عدة زوايا:
شرعية القرارات في إطار القانون
تستند قرارات السحب إلى المادة 21 مكرر من قانون الجنسية الكويتي، والتي تمنح الدولة سلطة سحب الجنسية إذا ثبت أنها مُنحت استناداً إلى غش أو بيانات كاذبة. من الناحية القانونية، هذا النص يعكس مبدأ حماية السيادة الوطنية وتنقية السجلات الرسمية، وهو مبدأ مشروع في إطار القوانين الدولية والمحلية. لكن يجب أن تُطبق هذه المادة بدقة، وأن تكون القرارات مدعومة بأدلة واضحة وقاطعة لضمان عدم المساس بحقوق الأفراد بغير وجه حق.
الضمانات الإجرائية
من المبادئ الأساسية في القانون الإداري أن تكون القرارات الإدارية، ومنها سحب الجنسية، خاضعة لضمانات قانونية تضمن حقوق الأفراد. لذلك، من الضروري أن يُمنح الأشخاص المتضررون حق الطعن في القرارات أمام القضاء الإداري أو الدستوري، وأن يكون هناك تحقيق شفاف يوفر فرصة للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم وإثبات شرعية حصولهم على الجنسية.
الموازنة بين الصالح العام وحقوق الأفراد
قرارات السحب تهدف إلى الحفاظ على الهوية الوطنية وتنقية السجلات من التزوير، وهو مبرر قوي من منظور الصالح العام. لكن يجب تحقيق توازن مع حقوق الأفراد، خاصة في الحالات التي تكون فيها قرارات السحب متعلقة بالأطفال أو النساء الذين اكتسبوا الجنسية بالتبعية، نظراً لما قد ينتج عنها من تداعيات اجتماعية وإنسانية كبيرة.
التوافق مع القوانين الدولية
على الرغم من أن الجنسية شأن سيادي، إلا أن سحبها قد يتعارض مع التزامات الكويت الدولية، خاصة إذا أدى القرار إلى انعدام جنسية الأفراد المتضررين. القوانين الدولية، بما فيها اتفاقية عام 1961 الخاصة بخفض حالات انعدام الجنسية، تشدد على حماية الأفراد من أن يصبحوا بلا جنسية، لما لذلك من تأثيرات سلبية على حقوقهم الأساسية.
المراجعة القانونية للتعديلات الأخيرة
التعديلات التي أُدخلت على قانون الجنسية في سبتمبر الماضي يجب أن تخضع لمراجعة دقيقة لضمان توافقها مع الدستور الكويتي والمواثيق الدولية، ولتفادي أي استخدام مفرط أو تعسفي لسلطات سحب الجنسية.
من هنا، تُعد قرارات سحب الجنسية أداة قانونية حساسة يجب أن تُمارس بحذر ووفق إجراءات عادلة وشفافة. وأي تجاوز أو تعسف في تطبيق هذه القرارات قد يُعرض الدولة لانتقادات قانونية وإنسانية، داخلياً وخارجياً لذا، ينبغي تطوير آليات رقابة مستقلة وفعّالة لضمان احترام حقوق الأفراد والتوازن بين سيادة الدولة وحماية النسيج الوطني.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.