يعد تنظيم منح الجنسية من أهم مظاهر سيادة الدولة، إذ يُحدد وفقاً لتشريعات وطنية تراعي مصلحة المجتمع واستقراره، وفي هذا السياق، يمنح قانون الجنسية الكويتي صلاحيات محددة لوزير الداخلية في منح الجنسية للزوجة الأجنبية لمواطن كويتي، ما يثير تساؤلات قانونية حول طبيعة هذه الصلاحيات وحدودها، خاصة في ضوء التعديلات التي شهدها القانون والاختلافات التشريعية بين الدول بشأن أداة منح الجنسية وآلية إصدارها.
كما يدور النقاش القانوني حول تفسير نصوص المادة 8 من قانون الجنسية رقم 100 لسنة 1980، التي استمرت بصياغتها شبه الثابتة منذ إقرارها وحتى تعديلها في أكتوبر 2024، وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق المادة توقف من عام 1987 حتى يوليو 1995، قبل أن يُعاد العمل بها بعد ذلك، النقاش يتمحور حول عدة نقاط قانونية محورية تتعلق بصلاحيات وزير الداخلية وآلية منح الجنسية للزوجة الأجنبية.
أولاً، هل يملك وزير الداخلية سلطة إصدار قرار يمنح الجنسية للزوجة الأجنبية في حال استيفائها الشروط والإجراءات التي نص عليها القانون، أم أن منح الجنسية يتطلب صدور مرسوم جمهوري بشكل حصري؟
ثانياً، هل القرارات الصادرة عن وزير الداخلية بمنح الجنسية للأزواج الأجانب خلال الفترة الماضية تتفق مع نصوص القانون وروح المشرّع، أم أنها جاءت مخالفة له؟
ثالثاً، هل يمكن سحب الجنسية لاحقاً عن الزوجة الأجنبية إذا تبين أن منحها استند إلى تفسير مختلف للنصوص القانونية المتعلقة بإجراءات وأدوات منح الجنسية؟
من الناحية القانونية، فإن الإطار التشريعي للجنسية يتطلب وضوحًا في توزيع الصلاحيات بين الجهات التنفيذية والتشريعية، لا سيما في المسائل الحساسة كمنح الجنسية أو سحبها، المادة 8 تثير تساؤلات حول مدى جواز استثناء قرارات وزير الداخلية من شرط صدور مرسوم، وما إذا كان ذلك يُعدّ تجاوزاً لصلاحياته وفقاً لمبدأ فصل السلطات وتوازنها. كما أن عملية سحب الجنسية قد تكون عرضة للطعن أمام المحاكم إذا استندت إلى تفسير قانوني غير مستقر أو غير واضح، ما يعزز الحاجة إلى مراجعة النصوص القانونية وتحديد إجراءات واضحة ومنسجمة مع المصلحة العامة.
ومنذ صدور قانون الجنسية الكويتي في عام 1959، اعتمد المشرّع مبدأ منح الجنسية للزوجة الأجنبية لمواطن كويتي مباشرة بعد الزواج، كان الهدف من هذا النص دعم وحدة الأسرة وتعزيز الانسجام القانوني بين أفرادها. غير أن هذا المبدأ لم يكن مطلقاً؛ فقد تخلله العديد من التعديلات التي هدفت إلى تنظيم العملية وضمان عدم استغلالها.
أما التوجه الأصلي، الذي يسمح للزوجة الأجنبية بالحصول على الجنسية بقرار من وزير الداخلية دون الحاجة إلى إصدار مرسوم، أتى بمثابة استثناء لتبسيط الإجراءات وتحقيق استقرار الأسرة الكويتية، ومع ذلك، أدخلت تعديلات لاحقة على المادة 8 من القانون شروطاً إضافية، مثل ضرورة إبداء الزوجة رغبتها في الحصول على الجنسية بشكل واضح، تأكيداً على حريتها واختيارها، فضلاً عن اشتراط فترة زواج مستمرة تبلغ خمس سنوات لضمان جدية الطلب وصحة العلاقة الزوجية.
بالتالي، من الناحية القانونية، يمنح هذا الاستثناء لوزير الداخلية مرونة في التعامل مع حالات منح الجنسية، لكنه يثير أسئلة جوهرية حول توازن السلطة التنفيذية مع المبادئ العامة للقانون. على سبيل المثال، هل يمكن اعتبار قرارات منح الجنسية بهذه الطريقة متوافقة مع مبادئ العدالة والمساواة؟ وما هو الأثر القانوني إذا تم سحب الجنسية لاحقاً بناءً على تفسير مختلف لأحكام القانون؟
الرأي القانوني هنا، يرى أن هذه الأحكام تستند إلى فلسفة قانونية تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة عبر توحيد جنسية الأسرة، ولكنها تطرح أيضًا تحديات. فقد تنشأ خلافات قانونية بشأن صلاحية قرارات وزير الداخلية، خصوصاً إذا وُجد تعارض في التفسير بين النصوص القانونية والتطبيق العملي، لذا، قد يكون من المناسب مراجعة هذه الأحكام لضمان تماشيها مع معايير الشفافية والعدالة، ولتقليل الخلافات الناتجة عن الاختلاف في تفسيرها أو تطبيقها.
ومن خلال تحليل نص المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي الصادر عام 1980 والذي استمر العمل به حتى عام 2024، يتضح أن المشرّع منح وزير الداخلية صلاحية تقليص فترة الانتظار اللازمة لمنح الجنسية للزوجة الأجنبية من خمس سنوات، وذلك بناءً على تقدير الوزير، هذه السلطة التقديرية تعكس رغبة المشرّع في منح وزير الداخلية دوراً محورياً في اتخاذ القرار بشأن منح الجنسية دون الحاجة إلى إصدار مرسوم، مع التركيز على تبسيط الإجراءات وتكييفها وفق الظروف الفردية.
ووفقاً للمذكرة الإيضاحية لقانون رقم 100 لسنة 1980، فإن وزير الداخلية يملك الحق في مراجعة وضع الزوجة الأجنبية حتى بعد تقديمها طلب الحصول على شهادة الجنسية، وذلك لضمان استيفاء جميع الشروط اللازمة، المذكرة توضح أن اكتساب الجنسية بحكم القانون يتم بعد مرور الفترة الزمنية المحددة، إلا أن للوزير الحق في رفض منح الجنسية حتى تاريخ إصدار شهادة الجنسية، مما يعزز السلطة التنفيذية الممنوحة له في هذا الشأن.
كما أن المذكرة الإيضاحية أشارت إلى حالتين متميزتين لمنح الجنسية: الحالة الأولى تتعلق بقرار يصدر من وزير الداخلية، وهي الحالة العادية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 8، أما الحالة الثانية، فتتطلب إصدار مرسوم لمنح الجنسية، وذلك في ظروف استثنائية، مثل وفاة الزوج أو حدوث الطلاق قبل مرور خمس سنوات على الزواج، شرط أن تكون للزوجة أبناء وتحافظ على إقامتها في الكويت حتى انتهاء المدة المطلوبة.
ومن الناحية القانونية، يثير هذا التمييز بين الحالات أسئلة حول مدى التوازن بين الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية والضمانات التي يوفرها القانون للمتقدمين للحصول على الجنسية. كما يُطرح تساؤل حول مدى توافق هذا النظام مع المبادئ العامة للعدالة والمساواة، خاصة مع وجود اختلافات في الإجراءات بناءً على الحالة الفردية.
الرأي القانوني يرى أن منح وزير الداخلية هذه الصلاحيات يتماشى مع فلسفة تسهيل إجراءات منح الجنسية للزوجات الأجنبيات في إطار دعم استقرار الأسرة. ومع ذلك، فإن وجود حالات تتطلب إصدار مرسوم قد يشير إلى الحاجة لإعادة النظر في الإطار القانوني لضمان تحقيق توازن أفضل بين مرونة الإجراءات وشفافية العملية، وتقليل التباينات التي قد تنشأ عن التفسيرات المختلفة للنصوص القانونية.
أما المذكرة الإيضاحية لقانون الجنسية الكويتي لعام 1980 تشير بوضوح من خلال عبارات مثل “يفقد حقه في حرمانها” و”ميعاد حق الوزير في الحرمان” إلى أن وزير الداخلية هو الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرار بمنح الجنسية للزوجة الأجنبية أو حرمانها منها، هذه الصياغة تضع الأساس القانوني لصلاحيات الوزير، وتجعل قراره مصدراً أصيلاً لإصدار الجنسية، دون الحاجة إلى مرسوم من السلطات العليا.
بالتالي، إن النظام القانوني الكويتي ليس فريداً في هذا السياق؛ إذ نجد أن العديد من الدول تمنح وزراء الداخلية أو جهات إدارية محددة صلاحيات مشابهة فيما يخص منح الجنسية، على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية ومصر، يتمتع وزير الداخلية بسلطة إصدار قرارات بمنح الجنسية للزوجة الأجنبية، وذلك ضمن إجراءات وقواعد واضحة ومحددة.
وجدير بالذكر أن المشرع الكويتي أجرى تعديلاً جوهرياً على المادة 8 في عام 1987، حيث اشترط أن يتم منح الجنسية بمرسوم يصدر عن القيادة العليا، مما يعكس رغبة في تعزيز الرقابة على هذه القرارات، غير أن هذا التعديل لم يحظَ بالموافقة النهائية من مجلس الأمة، ما أدى إلى العودة إلى النص الأصلي لعام 1980 الذي يمنح وزير الداخلية الصلاحية المباشرة.
هذه التحولات التشريعية تسلط الضوء على محاولة المشرع لتحقيق التوازن بين المرونة في منح الجنسية والحاجة إلى الإشراف والرقابة على هذه العملية، ويطرح هذا الأمر تساؤلات قانونية مهمة حول مدى كفاية الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية، وما إذا كان من الأنسب تعزيز الشفافية عبر اعتماد نهج تشريعي أكثر وضوحًا ودقة لتحديد الإجراء الأنسب لمنح الجنسية، خاصة في الحالات الحساسة مثل الزوجة الأجنبية لمواطن كويتي.
وفي الختام، يبرز منح الجنسية كأحد القرارات السيادية التي تعكس توجهات المشرع في تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع. وبالنسبة لقانون الجنسية الكويتي، فإن الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية تعكس مرونة تشريعية تهدف إلى تعزيز الروابط الأسرية وتأكيد الاستقرار الاجتماعي، ومع ذلك، يبقى النقاش القانوني مستمراً حول الأدوات الإجرائية وآليات التنفيذ، مما يستدعي تأصيلاً واضحاً ودقيقاً يوازن بين مقتضيات القانون ومتطلبات العدالة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة من التشريع.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.