أضع هنا ملخص ما يدور في خلدي بشأن الواقع السوري القائم، وما هو الخطر الذي قد يهدد سوريا والأمة العربية والعالمية، بالنظر لموقف القيادة السورية الجديدة، وما هي الحلول…
فأقول وبالله التوفيق:
إن الخطر من واقع سوريا الجديد اليوم على الأمة جميعا العربية خاصة والإسلامية عامة يظهر من أبوابٍ عدة:
١- أولا الخطاب الطائفي الملازم للحكام الجدد، وهو خطاب جاهل، وصف حالته المصطفى عليه السلام بالمنتنة، عندما تنادى بها الصحابة بين أنصار ومهاجرين، ونهى عنها القرآن الكريم بصورة صريحة؛ (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته إخوانا) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا)، وغيرها الكثير، والأمة بطوائفها ومذاهبها لم تكن أقرب للوحدة وتجاوز المذاهب المحدثة بعد عهد النبوة، والرجوع لعصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته غير المتمذهب إلا بالإسلام، لم تكن أقرب للعودة الإسلام الخالص عن المذهبيات كما هو اليوم، بحكم أمور عديدة قامت بها الحجة عليهم جميعا، منها:
- تكالب الأعداء عليها
- تحقير النظام الاستكباري لها جميعا دينا وقوميات دون تفرقة، فمن ارتد عن دينه وعاداه وولاهم، فصد هذا الباب بينه وبين الغرب الصهيوني المستكبر، استحقروه من باب قوميته، كما استحقروا بعض العرب الحليف القريب لهم في منع بعض صفقات السلاح وبعض التكنولوجيا العلمية وغيرها عنهم
- وسائل التواصل الميسرة، وإمكانية الوصول إلى الحقيقة سريعا بعملية تأني وتحييد للعواطف، وعدم ركوب الموجات، وصدق وإخلاص للكلمة والحقيقة
- نصرة بعضهم لبعض دون اعتبار للمذهبية، فقط الإسلام، كما أبان عنه أخيرا طوفان الأقصى من نصرة كل المسلمين لكلهم بغض النظر عن مذاهبهم سنة وشيعة وغيرهم، حتى جاد الشيعي للسني بدمه قيادة وجنودا على الارض والسني للشيعي في مواطن أخرى
- فتاوى المرجعيات في القضايا التي فرقت المسلمين تاريخيا، مثل سب الصحابة الكرام، وتحريمهم لها، والبراءة من كل من يأتيها، كما فتوى الخامنئي في تحريم النيل من الصحابة وأمهات المؤمنين، والسيد حسن نصر الله الذي أيضا اكد هذه الفتوى والمتجه، وكما فعل أعيان العلويين في سوريا في بيانهم الأخير، وكما هو موقف الزيدية في اليمن الثابت، وكما أصدرت أيضا مرجعيات سنية حرة محبة للوحدة فتاوى في ذات السبيل، بل حتى الأخوة العرب المسيحيين، كان لهم دور في تحييد الخطاب الطائفي، والدعوة للعودة لثقافة الإسلام التي تخصهم جميعا، وهذه المسائل كانت متكأ الدواعش في تقتيلهم الشيعة، والشيعة الغلاة في تقتيلهم وتكفيرهم السنة، مع إحياء كلمات بائدة منتنة تحمل في طيها سما زعافا قاتلا ومعانيَ نهى عنها الله ورسوله كالروافض والنواصب والخوارج لوصف بعضهم بعضا
٢- ثانيا عدم وجود الأولويات، فالكيان يدمر المقدرات السورية العسكرية، التي تخص السوري، وتخص الأمن القومي العربي أيضا، ويحتل الأراضي السورية باطراد، ويقطع السبل، ويقتل السوريين في بعض الأراضي المحتلة، ولا نجد ذلك أولوية عند أحمد الشرع، القائد العام للعمليات في خطاباته، فلا يحتل هذا الأمر الجلل والحي شيئا كما يحتله البعد الطائفي في معاداة إيران وحزب الله وكل ما يسود وجوههما، كما رأيناه أخيرا مع جعجع، وتهمته المباشرة لبشار وبالتبعيّة لإيران وحزب الله باغتيال رفيق الحريري، وكان بإمكانه مع هذا الإصرار الذي هو عليه في إيران وحزب الله أن يجعل مساحة لنقد هذا المد الصهيوني والوقوف ضده بـسبلٍ عدة وممكنة منها:
- توجيه قوات للأراضي المتوغل بها، ومحاربة جيش الكيان وفتح جبهة معه، فإن تعذر بسبب ظروف الأمن الداخلي القائم وأولوية وحدة الصف الداخلي (وهو أمر مقدر)
- فَبِحَثِّ الرعاة الداعمين قطر وتركيا الجارة خصوصا على حماية حدود سوريا عسكريا في ظل انعدام الجيش، مثلا بطلب فرضها حضرا جويا على الطيران العسكري فوق الاجواء السورية، و بتحليق الطيران العسكري التركي فوق السماء السورية لحمايتها، أو بدخول قطع عسكرية تركية للجولان وحدود فلسطين المحتلة إلى حين تشكل الجيش واستتباب الحكم، لمنع احتلال الأراضي السورية، واستغلال الكيان للفوضى القايمة، كما دخلت (تركيا) درعا وغيرها من الأراضي السورية، فإن تعذر ( ولا وجه أرى لتعذره)
- فتحريك البعثات الدبلوماسية السورية وتفعيل ممثليها في الجامعة العربية و الامم المتحدة وفي غيرها مباشرة ودون تراخٍ بعد أول طلقة من الاحتلال للمطالبة بتطبيق المواثيق والقوانين، ولتأليب العالم على الصهاينة وتسويد وجوههم، وحماية سوريا عسكريا من قبل الدول العربية حسب مواثيقها في الدفاع المشترك عن الدول الأعضاء، واعتبار أمن أي دولة عربية أمنا للدول الأخرى يجب الدفاع عنه عسكريا، فإن تعذر هذا أيضا (ولا وجه أرى لتعذره)
- فبالاحتجاج الإعلامي المباشر غير المتراخي وغير الخجول، وجعل مساحة حقيقية لهذا الشأن الحي القائم في اللحظة، مساحة مقدمة على أمر إيران وحزب الله، فيذكر هذا الحدث الصهيوني والتعدي السافر على الارض ومقدرات الدولة السورية الذي هو أمين عليها اليوم بلسانه قبل ذكر الآخرين، لو أردنا عدم انتقاده في ذكرهم وسلمنا بسوءهم
٣- ثالثا عدم الموضوعية، وعدم القدرة على الاستفادة من التاريخ، فالحكام الحاليون لسوريا ينقلونها من حضن (إيران مثلا) إلى حضن أمريكا والغرب، فتنتهي سوريا بهذا في اصطفاف دولي من جديد، مرتهنة بمصالح الآخرين، رغم كون مصالح الأولين (إيران) هي مصالح قومية مشتركة استراتيجة ثابتة (مثل تحرير فلسطين والأقصى والتخلص من الكيان) بحكم الجغرافيا والثقافة والروابط التاريخية بين بلاد المنطقة، وليس هي كمصلحة الغرب الإمبريالية، التي تريد تكرار نسخ الأردن ومصر في سوريا ولبنان، في تخلف الشعوب، وعوزهم، وهضم مقدراتهم، وارتهان الدولة لعدوها، وجعلها تقدم مصالحه على المصلحة الوطنية والقومية، وحامية له هو أولا، وضامنة لتفوقه وتخلفها، وهو كيان سرطاني مزروع في قلب دول الشرق الأوسط قاطبة، لا يخفى ضره، ولا يخجل من شره رسميا، ولا يواري في عدائه للجنس العربي. وتحقيره له، من رئاسته ورسمييه إلى شعبه، لذلك فهذا الانتقال تشويه وضر، لا يخدم سوريا على المدى البعيد، وكان بإمكانه عدم الاصطفاف، فكما نسي الجرائم التي ارتكبت بين يديه لما كان قائدا في داعش فالقاعدة والنصرة وتصالح مع نفسه وظهر إنسانا آخر، كان بإمكانه أن ينسى قضية الانتقام، وجرائم تلكم الأيام في ظل تلكم الفتن، ويدفع بالتي هي أحسن كما أمر ربه، ويحافظ على مسافة قريبة بين الطرفين، مع مد وجزر بينهما، بما يخدم سوريا والقطر العربي عموما.
هذه قراءتي الحالية في المشهد السوري، وأرجو أن يكون القائم مما انتقدناه على الأخوة الحاكمين اليوم في سوريا هو اجتهادا منهم، وليس هو ارتهانا بأمرٍ من الخارج، ولا ائتمارا لجهة غير الدولة السورية، فإن المجتهد مرن، ويجعل مصلحة الوطن أولا، فيغير بما هو في المصلحة العامة، وأما المرتهن، فعبدٌ ذليل خانع لا يملك من الأمر شيئا، ولا ينفعه نصح، وليس لديه اهتمام بالمصلحة الوطنية. فقط بسيده المرتهن له، فلا يتغير إلا بتغير سيده وأمره، لذلك على الأمة الحرص وعدم الاصطفاف، وطلب الحذر من السياسة الغربية الظالمة، الخادمة للصهيونية العالمية المجرمة، ولإرهابها وحربها للإنسانية والإنسان ومقومات الحياة والامن على ظهر هذه الارض في الشرق والغرب
حمى الله سوريا، ويسر الله لشبابها رجالا ونساء حكاما ومحكومين بناءها على العدل، والمساواة والحب والتآلف بين مكوناتها جميعا، ويسر الله لهم تخطي الماضي وتجاوزه والعفو عنه، وحفظ الله بلاد العرب والمسلمين بل وبلاد العالم من الحروب والمكائد، ومن الغول الصهيوني العالمي، وجعل الاستقرار والأمن حليف كل أمة وشعب صادق في قضاياه، ومحق في إرادته للحياة، ونصر المجاهدين في غزة نصرا قويا عزيزا عاجلا غير آجل، وانتقم الله تعالى لتلكم الدماء الزاكيات والأجساد الشريفة بتحقيق نصره، وأذهب غيظ صدور كثيرين. وشفى قلوبهم المكلومة، وخلص الله العالم العربي والعالم أجمع من هذا الكيان الصهيونى السرطاني النازي الجاثم على أرض فلسطين الحبيبة عاجلًا، ومن الصهيونية العالمية صنو النازية، وأختها الأخزى والأشر، رغم قتامة المشهد الذي نعيش، وقَلَّبَ قلوبَ العالمين لذلك، وسدد الله خطى المخلصين من العالم أجمع، المحبين للإنسان والحرية والحياة الكريمة.
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي
الإثنين
٢١ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـ
٢٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م