يلفت انتباه أي متابع للخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- منذ توليه مقاليد الحكم قبل خمس سنوات، اهتمامه البالغ والمستمر وحرصه على تحقيق الهوية الوطنية العُمانية، والحفاظ على الموروث الأخلاقي والقيمي والسلوكي للمجتمع العُماني، وهذا يأتي من إدراك جلالته- أعزه الله- بأنَّ انطلاق أي أمة لا بُد أن يكون مبنياً على أساس أخلاقي وقيمي قوي وأساس متين؛ فالدول التي تعتمد على أسس غير أخلاقية لا بُد وأنها ستنهار يومًا ما.
وتأتي توجيهات جلالته السامية في إطار تبني سياسات وبرامج تعزز القيم الأخلاقية والانتماء الوطني والتي لا بُد أن تكون عملية مشتركة بين المؤسسات جميعها وليس جهة مُعينة دون غيرها خاصة مؤسسات المجتمع المدني والأسرة والمسجد والمدرسة وغيرها من المؤسسات التي يفترض عليها واجب أخلاقي وقيمي يتم إيصاله إلى الأجيال الحالية والمُستقبلية.
والهوية الوطنية العُمانية تُمثل مزيجًا فريدًا من القيم والتقاليد والمبادئ التي ورثها العُمانيون عبر الأجيال والتي تتجسد في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم الراسخة، وقد أدرك جلالة السلطان هيثم أهمية هذا الأمر، فبرزت من خلال خطاباته السامية إشارة واضحة إلى التحديات التي تُواجه المجتمع العُماني، والتي تتعلق بالهوية والأخلاق والتربية والبنية الاجتماعية المتماسكة، ويبدو أنَّ هذه التحديات ليست فريدة لعُمان، بل هي سمة مشتركة بين المجتمعات التي تواجه متغيرات العصر الحديث.
إنَّ الخطاب السامي في يوم 11 يناير 2025، يبرز ضرورة خلق توازن بين المحافظة على الموروث الاجتماعي والانفتاح على العالم، وأن هذا التوازن لا يعني التفريط في الهوية أو الشخصية العُمانية، بل يُعزز من قدرة المجتمع على التفاعل مع التغيرات العالمية دون المساس بجوهره، وهذا التوجه يعد ضروريًا في عالم يتجه نحو العولمة؛ حيث يتعين على المجتمعات الحفاظ على خصوصياتها الثقافية في ظل الانفتاح على الثقافات الأخرى.
وحقيقة أننا كعُمانيين نمتلك الكثير من المعطيات التي تؤهلنا للحفاظ على الهوية العُمانية ومن ضمن هذه المعطيات وجود تراث مادي وشفوي وتاريخي كبير يجعلنا نملك القدوات السامقة والعالية، فيكفينا مثلًا رواية قصص الشخصيات التاريخية العُمانية وإنجازاتها لتعزيز الهوية الوطنية من الجانب التاريخي؛ إذ إن وجود القدوات والشخصيات البارزة يغرس في نفوس الشباب روح الطموح والإلهام ويحفز الشباب على المساهمة في الحفاظ على تراثهم والعمل على تطويره، دون فقدان أصالته، فالموروث الثقافي والتاريخي ليس مجرد إرث للماضي، بل هو مصدر إلهام للحاضر والمستقبل فهو يُعزز الروابط الاجتماعية، ويوفر للأفراد شعورا بالاستقرار النفسي والأمان الاجتماعي.
إنَّ الهوية الوطنية العُمانية ليست مجرد مفهوم يدرس في الكتب، وليست مجرد تاريخ يروى ويحكى، بل هي مستقبل يبنيه أبناء كل وطن وواقع يعاش ويمارس بشكل يومي، وفي ظل التحديات المعاصرة، يبقى الإصرار على تعزيز الهوية والتمسك بالقيم الأصيلة هو السبيل للحفاظ على النسيج الاجتماعي المتماسك، كلما نجح العُمانيون في التمسك بهويتهم، زادت قدرتهم على مواجهة التحديات والمساهمة في بناء مُستقبل مشرق لعُمان.
إنَّ الحفاظ على هذا الإرث العُماني والحضاري والاعتزاز به هو واجب على كل عُماني، لضمان استمرارية القيم والمبادئ التي شكلت أساس المجتمع العُماني المتماسك، وتحت قيادة جلالة السلطان المُفدّى يبدو المستقبل واعدًا؛ حيث يجتمع الماضي والحاضر لخلق غدٍ أفضل لعُمان.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.
د. خالد بن علي الخوالدي