ا. نوف الغيلانية
أصبحت وتيرة الأيام سريعة جداً، لا يكاد يمر اليوم حتى نجد أنفسنا في اليوم الذي يليه دون استشعار حقيقي للأحداث التي نمر بها خلال يومنا. في ظلّ عالم يعجّ بالتوقعات والمقارنات، وما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي من صور حياة مثالية سهلة ومبهجة لا دموع فيها ولا تعب، وغيرها من الشعارات التي تصدح في الأرجاء صباحاً ومساء، خاصة لنا نحن معشر النساء .
أمام هذا الكم الهائل من العبارات الرنّانة (المرأة المعاصرة، المرأة القوية ، المرأة الحديدية ، المرأة المثالية) تقف المرأة أحياناً في قلب دوامة صامتة خلقتها الصورة التي رسمتها وسائل التواصل الإجتماعي فبالغت في الخيال و نحت بعيدا عن الواقع لترسم نمط المثالية و ترفع سقف التوقعات منها.
فهاهي المرأة اليوم تقف حائرة أمام قائمة طويلة من الأدوار التي يجب أن تقوم بها على أكمل وجه، كالأم المثالية، و الزوجة المتفانية، وًالابنة البّارّة، و العاملة الناجحة والصديقة المخلصة، وكأن حواء قد حكمً عليها أن تقوم بكل دور بمنتهى المثالية، فأصبحت المرأة تبذل المزيد والمزيد من الجهد حتى تُثبت للعالم بأنها قادرة على أن تكون مثالية في كل شيء.
إن ضغط المثالية هذا جعل منها كائن آخر لا يشبه الكائن الذي خلقه الله على الفطرة، ففي وسط هذا الزحام والسعي خلف الكمال تتجرد المرأة من عفويتها وتفقد أنوثتها. أصبحت هذه الشعارات تُثقل كاهلها وكأنها مجبرة على أن نثبت للعالم بأنها امرأة مثالية.
في الواقع أن مثل هذه العبارات الرنانه تثقل كاهل المرأة و تحملها ما لا طاقة لها به فهي تشعرها بالتعب والضعف أكثر من أن تُشعرها بالقوة والصلابة، تُشعرها بالضغط النفسي والإرهاق الجسدي.
في حقيقة الأمر أن الهرولة وراء المثالية سراب لا وجود له في الواقع المعاش ، ففي عالمنا لا كمال لأحد، و بالتالي يجب التوقف برهة عن الجري وراء المثالية لنتأمل و نتفكر و نتدبر في أنفسنا نطلق السؤال عاليا إلى متى يجب أن نعيش في هذه الدوامة التي تمتص طاقتنا و تسلب سعادتنا؟ و هل نحن قادرات على تحمل التكاليف الباهظة لهذه الصورة المثالية الزائفة؟ و ما الذي سيحصل إذا حرصت المرأة على التنازل عن المثالية و باتت طبيعية؟ كل هذه التساؤلات تجعلنا ندرك إذا لم يتحقق التوازن في جميع الأدوار التي تقوم بها المرأة فإن ذلك سوف يثبط من عزيمتها وتصبح عالة على من حولها أكثر من أن تكون مُعيل لمن حولها.
أيتها المرأة المباركة لستِ مطالبة أن تكوني مثالية ولا أن تثبتي لأي شخص أنك قوية، فقط عليكِ أن تكوني أنتِ كما أنتِ فقط تشبهين روحك، لا بأس أن تكوني زوجة تسعى لإصلاح بيتها على قدر استطاعتها، لا بأس أن تكوني أم تفشل أحيانا في ضبط مشاعر الغضب تجاه أبنائها، لا بأس أن تكوني امرأة عاملة تُخطئ في تقدير بعض الأمور، و لا بأس أن تكوني صديقة تختار رفقة ذاتها في بعض الأوقات. لا بأس أن تكوني كافية بدلاً من مثالية. المرأة لا تحتاج للمثالية لتكون محترمة ومحبوبة ممن حولها، قوة المرأة تكمن في إنسانيتها في تغلبها على ضعفها في النهوض بعد تعثرها في قدرتها على التعلم والتطور.
لا بأس بكل هذا، ولكن اسألي نفسك هل تستحق المثالية هذا الثمن؟؟
لست ضد أن تسعى المرأة لتحسين حياتها وتحقيق أهدافها ولكن بقدر استطاعتها وعلى قدر إمكانياتها وقدراتها وأن تسمح لنفسها أن
تكون متوازنة في كل مرحلة من مراحل حياتها، الوقت ثمين جداً فكل لحظة تمر لن تعود أبداَ ، لذلك تعلمي أن تعيشي حياتك وتستمتعي باللحظة بكل حواسكِ، امنحي نفسك مزيداً من الحب، والراحة والاستجمام، ضعي الحدود وقولي “لا” لكل ما لا يخدمك، كوني أكثر لطفاً مع نفسك وتقبلي حقيقة أنك بشر قابلة للتقصير والخطأ ولست مثالية في كل شيء. الكمال ليس هدفاً، بل قيداً؛ تحرري منه وكوني إنسانه حقيقية لا نسخة مثالية تحركها شعارات زائفةًً.
