لم ييبقى الشرق الأوسط ساحة لصراع الأيديولوجيات أو العسكر فقط بل تجاوزت حدود المعركة ليتحول مختبرًا يرسم معالم توازنات ويعيد تشكيل الخرائط السياسية، واداة لتحريك محاور النفوذ. في لحظة مصيرية على مستوى العالم وحروب الوكالة أو الواسطة بجبهات متقدمة في أكثر من منطقة على مستوى العالم ومنها الشرق الأوسط الذي دخل بحرب طاحنة بين قوتان تتواجهان على ضفّتي النار بين إسرائيل التي تنشد السيطرة بقوة السلاح والدعم الغربي، وإيران التي تصوغ مشروعها بقوة العقيدة والميدان.
ليبقى السؤال الأهم ايو منهما يمتلك المفاتيح الحقيقية لتغيير وجه المنطقة؟
فكيان إسرائيل غطرسة القوة ومكر بالسياسة
منذ نشأتها، وإسرائيل ليست كيانًا طبعا بل مشروعًا استعماريًا بغطاء ديني وخلفية توسعية تحركها استراتيجية عميقة مسنودة بآلة إعلامية واستخباراتية، وحماية أميركية غير مشروطة حققت اختراقات كبيرة في علاقاتها الإقليمية خصوصًا مع اتفاقيات “أبراهام” التي فتحت لها أبواب الخليج وثقافة الخنوع التي أدخلت معظم الأنظمة حظيرة التطبيع
لكن هذا التقدم السياسي بقي هشًا اصطدم بصواريخ غزة وعمليات الضفة، وتهديدات حزب الله وكاد يتلاشى أمام سؤال الشرعية الذي لم يُجب عنه حتى الآن بعد وصول رىيس حكومته إلى المحكمة الجنائية الدولية ليحاكم مع وزير دفاعه بجرائم حرب بالوقت الذي أعدته فيه
إيران الجمهورية الإسلامية مشروعها كجزء من الممانعة الدولية وحالة من التوغل الصامت
على الجانب الآخر لتمضي بمشروعها الذي يمتد من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد وصنعاء وحتى دمشق قبل أن تسقط بيد الإرهاب وذلك برغم الحصار والعقوبات فقد صنعت حضورًا ثقيلًا في ساحات الصراع فهي اعدت درّبت دعمت وموّلت وكلفها ذلك أثمانًا باهظة دفعت فيها ثمن امتلاكها أوراقًا كثيرة حقيقية أسقطت طائرات أميركية، ضربت قواعدها، هدّدت مضيق هرمز، وتحوّلت من دولة محاصرة إلى قوة إقليمية تُحسب لها ألف حساب.
الرؤية بينهما الفارق الجذري
إسرائيل تسعى لتطبيع القوة وكسر إرادة الشعوب عبر ترسيخ وجودها بالقهر والردع بينما إيران تراهن على تعبئة المجتمعات وبناء التحالفات وتتهم احيانا أنها على حساب السيادة الوطنية
ودائما السؤال: من أقرب للغلبة؟
- عندما تُسقط طائرات الشبح وتشل المطار فهذا تحوّل.
- عندما ينهار الردع الإسرائيلي ويُضرب قلب تل أبيب فهذا تحدٍ غير مسبوق
- عندما يُحاصر النفط وترتفع الأسعار العالمية بسبب التوتر الإيراني الأميركي وتختل موازين الاقتصاد ويدخل هذا التتأثر على إدارة الحرب واستمرارها
نعم الحرب صعبة ونتائجها لم تعد غامضة بين كبان إسرائيل إيران من يتفوّق؟ في معركة المفتوحة التي نشهدها حاليًا، والتي تحمل بصمات حرب الظلال بين إيران وإسرائيل، تُختبر كل من القدرات الاستخباراتية، والهجمات السيبرانية، والحرب النفسية، وصولًا إلى التصعيد المباشر مع كل صاروخ يُطلق وكل قاعدة تُقصف والخشية من تحرّك جبهات لبنان العراق أو سوريا !!!
كل ما هو واضح ان ملامح حرب طويلة لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بالصبر الإرادة والمشروع
سيكتب تاريخ المنطقة الجديد؟ فالتاريخ لا يُكتب في المؤتمرات، بل في الميدان صحيح أن إسرائيل تبدو أكثر تسليحًا وتظهر إيران أكثر عزلة، لكن الحقيقة أعمق:
الذي يربح الشرق الأوسط هو من يكسب قلوب الشعوب، من يفكك خرائط الخوف، من يُسقط الهيمنة لا ليبني ديكتاتورية أخرى، بل ليعيد للمنطقة كرامتها وهذا ما يحمله مشروع الجمهورية الإسلامية الذي تبنى قضايا الشعوب المستضعفة واقرن دستوره بعديد وعدة ليوم نزال
قال تعالى:
“ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” – سورة الحج، الآية 40
فمن ينصر الحق لا يحتاج إلى أساطيل بل مشروع عدالة وهذا معيار المعركة القادمة وليست صواريخ فقط مع أن إسقاط الشبح نصف المعركة وطائرات التجسس فقد جدوى عملها بعدما سقط ارشيف كيان إسرائيل بايادي إيرانية تفكك شيفرته لحظة بلحظة
د. محمد هزيمة
كاتب سياسي واستراتيجي
مستشار في العلاقات الدولية
