د. صالح بن عبدالله الخمياسي
عندما تسأل قريبا او صديقا عن طول غيابهم تأتيك الإجابة المعتادة إسمح لي يا أخي لقد كنت مشغولا ، أغادر المنزل من الصباح الباكر و أعود إليه متأخرا. هل تصدق لا أجد الوقت الكافي لأجلس مع عائلتي.
تتساءل بداخلك أليس الوقت هو المورد الوحيد الذي يتساوى فيه الناس جميعاً فهو متاح للغني و الفقير ، الرجل والمرأة ، الصغير او الكبير فكل إنسان لديه اربعة و عشرون ساعة ، اي ما يعادل 1440 دقيقة في اليوم
له مطلق الحرية في التصرف بها.
ترى هل يحسن الجميع تسخير الوقت لتحقيق أفضل النتائج أم أن هناك من يهدره دون أن يدرك كيف انسل منه و فيما وظّفه؟ بالرغم من إدراكنا بأننا على موعد للإجابة عن سؤال يقودنا للتأمل و التدبر فيما أفنينا أعمارنا ؟ و يحتم علينا إعداد العدة للإجابة عليه بشكل مقنع يفضي إلى أننا أحسنا إستخدامه في الخير.لقد سخر لما فيه عائد لنا و لأسرنا و مجتمعاتنا و أوطاننا فكما يقول جبران خليل جبران ” الوقت لا يرى ولكن نتائجه تملأ الحياة”.
الوقت درتك النفيسة فصنها:
يظل الوقت رأس مالك الحقيقي. جوهرتك النفيسة ترى هل تتعامل مع هذه الدرة بما يليق بقيمتها ؟ هل تدرك أين يمضي وقتك ؟ هل يعود عليك ما تبذله من جهد بعائد ملموس ام أنك بت أسيرا لللهو و المشتتات التي لا تعد و لا تحصى. تخيل لو أن بنكاً يودع في حسابك يومياً 1440 ريالاً، ولكن في نهاية اليوم يُلغى ما لم تُنفقه. لا يُدخر، لا يُرحّل. كم ستكون حريصاً على استثمار كل ريال منه؟ هكذا هو الوقت، عملة يومية تذوب كل ليلة. هذا ما أدركه سالم حين زار صديقه شاكياً ضياع عمره سدى، فرد عليه صديقه وليد دقائق يومك هي كنزك، فاحرص على أن تنفقه بحكمة.
تمعن هل يذهب وقتك سدى؟
رغم أن الكل يملك نفس عدد الساعات و الدقائق منه، إلا أن الفارق يكمن في كيفية استخدامها. يقول المفكر الأمريكي بيتر دركر من الحصافة أن يجري الشخص عملية جرد لمعرفة كيف يقضي وقته ليشخص ذاته و يكتشف هل يستخدمه بحصافة أم يقع في فخ المشتتات التي تسرق منه وقته دون أن يشعر .
لربما يقود تشخيص كيفية قضاء الوقت البعض إلى معرفة أنهم أحسنوا تسخيره في إكمال دراساتهم و تطوير مهاراتهم و مشاريعهم الخاصه او التدرج في مساراتهم الوظيفة ليحافظوا على مثل هذه العادة الحسنة، بينما يكتشف آخرون أن سنوات عمرهم تطايرت دون إنجازات ملموسة فيتلضوا كمدا و حسرة ثم يكون ذلك نقطة تحول إلى وعي ذاتي يقودهم إلى تسخير وقتهم فيما يحقق لهم نتائج عظيمه.
إحذر من لصوص الوقت :
كما يقال أن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي. لذا علينا جميعا أن نحذر من لصوص الوقت العديدة و نسعى إلى تسخير الوقت للحصول على أفضل النتائج. ترى هل هناك لصوص تسلبنا الوقت ؟ نعم هيا نسلط الضؤ على بعض منها:
- التسويف: ذلك الصوت الخفي الذي يهمس لك: “ ستنجزها غداً” فهناك متسع من الوقت و هكذا يسرق منك الوقت دون أن تدرك حتى تتراكم المهام ويثقل عليك إنجازها.
-المشتتات الرقمية: تمر الساعات سريعاً بين إشعارات بلا نهاية وتصفح وسائل التواصل بلا هدف
-الأحاديث والزيارات غير الضرورية: ما أكثر الأوقات التي تهدر في كلام لا يُغني ولا يُثمر.
-غياب التخطيط: حين نعمل بلا بوصلة، نضيع في التفاصيل ونتخبط في الأولويات. لذا فالفشل في التخطيط هو تخطيطا للفشل.
نماذج أحسنت توظيف الوقت :
عبر التاريخ، ترك علماء المسلمين أثرهم لأنهم أدركوا قيمة الوقت. لقد كان الإمام النووي يدرس 12 علماً يومياً، بين فقه وحديث وأصول. اما ابن الجوزي فقال: ما وجدت أنفع للوقت من مطالعة الكتب. و نظرا لحرصه على الإستفادة من الوقت فقد كتب ابن الهيثم “المناظر” أحد أعظم كتب البصريات وهو في السجن. اما في عصرنا الحديث فهناك نماذج كثيرة أحسنت الوقت و جنت الحصاد.
أساليب لإدارة الوقت:
لقد وضعت العديد من النظريات و القواعد و القوانين و الأساليب التي ذاعت شهرتها لما أحرزه مستخدميها من نتائج في إدارة الوقت وً مساندة الناس و تمكينهم من تنظيم وتخطيط استخدامهم للوقت بين الأنشطة المختلفة، مما مكنهم من زيادة الإنتاجية وتحقيق التوازن في حياتهم العملية والشخصية من أبرزها التالي:
- نظرية باريتو (قاعدة 80/20):
- تنص على أن 80% من النتائج تأتي من 20% من الجهود.
- التطبيق: ركّز على المهام الأكثر تأثيرًا (الـ 20%) التي تحقق أكبر عائد، وتجنب تضييع الوقت في المهام قليلة الأهمية.
- مصفوفة أيزنهاور (الأهم والعاجل):
- طوّرها دوايت أيزنهاور، وتقسّم المهام إلى 4 أرباع:
- مهم وعاجل ( ركز على إنجازها الآن).
- مهم وغير عاجل (خطط لها لاحقًا).
- غير مهم وعاجل (فوّضها للآخرين إن أمكن).
- غير مهم وغير عاجل(احذفها أو تجنبها).
- تساعد في تحديد الأولويات وتفويض المهام غير الضرورية.
- تقنية بومودورو (Pomodoro)
- تعتمد على تقسيم العمل إلى فترات زمنية قصيرة (25 دقيقة عمل متبوعًا بـ 5 دقائق راحة)، مع أخذ راحة أطول بعد كل 4 جولات وذلك لتُحسّن التركيز وتقلل التشتت.
- نظرية تحديد الأهداف الذكية (SMART)
- يجب أن تكون الأهداف:
- محددة (Specific).
- قابلة للقياس (Measurable).
- قابلة للتحقيق (Achievable).
- واقعية (Relevant)**.
- محددة زمنيًا (Time-bound).
- تساعد في تحويل المهام الكبيرة إلى خطوات عملية.
- قانون باركنسون (Parkinson’s Law)
- ينص على أن المهمة تتوسع لتملأ الوقت المخصص لها.
- التطبيق: ضع مواعيد نهائية قصيرة لإنجاز المهام لتجنب المماطلة.
- طريقة “أكل الضفدع” (Eat That Frog)
- من كتاب براين تريسي: ابدأ بالمهمة الأصعب أو الأكثر إزعاجًا أولًا في الصباح، لتبقى المهام الأخرى أسهل.
- نظرية التخطيط العكسي (Backward Planning)
- ابدأ من الهدف النهائي وحدّد الخطوات بالترتيب العكسي لتحديد المهام المطلوبة مسبقًا.
- نظرية الحِمل الزائد (Timeboxing)
- تخصيص فترات زمنية محددة لكل مهمة (مثل: ساعة للرد على الإيميلات)، مما يحدّ من التسويف.
- مبدأ التفويض (Delegation)
- لا تحمل كل المهام بنفسك؛ فوّض المهام الروتينية أو غير الأساسية للآخرين لتركيز جهودك على الأولويات.
- تحليل ABCDE (لبراين تريسي)
- رتّب المهام حسب الأولوية:
- A (مهم جدًا، عواقب عدم الإنجاز كبيرة).
- B (مهم لكن أقل من A).
- C (جيد فعله لكن ليس ضروريًا).
- D (يمكن تفويضه).
- E(يمكن حذفه).
لا شك أن الإستفادة من هذه الأساليب و ممارستها كروتين يومي سيمكنك من تحويلها إلى عادة تميزك عن سائر الناس و تجعلك تنظر إلى وقتك كجوهرة نفيسة يجب عليك الحفاظ عليها و تعهدها بالرعاية و إستخدامها بشكل أمثل يضاعف الحصاد لتعم الفائدة لك و لأسرتك و مجتمعك و وطنك بل قد يتجاوز الأثر الطيب الحدود لخدمة الإنسانية.
د. صالح الخمياسي
باحث و مدرب و كوتش في القيادة الذاتية و التغيير الشخصي.

