أحلّ ضيفاً على قناة أبوظبي الفضائية في العشرين من نوفمبر، ويشاركني هذا اللقاء الشاعر العُماني البارز الدكتور خميس المقيمي، في أمسية تحمل من الودّ أكثر مما تحمل من البروتوكول، لأنها تأتي احتفاءً باليوم الوطني لسلطنة عُمان، واستحضاراً لذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية قبل 281 عاماً على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي. ولا يمكن الحديث عن هذه المناسبة في أبوظبي دون أن يستيقظ في القلب معنى الأخوّة العميقة بين عُمان والإمارات، تلك الأخوّة التي ليست مجرد علاقة بين دولتين، بل بين بيتين متجاورين، وجارين يتقاسمان الملح والماء والظل، وبين شعبين يتشابهان في طبعهما وروحهما وأخلاقهما حدّ التطابق.
أكتب عن أبوظبي لأنها مدينة أعرفها بالقلب قبل العين، مدينة لا تستقبل العُماني بوصفه زائراً، بل كأخٍ يعود إلى بيته. وربما تلخّص كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله هذه الروح حين قال عن عُمان:
«عُمان منا ونحن منهم، تربطنا روابط الدم والنسب والتاريخ والمصير المشترك.»
هذه ليست جملة سياسية، بل شهادة عميقة عن علاقة امتدت عبر التاريخ، وتجاوزت كل المفاهيم التقليدية للعلاقات الأخوية ، لتصبح نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الأخوّة حين تُبنى على الاحترام والثقة المتبادلة.
وفي كل زيارة إلى أبوظبي ودبي وبقية المدن الاماراتية أستعيد أيضاً كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين وصف سلطنة عُمان قائلاً:
«عُمان تاريخ في قلوبنا، ومحبة تجري في عروق أبناء الإمارات.»
وحين تتحدث القيادة بهذه اللغة، تدرك أن العلاقة بين البلدين ليست صناعة اتفاقيات، بل صناعة قلوب.
وحين أتجول في أبوظبي، أشعر أن هذه الروح تنعكس في تفاصيل المدينة، فالإماراتي بطبعه يشبه العُماني في سكينته، في تواضعه، في ترحابه، وفي احترامه للآخر. وهذا التشابه الإنساني هو ما يجعل العُماني يشعر هنا بأنه في امتداد طبيعي لطبيعته وهويته. أبوظبي اليوم ليست مجرد عاصمة عربية متقدمة، بل مدينة تُصنع ملامحها بروح الإنسان قبل عمرانه، وبهذا المعنى فقط نفهم لماذا يتقاطع إعجاب العُماني بأبوظبي مع إحساسه العميق بالقرب منها.
عندما تتجول في الإمارات ترى تلك المشاريع المتنامية وتدرك بانها ليست مجرد عمران أو خطط مستقبلية، بل دليل على قدرة هذا البلد على صناعة نموذج تنموي عالمي ، فمن جزيرة السعديات التي أصبحت بوابة الثقافة العالمية في المنطقة، إلى مدينة مصدر التي تروي قصة طموح إماراتي نحو الاستدامة، إلى جزيرة ياس وواجهاتها الترفيهية العالمية، وصولاً إلى مطار أبوظبي الدولي بحلّته الجديدة التي تعكس رؤية لا تعرف المستحيل. كل هذا التطور يحدث في تناغم دقيق يحافظ على هوية المكان وروحه ويخلق بيئة تجعل للإنسان الأولوية في كل خطوة.
وفي كل مرة أزور فيها أبوظبي، أجد نفسي أتذكّر العبارة التي يرددها كثير من الإماراتيين: «أهل عُمان أهلنا»؛ وهي ليست عبارة مجاملة، بل خلاصة قرون من الروابط الممتدة من البحر إلى الصحراء، من التاريخ المشترك إلى المستقبل المشترك. ولذلك يبدو احتفاء أبوظبي باليوم الوطني العُماني احتفاءً ببيتٍ شقيق، لا بضيف عابر.
أقولها بصراحة إن مشاركتي في هذا اللقاء الإعلامي التي تستضيفه قناة ابوظبي الفضائية والتي ستبث تقارير عن السلطنة ليست فرصة للحديث عن عُمان فحسب، بل فرصة للحديث عن علاقة تُدرّس في الوفاء. علاقة تُثبت أن الجغرافيا حين تتصل بالقلوب، تتحول إلى قدر جميل يجمع بين الشعوب. وهكذا، تمضي أبوظبي وعُمان في طريقهما، كتوأمين يسيران بثقة نحو مستقبل أوسع، يحمل إرث 281 عاماً من التاريخ العُماني، وروح الأخوّة الإماراتية التي تحفظ مكانة عُمان في الذاكرة وفي القلوب.
حمود بن علي الطوقي

