تحفل مصنفات اللغة العربية، بكثير من الكتب التي عرضت شيئا من ظرف النحاة واللغويين أو عامة الناس. وتبدو الطرائف المنقولة بالفصحى، في جزء منها، ذات طبيعة تعليمية، يشار فيها إلى خطأ في النحو أو عيب في الشعر، إلا أنها درجت على أنها حوادث وقعت ونقلها المصنفون واحداً بعد الآخر.
وتبدو بعض طرائف الأدباء واللغويين، كظُرف، أو خفّة دم، أو سرعة بديهة باكتشاف مؤثر ما. وهكذا فالعربية لغة حياة ووقائع، وكما أبكت الناس في المراثي، وشحذت هممهم في المفاخرات، وجرحت بعضهم في التهاجي، فقد أضحكت وأمتعت في النكت ونوادر اللغويين والنحاة بل القضاة والخلفاء وأهل العلم وعامة الناس.
وقد جمعت (التذكرة الحمدونية) لمحمد بن الحسن بن حمدون 495-562 للهجرة، أغلب ما صنف قبلها من نكت وطرائف ونوادر في العربية، حتى إن المؤلف نفسه كان من أصحاب خفة الروح والميل إلى الدعابة، كما في بيتيه هذين واللذين تلاعب فيهما، بمعنى كلمة طيّب، لتصبح طيّب المذاق، قاصداً هجاء المخاطب:
يا خفيف الرأسِ والعقل معاً
وثقيل الروح أيضاً والبدَن
تدّعي أنك مثلي طيّبٌ
طيّبٌ أنتَ ولكن بِلَبَن!
واختارت “العربية.نت” بعض ما ورد في التذكرة، والتي هي جملة ما سبقها من مصنفات من ذات النوع الطريف والنادر والمضحك والساخر.
هرب من الكلب كي لا يحسبه شاة!
رأيتُ على الأعمش فروة مقلوبة صوفها إلى خارج، فأصابنا مطرٌ فمررنا على كلب، فتنحّى الأعمش وقال: لا يحسبنا شاة!
بسبب الفروة المقلوبة.
وكان بين الأعمش وبين امرأته وحشة، فسأله بعض أصحابه أن يرضيها ويصلح بينهما، فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخنا وفقيهنا، فلا يزهّدنك فيه عمشُ عينه، وحموشة ساقيه، وضعف ركبتيه، وقزل رجليه، ونتوء جبينه، وبخر فِيه. فقال الأعمش [بعدما فضح الرجل كل عيوبه كما لو أنه ينفّر امرأته منه]: قم عنّا قبّحك الله، فقد أَريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه وتبصره.
وقام رجلٌ بسؤال أبي يعقوب فقيه سجستان، في مسألة: إذا شيَّعنا جنازة، فقدّامها أفضل أم نمشي خلفها؟ فقال ساخراً: اجتهدْ أن لا تكون عليها، وامشِ حيث شئت!
وأحيانا يرمي الثقلاء بثقلهم على أحد، فيكون الرد عاصفاً، إذ قيل للأعمش: ما أعمش عينك؟ فقال: النظر إلى الثقلاء!
وأحياناً يكون التلاعب بالألفاظ مصدرا لطرفة، مثلما حصل عندما توفيت حمّادة بنت عيسى بن علي وحضر المنصور جنازتها، فلمّا وقف على حفرتها
قال لأبي دلامة: ما أعددتَ لهذه الحفرة؟ [قاصداً ماذا أعددت من شِعر لمن ستدفن داخل الحفرة] فقال: بنتُ عمّك يا أمير المؤمنين حمّادة بنت عيسى
يُجاءُ بها الساعة، فتدفن بها. فضحك المنصور حتى غُلِبَ وسترَ وجهَه.
شعر رديء يبكي ناقداً كبيراً
وقيل إن رجلاً عرض على الأصمعي شعراً رديئاً، فبكى الأصمعي. فقيل: ما يبكيك؟ قال: يبكيني أنه ليس لغريب قدرٌ، لو كنت في بلدي بالبصرة، ما جسر هذا الكشخان أن يعرض عليّ هذا الشعر وأسكت عنه.
وكشخان، شتيمة، ومن الكلمات الدخيلة على العربية.
كتب رجلٌ إلى الصاحب بن عباد رقعة قد أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه. فوقع فيها وقال: هذه بضاعتنا رُدّت إلينا.
دخل بعض الفصحاء على بعض عمال البصرة، وكان يعرب في كلامه، فقال له يوماً: إن لم تترك الإعراب ضربْتُك. فقال: إني إذن أشقى الناس به، ضُرِبتُ صغيراً لأتعلّم وضُربتُ كبيراً لأترك.
السنّور يهمز الفارة!
وقيل لأعرابي: أتهمز الفارة؟ قال ساخراً: السنّور يهمزها!
وقيل لأعرابي آخر: أتجرّ فلسطين؟ قال إني إذن، لقويّ!
قال رجل لأبي العيناء: أتأمر بشيئاً؟ فقال له: نعم، بحذف الألف من شيء!
قال بعض المؤدّبين: حضرتُ لتعليم المعتزّ وهو صغير فقلت له: بأي شيء نبدأ اليوم؟ فقال: بالانصراف!
أنشد رجلٌ الفرزدق شعراً فقال: كيف تراه؟ فقال: لقد طاف إبليس على هذا الشعر في الناس فلم يجد أحمق قبله سواك!
نظر فيلسوف إلى رجل يرمي سهامه تقع يميناً وشمالاً فقعد موضع الهدف. فسئل عن سبب جلوسه في هذا المكان، فقال: لم أرَ موضعاً أسلم منه! لأن الرامي يصيب كل الأمكنة إلا الهدف نفسه.
سئل أحد الظرفاء عن دعوة [إلى الطعام ويبدو أنه لم يكن طازجاً أو ساخناً] حضرها، فقال: كل شيء كان بارداً إلاّ الماء!
وقيل لظريف آخر بعد أن عضّه كلب: إن أردتَ أن يسكن فأطعمه الثريد. فقال: إذن لا يبقى في الدنيا كلبٌ إلا جاءني وعضّني!
متى يصبح القميص زرّاً؟!
دفع أحدهم قميصه ليغسله غاسل، فضيّعه وردّ عليه قميصاً صغيراً. فقال: ليس هذا قميصي. قال: بل هو قميصك ولكنّه في كل غسلة ينقص ويقصر. فقال: فأحب أن تعرّفني في كم غسلة يصبح القميص زرّاً؟!
شكا من بطنه فوصف له دواء لعينه!
جاء رجل إلى بعض الأطباء فشكا إليه وجع بطنه، فقال له: ما أكلتَ؟ قال: خبزاً محروقاً. فدعا الطبيب بذرور ليكحّله، فقال الرجل: أنا أشكو بطني وأنت تكحّل عيني! فقال: أُكحّلك لتبصر الخبز المحروق فلا تأكله بعد هذا!
قال رجل للغوي: أتأمر بشيئاً؟ [وهي واجبة الكسر بدون ألف] فقال له: نعم، بتقوى اللهِ وإسقاط الألف.
وقال رجل لآخر وقد لحن أشد اللحن في العربية: إن أبينا [أبانا] هلك وإن أخينا [أخانا] غصبنا على ميراثنا. فقال له: يا هذا، ما ضيّعتَ من نفسك، أكثر مما ضاع من مالك!
أنشد رجلٌ عرّادة شعراً رديئاً ثم قال له: تراني مطبوعاً؟ قال: إي والله، على قلبك!
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
#عاشق_عمان