في عالمنا العربي يهتم الناس للموت، ويصفقون للحياة؛ يخلطون الكراهية والحب فيقف العقل عاجزًا عن التفسير.
مُطلقو الشائعات يودّعون بفرحة خبيثة السلطان قبل موعده، وبعض المهووسين يؤكدونها على اليوتيوب بشماتة كأن مَلك الموت جاء يهنئهم قبل أن يقبض روح رجل لم يأذن مالك المُلك في أجله.
في خلال نصف قرن لم تشهد دولة خليجية، عربية أو فارسية، سلاما متواصلا كما شهدت سلطنة عُمان.
نصف قرن من إبعاد شبح الطائفية، بل أصبحت لا تعرف الشيعي من السُنّي من الإباضي، وجاءت توجيهات مُلزمة تحولت إلى عقيدة وطنية: عُمان لكل الطوائف دون تمييز.
وضعت الحرب أوزارها عام 1970 وكان السلطان قابوس صاحب القرار العبقري الذي لم تعرف مثله دولة أخرى: ثوار ظُفار ينضمون للحُكم، ويشاركون فيه، وبعد سنوات يُسدل الستار على ذاكرة القتال لتتحول سلطنة عُمان إلى واحة سلام.
الدولة العربية الوحيدة التي لا أبالغ إذا قلت بأن كل مواطن فيها هو سفير لوطنه، وكما أكد لي مستشار غير عُماني بأنه قضىَ سبع عشرة سنة في السلطنة ولم يشاهد عُمانيين يتقاتلان أو يتشاجران.
كانت ألسنة اللهب الطائفية تُقذَف من كل مكان، ويحاولون جرَّ عُمان لحرب أهلية أو إقليمية أو خليجية أو عربية، لكن عُمان كانت أكبر منهم جميعا، وبعبقرية السلطان قابوس لم تمسها الفتنة من الذين حاولوا إشعالها مع أشقائهم الإماراتيين، ولم ينخرط العُمانيون في مستنقعات معارك مصنوعة أسلحتها لدى الجيران أو الغرب.
قلتُ في ندوة في أبوظبي بأنه لو تم توزيع سلاح على كل عُماني، وانفجر الوضع فلن يرفع مواطن عُماني سلاحه على ابن بلده.
جعل السلطان قابوس العُمانيين يعيدون رسم هويتهم باعتزاز شديد، حتى جاء الوقت الذي يقبل فيها العُماني أي وظيفة كانت حِكْرًا على الوافدين، فيعمل سائق سيارة أجرة أو بائعا أو في أي وظيفة فالعمل شرف بدون خجل.
من منا لا يمرض ولا يتألم ولا يتقدم به العُمر؟
السلطان قابوس صانع سلامٍ كان يستحق جائزة نوبل للسلام فمشهد عُمان منذ نصف قرن وبها مدرستان فقط ومستشفى يختلف عن سلطنة عُمان التي تحولت إلى جنة الخليج في حياة جيلين.
سلطنة عُمان مستقرة، وكل الناس من مصلحين وقيادات ورُسل وأنبياء تجري حيواتهم لمستقر لها وهو منها خلقنانكم وفيها نعيدكم ومنها نُخرجكم تارة أخرى.
وماذا سيحدث إذا جاء أجل بأمر الله؟
كُن فيكون، وتصعد الروح إلى بارئها، ويبكي أحبابه وعُشاقه، والغريب أن كل عُماني، تقريبا، لديه قصة محبة أو ولاء أو عِرفان بالجميل لرجل أعاد سلطنة عُمان إلى تاريخ كان قد نسيها، وابتعد كل طامع في خيراتها، وعاش جيلان سنوات سلام يحسده عليها جيرانه.
أنا لا أعرف ما هي خطورة مرض السلطان قابوس، وماذا يقول الأطباء، لكنني أعرف أنه صانع تاريخ عُمان الحديث، وأنه يسكن قلب وعقل كل عُماني.
لماذا لا ندع نهاية الحياة أو استمرارها في يد الله، عز وجل، فالشائعات نذالة وضرب تحت الحزام.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين