جلست سلوى امام مرآتها في غرفة نومها تتأمل ملامح وجهها بكل دقة، وكأنها تتفحصه وتراه لأول مرة ، ثم أسدلت شعرها على وجهها وكأنها تغطيه و لا تريد أن تراه ، تذكرت قصة المرآة السحرية عندما تسألها الساحرة : مرآتي يا مرآتي من في الدنيا اجمل مني ؟؟ فرددت سلوى نفس القول وكأنها تضحك على نفسها بذلك الجنون الذي يعتريها بين فينة وأخرى ، ثم أخذت بالاستدارة والرقص على أنغام هي في عقلها الباطني فقط ، امسكت بأحمر شفاة وبدأت برسم قلب كبير على تلك المرآة، ثم بدأت تنسى كل ماحولها ، لم تشعر بالوقت الذي مر عليها وهي تنقط ذلك القلب على مرآتها وكأنها تخرج كل الغضب الذي بداخلها في تنقيط ذلك القلب ،
هي تعرف ان اهلها يحبونها ويخافون عليها ولكنها تحتاج للتغيير ، للخروج من هذا البيت الكئيب ، الذي يضم كل شيء إلا الحرية ، عيب، عيب ، عيب…
إذا أردنا الخروج قالوا: خذي اخاك معك ، أردني المشي قالوا :خذي فلان معك ، اردنا السفر قالوا: يجب أن يكون أحد معك ، الذهاب للتسوق ، للعب ، للسباحة ، اذا تزينت وأخرجت قليلا من شعري قالوا تحشمي، اذا لبست البنطال والقميص قالوا وما بها العباءة ، تستري ، اذا ضحكت على طرفة قالها احد ما بجانبي ،صاح اخي :صوتك عورة تأدبي ، تهت ، وتلقتني صويحباتي: اهلك معقدون، متخلفون، الناس تطوروا وهم مازالوا على حالهم ، ونظروا لملابسي وهم يقولون أهذه موضة؟؟ جسمك جميل ، لما تخفيه ، شعرك رائع عليك إظهاره ، لا تسمعي لهم ، انت لك رغبات ويجب أن يحترموها ، فلان يريد أن يتعرف عليك ، إنه يحبك ، كيف سيتعرف عليك اذا لم يخرج معك ولم يجالسك ، وكيف سيجالسك وانت ترفضين الخروج إلا مع أخاك او اباك ، هل انت حمقاء ؟؟ وإذا أراد التحدث إليك هل معك هاتف ؟؟ يا الهي انت فتاة شابة وجميلة وليس معك هاتف ؟ ما هذا ؟! انت فتاة محرومة من ملذات الدنيا ، يجب أن تخرجي من هذا البيت الكئيب.
في هذه اللحظة توقفت سلوى قليلا وهي تنظر للقلب المنقط أمامها، ثم اكملت حوارها النفسي وهي تنظر لأعماق ذاتها متسائلة ، ماذا ساستفيد اذا خرجت مع شاب او تعرف علي إلا العار لي ولاهلي، وسمعتي ستصبح في الحضيض ، لما علي أن أظهر محاسني ومفاتني لكل من يراني أنا في نظر أبي كالدانة المصانة لا يعرف قيمتها إلا من يحرص عليها ، بالفعل أحب ان يحبني الآخرون مثلما أنا، ولكن ليس على حساب شرفي ومبادئي، ليس على حساب ديني، أتذكر مرة من المرات ذهبت مع صاحباتي في رحلة مدرسية إلى أحد المراكز التجارية الكبيرة وكانت فرصتي للظهور ، فوضعت بعض الكحل في عيني و أحمر شفاة أخذته من زميلة لي، وحمرة خدود خفيفة ، فعلى صوت الصفير وكلمات الإعجاب من صاحباتي للتغيير الكبير الذي أصبحت عليه ، فاحسست بالزهو والجمال، ولكن هذا الشعور كان من المفروض أن يتضاعف مع كل نظرات الإعجاب التي تلقيتها، إلا انني احسست وكأنني لعبة جميلة ، الكل يلاطفها ، هذا يرمي لي رقمه الخاص ، وذاك يرسل لي القبل من بعيد ، وذاك الذي يغمز لي بعينيه ، والذي يتابعني من مكان لآخر يريد رؤيتي والحصول على رقمي الخاص ، كرهت نفسي ، فتذكرت ابي وهو يناديني (( جوهرتي )) فأسرعت لأقرب دورة مياه ولم أشعر بالراحة إلا بعد أن غسلت وجهي بماء بارد أزاح كل الاصباغ الملونة عنه، وشعرت بانتصاري على ذاتي .
منذ ان بدأت في استيعاب التغير الذي يحدث لي وانتقالي من مرحلة الطفولة لمرحلة المراهقة والشباب ، بدأت أتحسس من كل ما يقال لي، رغم أنني اعرف أن الكل يحبني ، ولكن شعوري أحيانا بالنقص امام صاحباتي يعيبها ويعذبها، فهن يسافرن مع أهاليهن او بدون، أما اهلي فلا يوافقون على خروجي وحيدة لأي مكان بعيد فكيف بالسفر ، صاحباتي لديهن الهواتف المحمولة الخاصة بهن في كل وقت بالإضافة لبقية الأجهزة الإلكترونية، والكمبيوتر المحمول، من وجهة نظر أهلي انني لست في حاجة له، فأنا دائما مع أهلي، والنوم خارج البيت ممنوع منعا باتا إلا للضرورة القصوى فقط وإن كان في بيت أعمامي او أخوالي، إلا في حالة سفر الوالدين معا وهذا بالطبع قليل الحدوث.
حتى صاحباتي لا أستطيع أن أذهب لزيارتهن إلا بوجود والدتي، تنفست الصعداء وهي تتأمل لون القلب المنقط أمامها بقي القليل، الموضة جميلة ولكن أحيانا كثيرة تصبح فضيحة لانها لاتحمل أي شيء من عاداتنا وتقاليدنا، وإنما تشعر وكأنها تريد أن تخرجنا من حيائنا الذي تجسد فينا منذ الصغر وغرس مفاهيم أخرى عن الماركات الكاذبة والإعلانات التجارية الفاضحة لتبقى الفتاة العوبة، أجل.. أمي دائما ماتذكرني باللبس المحتشم لأنه ستر للفتاة، عليك أن تلتزمي فانت اصبحت مسؤولة أمام الله عن ملابسك وتصرفاتك ، علينا التوجيه والدعاء والله يتولاكم برحمتة.
تلك كلماتها ترن في أذني…
يا أمي القرآن لم ينزل مرة واحدة بل على مراحل، كالخمر لم يحرم مرة واحدة بل على فترات متلاحقة، فعليك ان تصبري علي.
حتى إختيار صديقاتي يتدخل فيه أهلي، بالطبع ليس خطأ فهذا من مصدر حرصهم علي، وبدأت الاحظ بالفعل من تناسبني أفكارها ومن أجاريها في البداية لأعرف نواياها المختلفة، وتلون القلب بالكامل باللون الأحمر، و قد جسدت غضبها وحاجتها للحديث في شكل جميل كجمال قلبها.
إلهام السيابية
#عاشق_عمان