شاءت المشيئة الإلهية طي عهد من أعظم عهود التاريخ العماني بانتقال جلالة السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ إلى الرفيق الأعلى في العاشر من شهر يناير لعام ٢٠٢٠م بعد حكم دام خمسين عاما لهذا البلد الطيب، تحولت فيه عمان إلى عهد متقدم من الحداثة والمعاصرة وبناء دولة المؤسسات التي يحكمها القانون، دولة أرسى فيها جلالته ـ رحمه الله ـ ركائز ومقومات الدولة الحديثة بحيث نقل عمان إلى الألفية الثالثة بشكل سباق، وهكذا دائما عندما تتوافر القيادة الحكيمة التي تحمل من الإرادة والعزم والمثابرة وبُعد النظر والفكر السديد، مع تطويع الأرض والشعب بشكل منقطع النظير ليتفاعل مع هذه القيادة تفاعلا ماديا ومعنويا، لذلك لا غرابة أن نجد هذا الوفاء والحب والفداء بالأرواح لهذا الزعيم التاريخي الذي جاد به الزمان على أرض عمان فاستقطب مؤهلات خاصة علمية وفكرية وشخصية ليقدم للعالم دولة نموذجية، فرحمك الله يا حبيب القلوب، لقد عاهدت بلدك فأوفيت وقدمت من التضحيات الجسام من أجل وطنك وشعبك وأمتك، وتحاملت على نفسك وأنت في أصعب الأحوال والظروف، فجزاك الله عن عمان وأهلها خير الجزاء، واليوم نحن نعاهد الله سبحانه أن نكون كما أوصيتنا بعمان، وكما رسخت فينا من قيم الوطن أننا ماضون لاستكمال عهدك الميمون، ونهضتك الشامخة الكريمة التي جعلت عمان وشعبها في حياة مستقرة آمنة تنعم بالرخاء والسعادة، ونعاهد الله أن نفيك حقك وأنت بين يدي ربك الرحيم الكريم بإخلاص الدعاء لك؛ فأبناء عمان كلهم أبناؤك، وما كان للأبناء أن ينسوا آباءهم أصحاب الفضل والحق عليهم على مدى الزمان، فأكرم الله مثواك في نعيم مقيم .
لا شك أن الخطب عظيم، والمصاب جلل، وكل العمانيين مرتبطون بهذا القائد العظيم، واسمك سيظل خالدا في الذاكرة العمانية على مدى التاريخ، وسيمثل هذا الارتباط الوثيق مع تاريخك أحد عوامل ومقومات النجاح نحو مستقبل زاهر لعمان للاستمرار بنفس الروح والعزيمة المتجددة والإرادة القوية، للتلاحم والتماسك والسير خلف جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أعلن اتباع نفس النهج الحكيم الذي سلكه جلالة السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ في قيادة هذا الوطن العزيز، ولا شك أن المسار واضح والطريق مستقيم والتحديات أيضا موجودة، وهذا أمر طبيعي في مسيرة الدول والشعوب، ولكن الشعب العماني تجلى في مختلف المحطات التاريخية بالعمل الجاد والبناء من أجل مستقبل عمان معززا بالروح الوطنية الوثابة التي أثبتت معدنه الأصيل في تلك المحطات السابقة، واليوم أثبت هذا الشعب الوفي أنه عاقد العزم على استمرار المسيرة واستكمال مسيرة نهضة متجددة، وما تلك الحالة الوطنية التي مرت على عمان وأبنائها من تعاضد وتكاتف واستلهام نهج قابوس والروح العمانية التي برزت مع رحيل مؤسس عمان الحديثة، والتنادي بين أبناء هذا الوطن وإعلان موقف عماني موحد نحو استمرار عجلة البناء والنهضة إلا دليل قاطع أن عمان بخير وعمان تنتقل من عهد عظيم إلى آخر بعزيمة متجددة، وإصرار كبير وإرادة قوية، وعزيمة متقدة، وهذا هو لسان الحال اليوم وغدا وفي المستقبل بعون الله تعالى .
اليوم تعلن عمان انطلاق نهضتها الثانية المتجددة وفاء واستلهاما لوصايا جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ واستشرافا لمستقبل مشرق ومزدهر بعون الله بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيده الله ـ لبعث آمال وطموحات متجددة في تجاوز كل التحديات الراهنة في المشهد الوطني العماني، وهذه الآمال لا تتحقق من خلال الأحلام بل من خلال الفكر والعمل والإخلاص في سبيل عمان والارتباط الوثيق بين كل عناصر منظومة الدولة، وعمان بلا شك مؤهلة لذلك، ومما يزيدها قوة أنها مصنفة كمجتمع شاب تغلب فيه فئة الشباب، وهذه الفئة تمتلك من الطموح والعزيمة ما يكفي لإيقاد شعلة النشاط فيها بكل إخلاص وتفانٍ، وهم بعون الله ماضون بقوة لاستكمال عهد متجدد للنهضة العمانية، ملتزمون بشعار “الإيمان لله الولاء للسلطان الذود عن الوطن”، واستثمار مرحلة تاريخية سابقة مهدت لعمان، وأرست دعائمها، وصقلت عناصر نهضتها بشكل لا يمكن أن تتراجع بوجود كل تلك المعطيات، فهي قادرة على تجاوز كل الصعاب .
وأخيرا نسأل الله جل في علاه أن يتغمد فقيد عمان والأمة أعز الرجال وأنقاهم السلطان قابوس بواسع الرحمات والمغفرة والرضوان، وأن يسكنه فسيح الجنان مع الأنبياء والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، ونسأله سبحانه أن يأخذ بيد جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ وأن يسدد خطاه ويعينه على الاضطلاع بهذه الأمانة العظيمة، وأن يبث في شعب عمان روح العطاء والبذل والمثابرة والتفاني والإخلاص في سبيل هذا الوطن، واستثمار هذه الروح وهذه المؤهلات والمعطيات التي سخرها الله في الإنسان العماني من سمات كريمة وأخلاق حميدة وقيم ناصعة وثوابت وطنية راسخة، ونسأله سبحانه أن يبسط على عمان الخير والسلام والاستقرار والازدهار، اللهم آمين.
خميس بن عبيد القطيطي
#عاشق_عمان