خمسون عاما سجلها التاريخ العماني بأحرف من نور بقيادة جلالة السلطان قابوس طيب الذكر ـ طيب الله ثراه. فقد وضع أسس ومقومات الدولة العمانية الحديثة، وأخرجها من عزلتها الدولية، وأرسى دعائم دولة المؤسسات التي يحكمها القانون رغم الظروف الشديدة التي كانت تعيشها عمان عند تولي جلالته مقاليد الحكم، فهناك ثورة داخلية وانقسامات ونظام قبلي مترسخ واضطرابات داخلية، وغياب دولة المؤسسات، فلا يوجد برلمان ولا يوجد دستور ولا توجد مؤسسات حقيقية، وكان الشعب يرزح تحت أوامر وتعليمات مشددة، ولا يوجد تعليم أو صحة أو اتصالات أو طرق، وغابت مختلف مناحي الحياة العصرية، حتى شاءت المشيئة الإلهية أن يهب لهذا البلد العريق قائدا عظيما امتلك الإرادة والإخلاص والتفاني، وقدم التضحيات الجسام من أجل عمان، فحدث تحول تاريخي في عمان تميز بالاستقرار والازدهار، وبدأ عهد جديد كان أبرز مساراته وحدة التراب الوطني بإنهاء الثورة المسلحة في جنوب البلاد، وبسط القانون في ربوع عمان، وتوحيد مسمى البلاد باسم سلطنة عمان. وعلى المسار الآخر ربط عمان بالعالم الخارجي والأسرة الدولية في وقت مبكر، كما استدعى أبناء الوطن المغتربين في الخارج ليقود الشعب والوطن في اتجاه نهضة شاملة متسارعة الخطى ترسخت على أرض عمان، وأزاح عن كاهل عمان والعمانيين الأوامر غير الضرورية، وبعد خمس سنوات حقق الانتصار على قوى التمرد المدعوم خارجيا، فكانت يد تبني ويد تحمل السلاح، وانطلقت مسيرة النهضة المباركة فكانت الجولات السلطانية السنوية السامية تحقق ربطا بين عمان وقائدها، فلا يوجد أية حواجز بين الشعب وقيادته، فتحقق أنموذج استثنائي في رسم العلاقة بين القائد وأبنائه، وأسهمت تلك الجولات في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. وحرص جلالته ـ رحمه الله ـ على تلقين العمانيين الكثير من المبادئ والأفكار من خلال مدرسة قابوس ـ أكرم الله مثواه ـ وعاش العمانيون أزهى عصورهم الذهبية، فكان السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ هو القلب الكبير الذي احتوى عمان وشعبها، وكان قائدا ربانيا ملهما آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وكريم الصفات، ما مكنه وبمساعدة أبناء بلده من اجتياز كل العقبات والصعاب، بل إن جلالته ـ رحمه الله ـ رسم الطريق لمستقبل عمان، لذلك لن تنسى عمان هذا الزعيم التاريخي وسوف تستأنس باسمه ومبادئه في مسيرة نهضتها التي سيكملها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه .
اليوم تقف عمان أمام نهضة متجددة وانطلاقة وطنية، واستشراف مستقبل مزدهر بعون الله، فكل المعطيات والعناصر متوافرة لدى العهد الجديد؛ فجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيده الله ـ أعلن أنه ماضٍ على نفس النهج، وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومفرداتها العمانية الحكيمة، كالحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الغير، مع الاستمرار في تقديم المشورة بمختلف ملفات المنطقة بالتدخل الإيجابي حينما يطلب من السلطنة تقديم النصح والمساعدة في حلحلة بعض القضايا العالقة، باعتبارها وسيطا مقبولا يتمتع بتجربة تراكمية عميقة وموثوقة، بالإضافة إلى تجنب الدخول في النزاعات والتوترات الإقليمية، والابتعاد والنأي عن الأحلاف التي تؤثر سلبا على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتجنب الاستقطابات الضارة.. هذه هي أهم مبادئ ومرتكزات السياسة العمانية التي أثبتت جدواها خلال العقود الخمسة الماضية، والتي جعلت من السلطنة صديقا للجميع، واستطاعت احتواء المواقف بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا منهج سلطاني عماني يرتكز على إرث تاريخي وحضاري للأسرة البوسعيدية والدولة العمانية عموما، كما تلتزم السياسة العمانية أيضا بحتمية الدفاع عن مصالح السلطنة فيما إذا تعرضت البلاد لأية مخاطر خارجية أو قلاقل داخلية لا سمح الله، وعمان جديرة بذلك وتاريخها شاهد على ذلك نظرا لما تحظى به من عناصر وأوراق قوة ولله القوة جميعا وله الحمد والمنة، وهكذا ستستمر السلطنة في مساراتها السياسية بنهج ثابت، وقد أثبت جدواه على مدى العقود الماضية ولله الحمد .
الجانب الاقتصادي الذي يتطلب اليوم تركيز الكثير من الجهد والفكر عليه نظرا لما يحمل من تحديات وصعاب، لذلك من المؤمل التركيز على هذا الجانب الحيوي وتحريك المياه الراكدة في صلب الاقتصاد العماني، ويعول أبناء الوطن على ذلك، وخصوصا ما يتعلق بمسألة تنويع مصادر الدخل ومعالجة الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على النفط بدرجة كبيرة، والمسألة هنا تتطلب معالجات مدروسة وبشكل تدريجي وواقعي، كما أن هناك بعض القضايا الملحة كقضية الباحثين عن عمل التي تتطلب أيضا جهودا عاجلة ومدروسة لاستيعاب الباحثين وتعمين بعض الوظائف والمهن في القطاعين الحكومي والخاص، والاعتماد على المعلومات الدقيقة والدراسات الوافية التي تنطلق من ميادين العمل في مختلف مؤسسات العمل الوطني، لذا يتطلب هنا إعادة تقييم شامل في مختلف مؤسسات الدولة لمعالجة أوجه القصور والإخفاق وتصحيح ما يتطلب تصحيحه، وهذا أمر طبيعي في العمل المؤسسي بهدف التطوير مع الأخذ بالاعتبار الظروف الاقتصادية على المستوى الدولي .
توسيع دائرة الصناعة واستقدام بعض الصناعات الثقيلة ـ حسب دراسات جدوى واقعية ـ أمر يمثل أهمية لرفد الاقتصاد الوطني، وهذه النقطة بالذات تحتاج إلى إرادة قوية وهي مهمة لتنويع مصادر الدخل، كما أن السياحة والزراعة والثروة السمكية تتطلبان أيضا إعادة تقييم وتصحيح لمساريهما الاقتصادي بشكل يتناسب مع المعطيات المتوفرة، ومن المهم الاستعانة بالخبرات المحلية والدولية في تقديم الرؤى حول إمكانية تطوير هذين الجانبين بما يحقق زيادة في الدخل الوطني، والاستفادة من الخبرات المحلية والدولية ما يعد أمرا صحيا لبعث نهضة اقتصادية طموحة .
ضرورات التجديد الراهنة تفرض نفسها على الاقتصاد الوطني من أجل ضبط إيقاع العمل الوطني بشكل أكثر دقة ومراقبة أشمل، وتقنين المصروفات بشكل مدروس والابتعاد عن البذخ وتنفيذ الأهم من المشاريع الحكومية، وتقديم تقييم شامل لكل خطة خمسية في بدايتها وفي منتصفها وفي النهاية لمعرفة مواضع الخلل والمعوقات التي تواجه الخطة وتفعيل المتابعة والمراقبة والاستماع إلى آراء ووجهات نظر العاملين في ميادين العمل فيما يخدم مسارات العمل الوطني، وتحقيق نهضة متجددة مستدامة على أرض هذا الوطن العزيز، والآمال بلا شكل عريضة في هذا الجانب والله ولي التوفيق والسداد.
خميس بن عبيد القطيطي
#عاشق_عمان