أُنادى عليكَ أبا خالدٍ، وأعرفُ أنّى أنادى بوادْ، وأعرفُ أنكَ لن تستجيبَ، وأنَّ الخوارقَ ليستْ تُعاد، هكذا استحضر الشعراء العرب ذكرى رحيل الزعيم الخالد والهرم الرابع جمال عبدالناصر، فأبدع الأدباء العرب في تخليد ذكرى الزعيم الملهم حبيب الملايين، كما أبدع غيرهم في محاولات التشويه ولكنهم لم يفلحوا أمام هذا الحضور الطاغي على خارطة الجغرافيا العربية من المحيط الى الخليج، فهو مالئ الدنيا وشاغل الناس، فقد كان عبدالناصر ظاهرة عربية كبرى في تاريخ القيادات العربية، ومازال حتى اليوم وغدا تستحضره الملايين من أبناء الأمة العربية في كل مناسبة عربية، فهو الزعيم العربي الخالد الذي لم يغب عن الذاكرة، وهو الحاضر في كل مناسبة عربية رغم محاولات التلفيق والتشويه التي لم ولن تنتهي، لكنه كما قال الشاعر الكبير نزار قباني: “تضييق قبور الميتيين بمن بها، وفي كل يوم أنت في القبر تكبر” فلا بد لهذا الوصف من أسرار ومنجزات ومبادئ وضعته في صدارة الذاكرة العربية وفي عمق الوجدان العربي، فهو الزعيم الذي منح هذه الامة حيزا من الاعتزاز ونادى بالوحدة والحرية وصنع الكرامة العربية، وقد وصفه شاعر مصر الكبير عبدالرحمن الابنودي: “لا ننسي أن عبد الناصر هو الذي قال: “ارفع رأسك يا أخي .. فقد مضى عهد الاستعباد” وفاض في أشعاره فرثاه باللهجة المصرية قائلا: “عشنا الحياة وياه كالحلم فلا فساد ولا رهن بلاد، يومها انتشينا ثقافة وعلم، وفي زمنه ماعشناش آحاد كنا جموع فى زمن ناصر، كان الأمل فى خضرِتُه بِكْر، مافيش لصوص للقوت والمال، ومصر أبطال ورجال فكر، ومثقفين ستات ورجال جيوش جمال عبدالناصر” هكذا كان تاريخ عبدالناصر وتجربته في الحكم حتى رحيله المفاجئ في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠م – رحمه الله.
لن نتحدث عن المنجزات التي حققها جمال عبدالناصر فهي ساطعة لكل منصف ومؤتمن في قراءة التاريخ، كذلك لن نتحدث عن محاولات التشويه التي غلبت عليها حمى الأيديولوجيات، لكن سوف نقتطف بعض الدلائل التي تبين رمزية هذا الزعيم حتى أن من ناصبوه العداء وجدوا انفسهم يرثوه عند رحيله، لذا فقد بكاه من كان بالسجون مثل الشيخ عمر التلمساني والشاعر أحمد فؤاد نجم وغيرهم الكثيرين الذين شعروا أن غيابه هو غياب للمشروع العربي، ورثاه الشيخ الشعراوي بعد سنوات من رحيله بعدما رآه في المنام والقصة معروفة فذهب إلى ضريحه معتذرا ودعا له، وهذه هي حقائق موثقة، هكذا هم المفكرون ممن يقرأون التاريخ بتمعن وحيادية، ولا عزاء للغوغاء والمغيبين وضحايا التشويه، فهذه الاستشهادات والدلالات تبين قيمة هذا الزعيم – رحمه الله .
بقي عبدالناصر خالدا في ضمير الشعوب وفي قلوب الملايين، وما زال حديث الإعلام وشاغل الناس حتى اليوم، فهو حاضر رغم الغياب الذي ناهز نصف قرن من الزمان، وليس ذلك بمستغرب على زعيم كان يمثل المشروع العربي والقيادة المحورية، فقد كرس مدرسة ناصرية راسخة تنهل منها كل القوى والنخب العربية، وبرحيل ناصر فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الامة العربية وفقدت الانسانية جميعا رجلا من أغلى الرجال، حيث فقدت القيادة التي يلتف حولها العرب وفقدت مشاريع الوحدة والتضامن والتحرر، وفقدت العدالة الاجتماعية، وعاثت قوى الاستعمار بمقدرات الأمة وثرواتها، لقد فقدت الأمة العربية السياج المنيع للأمن القومي العربي والسد العالي أمام قوى الاستعمار، – رحم الله جمال عبدالناصر وجعله في روح وريحان وجنة نعيم .
خميس بن عبيد القطيطي