المشاركة الأصلية بواسطة أبو المهند العميري مشاهدة المشاركة
تتقن ابنتي
التي تقترب من عامها الرابع شيئا فشيئا
لعبة طريفة علمتها إياها أمها..
تقول لها: (سعيد) فتبتسم الصغيرة، ثم تقول لها: (حزين) فترتسم على وجهها علامة الحزن،
وتتطور اللعبة إلى محاكاة وجه الباكي والضاحك..
تشعر الصغيرة بالمرح والسرور، وتبادل أمها الدور، ثم تقبل عليّ لتلعب اللعبة نفسها.
كنت أنظر لهذه اللعبة أول مرة كما أنظر لغيرها من عشرات الحيل البسيطة التافهة
التي يمارسها الآباء والامهات لشغل الأطفال
بعد فوضى مخربة أو لإسكاتهم من بكاء أو لخلق جو مرح بأقل تكلفة،
لكني وجدت فيما بعد أنها ذات معنى خطير!!



ألا توحي هذه اللعبة
بأننا نحن من يصنع الابتسامة والحزن لا الظروف من حولنا، وذلك بحسب استقبالنا لها..
وبعبارة أخرى:
إننا نستطيع تحسين ردات فعلنا تجاه الأشياء؛
فإن شئنا أن نستقبل بالابتسامة والفرح والتفاؤل كل ما نصادفه كان ذلك أمرا متاحا،
وأن بيدينا لا بيد غيرنا أن نسعد وأن نحزن،
وأن هذه الإمكانية التي أودعها الله فينا لا تحتاج إلا إلى تمرين بسيط وتكرار،
وقبلهما إصرار صادق وعزيمة نافذة.
يقول أحد الحكماء:
(لقد وجدت أن نصيب الانسان من السعادة يتوقف في الغالب على رغبته الصادقة في أن يكون سعيدا)،
ويقول (د.صلاح الراشد) الخبير المعروف في التنمية البشرية:
"إن لم تكن سعيدا فتصنع السعادة بإظهار أنك سعيد لنفسك أولا، ولغيرك ثانيا.. ودليل السعادة الابتسامة".
السعادة إذن تبدأ بالتصنع،
وتنتهي إلى أن تكون طبعا أصيلا في النفس وعنوانا جميلا على الروح!..



في مقابل هذا،
فإن الشقاء والحزن وما في معناهما،
إذا تصنعهما الإنسان فإنه صائر إليهما لا محالة،
وقول الرسول صلى الله عليه وسلمولا تمارضوا فتمرضوا) تأكيد لهذا المعنى وتعميق له..
وهنا قد يسأل سائل:
هل يمكن لعاقل أن يسعى إلى الشقاء مختارا؟ والجواب: نعم.
يقول (نيدو كوبين) في كتابه الرائع (كيف تحصل على أي شيء تريده):
"يميل كثير منا إلى أن يعيشوا رد فعل إزاء الألم أكثر حدة مما هو إزاء المتعة.
فنميل بالتالي إلى أن نشعر بخسارتنا وفشلنا ومصاعبنا بتوتر أكبر مما نشعره مع أرباحنا ومكاسبنا ومتعنا".
وبتكرار هذا الشعور وتطوره إلى أفكار ماثلة في الذهن تنشأ سلوكيات تعبر عنه في الواقع العملي،
الأمر الذي يحيلها عند تكرارها إلى ما يسمى في العرف الاجتماعي والعلوم النفسية
بالعادة أو السمة التي تقترن باسم الشخص عند التعريف به في أي سياق.



من هنا؛
تتضح وجاهة ما يدعو إليه المهتمون بعلوم إدارة الذات بأن يتحسس الفرد منا نجاحاته دائما
وأن يستعرضها في مخيلته
ويعيشها بين الفترة والأخرى بكل تفاصيلها،
لتكون مشاعر البهجة والسرور حاضرة بقوة داخله وتصبح على مر الأيام عادة لديه وعلامة عليه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإيمان العميق بالله،
يسوق الإنسان حتما إلى السعادة في الدنيا والآخرة،
ففي هذا الإيمان أمن روحي وأمان شخصي، ما يجعل المؤمن يرى في كل محنة منحة.
يقول الله تعالى واصفا المؤمنين:
" الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"
فرغم ما يحاول به الناس تخويفهم،
بل ودعوتهم صراحة إلى الخوف والقلق،
فإن إيمانهم بالله أكسبهم الرضا واليقين، ومنه انقلبوا إلى نعمة وفضل وسعادة.


يقول (فرانسيس بيكون):
(لو كان هناك كثيرون يريدون السعادة لأنفسهم, أكثر مما يريدون التعاسة للغير,
لأقمنا في سنوات قليلة الجنة على الأرض).
لذا بادر إلى السعادة،
وابتسم لتبتسم لك الحياة،
وكن على يقين من أن
"تبسمك في وجه أخيك صدقة" كما يقول لك الرسول الكريم،
وأن (أسهل طريقة للسعادة هي أن تشرك بها غيرك)، كما يقول لك (فيكتور هوجو)..