فقيرةُ الكهرباءٍ والماء


سألتني معلمتي بحدةٍ: " لِمَ لمْ تكتبِ الواجب؟"
فأجابتها بكل فخرٍ: " استاذة... لا توجد لدينا كهرباء!"


ربما حينها حسبتني المعلمة بأنني أكذب، لكن فعلاً لا توجد لدينا كهرباء في المنزل، بل كل شيء لا يوجد في المنزل، هل تستغربون وضعًا كهذا في هذا العصر؟


في اليوم التالي زارتنا كوكبة من المدرسات للإطلاع على وضعي الأسري والمعيشي، سيارتان فخمتان، أجساد من حشر بداخلهما تعبق بروائح الجنان، ووجوههن كصحن مرمرٍ نثر عليه الياقوت والرمان، من بعيد شممت رائحة زوار، دخلن المنزل ثم خرجن وهن يذرفن الدموع، أعتقد أنهن لم يبكين منذ زمن طويل فالواحدة منهن لم تستطع أن تكفكف لا دموعها ولا حتى دموع صويحباتها.


الآن حان دوركم أنتم يا أعزائي القراء، هل تودون البكاء مثلهن؟ لا أعتقد أن دموعكم ستغير من وضعنا شيئا، لكن أتمنى أن تتحرك تلك الأحجار الصلبة داخلكم لتخففوا عنا معاناتنا ومأساتنا، إلى متى هذا الوضع؟ إلى متى سنظل نستجدي الصدقة والصدقتين؟


أنا لا أملك أي شيء، حتى اسمي لا املكه، ولا أعرف في أي وثيقةٍ هو مدون، نحن لا نملك حتى الشيء نفسه، والدي يعمل قَمَّاطًا، هل تعرفون من هو القماط؟ آه نسيت، أنتم لا تعرفون سوى الطبيب والمدرس والمهندس والمدير والبائع والحلاق، وأنتن لا تعرفن سوى الصائغ وعاملات الكوافير، لا تعرفون عامل البلدية ولا منظف دورات المياه، أبي أقل من ذلك بكثير، رائحة سمكة نتنة أزكى من رائحة أبي، آه يا أبي، ليتك تنفق ما تكسبه من فتات لنعيش لا لتقتل نفسك بماء النار، لا أعرف كثيرا عن والدي فنحن في النهار مفترقان وفي المساء تحجبه العتمة عن أعيننا، والدتي من جنسية أخرى، أعتقد أنكم تعرفون معنى ذلك، لي ثلاث أخوات لا أعرف أينا يكبر الأخرى، ما أعرفه هو أن لي شقيقًا أكبر وآخر أصغر، الأكبر عاطلٌ ومُعطلَُّ ومُتعطِّل عن العمل.


تفضلوا ادخلوا فالبيت ليس ببيتكم كما تعودتم سماع عكس هذه العبارة، وليس حتى بمثابة دورة مياه في أقل منزل من منازلكم، هذه غرفة أخي الأكبر، كما ترون لا شيء فيها، لا تخلعوا أحذيتكم، فالأرضية كما ترون ملونة بألوان قوس قزح، وهذه غرفتنا نحن البنات الأربع، والدي ووالدتي ينامان في العراء كيفما اتفق، هذا سريري،، هل ترون أي أثر لسرير هنا بين هذه الكلمات سوى الكلمة ذاتها، كذلك هو الحال في غرفتي،، لا أثر للسرير، أفترش الأرض لكن هذا مكاني ولا استبدله، هناك مطبخنا الصغير ولا أعرف ماذا تطبخ فيه أمي، تعرف أنها لا تستيطع أن توهمنا بأنها تغلي شيئا ما على النار، فنحن من أخبرها بقصة تلك المرأة التي تغلي الحجارة لأطفالها حتى يغالبهم النعاس، تلك هي دورة المياه، أقصد دورة بلا مياه، من كان منكم متعسرا فأنصحه بالصبر ريثما يخرج من البيت، لو لم يكن البحر أقرب جيرننا لما عرفت أين أستحم، ولما عرفت كيف أزيل هذه القذارات عن جسدي كلما كبرت ونضجت، شكرا لك يا بحر،، أنت أكرم من تلك المحطة التي تمتص الماء من جوفك وتبيعه لنا.


ليلنا طــــــويـــــــل جدا، ليلكم يبدأ عند منتصف الليل، أما ليلنا فيحل علينا بعد مغيب الشمس مباشرة، تظلم علينا الدنيا، كأن ستارا أسودا يلف جسد منزلنا، تطل علينا الأضواء من شرفات الجيران بتقزز وكأنها اتصفت بصفات أصحابها، ألفنا نظرات الاحتقارمن هذه الأضواء، لا تعرفون كيف نتطلع بشوق إلى الليالي المقمرة، هل تعرفون القمر؟ أشك في ذلك، أنتم حتى لا تحسون بوجوده، لا أحد يعرف القمر في هذا الكون مثلي، لو أن القمر معلق في كبد السماء لاستطعت المذاكرة طوال ليالي الشهر إلى الفجر بدل ثلاث ليل فقط تحجب الغيوم السوداء منهن ليلة في أحيان كثيرة.


المدرسة التي أدرس بها تعلم بهذا الوضع، وثمة مدرسة تبعث لنا بمصدر إضاءة مشحون بالكهرباء كي نستخدمه للمذاكرة في أوقات الاختبارات فقط، هذا كل ما نحصل عليه من الكهرباء، أكتب لكم هذه الكلمات وأنا أتصبب عرقا في هذا الصيف، كيف هي الأجواء المغلقة عندكم؟ هلا أفضتم علينا مما عندكم؟


آه يا ربي، يا إلهي، يا إله العالمين، قد اخترتني من بين كل البشر كي أُذكِّر عبادك بِنعمٍ هم غافلون عنها وعن شكرك عليها.


صدقوني أنا لا استجدي منكم عطفًا ولا إحسانًا فقد تعايشت مع هذا الوضع منذ صرختي الأولى في هذه الحياة ولكن ان كنتم من فاعلي الخير وممن تبحثون عن حسنات تضاعفون بها حسناتكم أو تذهبون بها سيئاتكم بما تجود به أياديكم السخية فخاطبوا ناقل رسالتي هذه وسأغدوا شاكرة لكم على مد بيتنا بالماء وإضاءته بالكهرباء والحياة.