رسالة محمود أحمدي نجاد إلى بوش
ترجمة: بدر العوفي

08 مارس 2006م

جورج بوش
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

منذ فترة وأنا أفكر في الكيفية التي يمكن للمرء من خلالها أن يبرر التناقضات الدامغة التي تطفوا على الساحة الدولية والتي لا تنفك تناقش على الدوام في المنتديات السياسية والجامعية، لكن ما تزال الكثير من الأسئلة معلقة وبدون إجابات، الأمر الذي دفعني إلى مناقشة بعض هذه التناقضات والتساؤلات على أمل إيجاد فرصة لوضع الأمور في نصابها.

فهل لأحد أن يكون تابعا للرسول العظيم السيد المسيح عليه السلام، ويتعهد بالالتزام تجاه احترام حقوق الإنسان، ويقدم الليبرالية كنموذج حضاري، ويعلن معارضته لانتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، ويجعل من الحرب على الإرهاب شعاراً له، ويعمل في آخر المطاف من أجل ترسيخ بنى مجتمع دولي موحد يحكمه في يوم ما السيد المسيح وأصحاب الفضائل في الأرض، ولكنه في الوقت نفسه يشن هجوما على بعض الدول، وينتهك أرواح البشر وكرامتهم وممتلكاتهم، فعلى سبيل المثال تحرق قرى ومدن وقوافل لمجرد ظهور حفنة من المجرمين في تلك القرى أو المدن أو القوافل، واحتلال بلد ما بسبب احتمال وجود أسلحة دمار شامل فيه، فيقتل مئات الآلاف من البشر، وتدمر مصادرهم المائية والزراعية والصناعية وذلك عن طريق الزج بحوالي 180.000 من القوات الأجنبية إلى هذا البلد، فتنتهك حرمات البيوت لتدور عجلة المزمن في هذا البلد خمسين عاما إلى الوراء.

مقابل ماذا؟ إنفاق مئات المليارات من الدولارات من خزينة إحدى الدول وخزائن بعض الدول الأخرى، وإلقاء عشرات الآلاف من الرجال والنساء في المهالك وهم في شرخ الشباب لكونهم قوات احتلال، فحرموا من ذويهم وأهليهم، وتلطخت أياديهم بدماء الآخرين، يرزحون تحت ضغط نفسي كبير، فمنهم من ينتحر، أما أولئك الذين كتبت لهم العودة إلى الوطن فيعانون من حالات الإكتئاب وتصيبهم الأمراض ويصارعون مختلف ألوان الأسقام، في حين يقتل البعض الآخر منهم ويحملون إلى ذويهم جثثا هامدة على النعوش، وبذريعة وجود أسلحة دمار شامل، ابتلعت هذه المأساة المريعة الشعب المُحتل والشعب الغازي على حد سواء، ليعلن في وقت لاحق أن ما من وجود لأسلحة دمار شامل في ذلك البلد، نعم، لقد كان صدام دكتاتورا وحشيا، وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لشن هذه الحرب لم يكن للإطاحة به بل كان للبحث عن أسلحة الدمار الشامل وتدميرها إلا أنه تمت الإطاحة به في طريق تحقيق مأرب آخر، ومع ذلك فإن شعوب المنطقة سعيدة بما جرى، وأود أن أشير هنا إلى أنه طوال السنوات العديدة للحرب التي فرضت على إيران كان صدام يتلقى الدعم من الغرب.

السيد الرئيس

لربما تعلمون بأنني مدرس، وطلبتي يسألونني كيف يمكن التوفيق بين هذه الأفعال وبين القيم الموجزة في مستهل هذه الرسالة وتعاليم السيد المسيح عليه السلام رسول السلام والرحمة؟ فهنالك محتجزون في سجون غوانتانامو لم يحاكموا حتى الآن، وما من أحد يمثلهم قانونيا، ولا يستطيع أهاليهم رؤيتهم وهم محتجزون في أرض ليست بأرضهم في ظل غياب أدنى أشكال الرقابة الدولية لأوضاعهم ومصيرهم، ولا أحد يعرف ما إذا كانوا سجناء أو أسرى حرب أو متهمون أو مجرمون؟ ويؤكد المفتشون الأوربيون على وجود سجون سرية في أوروبا، إلا أنني لم أستطع ربط عمليات اختطاف الأفراد واحتجازهم في سجون سرية مع أي من الأنظمة القضائية في العالم، ولهذا السبب تعذر علي فهم الكيفية التي تتوافق بها هذه الأفعال مع القيم الموجزة في بداية هذه الرسالة مثل تعاليم السيد المسيح عليه السلام وحقوق الإنسان والقيم الليبرالية.

وتدور في رؤوس الشباب والجامعيين وعامة الناس الكثير من الأسئلة حول ظاهرة إسرائيل، وأنا على يقين بأنكم مطلعون على بعض هذه الأسئلة، فبالرغم من أن دولا كثيرة قد احتلت على مر التاريخ إلا أنني أرى أن تأسيس دولة جديدة وبشعب جديد هو ظاهرة جديدة تقتصر على هذا الزمان فقط، فالطلبة الجامعيون يقولون بأن دولة كهذه لم يكن لها وجود خلال الستين سنة الماضية، فيهرعون إليّ بالقديم من الوثائق والخرائط ويقولون حاولوا كما حاولنا فإننا لم نستطع العثور على دولة اسمها إسرائيل، وأطلب منهم أن يدققوا في تاريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية، فيرجع إلي أحد الطلبة ليخبرني بأنه خلال الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من عشرات الملايين من البشر عمدت الأطراف المتحاربة إلى نشر أخبار الحرب على وجه السرعة فأخذ كل طرف يُسوّق انتصاراته ويعلن آخر الهزائم التي تجرعها الطرف الآخر في جبهة القتال، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أدعو بأن ستة ملايين يهودي قد قتل، هؤلاء الستة ملايين شخص كانوا بلا شك ينتمون إلى مليوني أسرة، لنفترض مرة أخرى أن هذه الأحداث صحيحة، ولكن هل يبرر أمر كهذا من المنظور المنطقي إنشاء دولة إسرائيل أو تقديم الدعم لمثل هذه الدولة؟ إذن كيف يمكن تسويغ هذه الظاهرة وتفسيرها؟

السيد الرئيس

إنني على يقين بأنكم تعرفون كيف تم تأسيس إسرائيل وبأي ثمن، فقد قتل الآلاف المؤلفة من البشر في هذه العملية، وشرد الملايين من السكان الأصليين ودمرت مئات الآلاف من هكتارات الأراضي الزراعية ومزارع الزيتون والبلدات والقرى، وللأسف لم تقتصر هذه المأساة على فترة تأسيس إسرائيل بل إنها لا تزال مستمرة إلى الآن منذ ستين سنة، فتم تأسيس كيان لا يرحم الأطفال ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ويعلن مسبقا عن قوائمه وخططه الرامية لاغتيال الشخصيات الفلسطينية، ويحتجز الآلاف من الفلسطينيين في السجون، إن ظاهرة كهذه فريدة من نوعها أو على الأقل نادرة الوجود في ذاكرة الزمن، وهناك سؤال مهم آخر تطرحه الشعوب وهو "لماذا يتم دعم هذا الكيان؟" هل لدعم هذا الكيان صلة بتعاليم السيد المسيح أو النبي موسى عليهما السلام أو القيم الليبرالية؟ أو نفهم من ذلك أن السماح للسكان الأصليين لهذه الأراضي من داخل فلسطين وخارجها سواء أكانوا مسيحيين أو مسلمين أو يهود بتقرير مصيرهم يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعاليم الأنبياء والرسل؟ وإذا لم يكن كذلك فما كل تلك المعارضة ضد إجراء استفتاء في الأراضي المحتلة؟ لقد تسلمت الإدارة الفلسطينية المنتخبة مؤخرا زمام الأمور حيث أكد جميع المراقبون بأن هذه الحكومة تمثل الناخبين، إلا أن هذه الحكومة المنتخبة وضعت تحت المحك للاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتخلي عن المقاومة والسير في خطى برامج الحكومة السابقة، والسؤال هنا هو هل كان بإمكان الحكومة الحالية أن تفوز بالانتخابات لو كانت تسير على نهج الحكومة السابقة؟ وأعيد السؤال مجددا: هل يمكن ربط مثل هذا الموقف المعارض للحكومة الفلسطينية المنتخبة مع القيم المذكورة آنفا؟ كما أن الشعوب تتساءل عن سبب استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار يدين الكيان الإسرائيلي؟

السيد الرئيس

تعلمون جيدا أنني أعيش مع الشعب وأنني على اتصال مباشر معهم، كما أن الكثير من شعوب الشرق الأوسط تستطيع التواصل معي، وهؤلاء جميعهم لا يثقون في هذه السياسات المريبة البتة، والدلائل تشير إلى أن شعوب هذه المنطقة تزداد حنقا على مثل هذه السياسات، ولست هنا بصدد طرح أسئلة كثيرة ولكنني بحاجة لمثل هذه الأسئلة للإشارة إلى نقاط أخرى، إذ لماذا تعتبر جميع الإنجازات العلمية والتكنولوجية في الشرق الأوسط تهديدا ضد الكيان الصهيوني؟ ألا تعتبر الأبحاث العلمية والتنموية حقا من الحقوق الأساسية للدول؟ لا شك أن لديكم إطلاع واسع بالتاريخ، ولكن بعيدا عن فترة العصور الوسطى أود لو تخبرونني في أي فترة من التاريخ كان التطور العلمي والتكنولوجي جريمة؟ وهل يمكن أن تكون احتمالية استخدام الإنجازات العلمية في الأغراض العسكرية مبررا كافيا لمعارضة العلوم والتكنولوجيا معارضة تامة؟ فإذا ما كانت هذه الفرضيات صحيحة فعندها ينبغي معارضة جميع المجالات العلمية بما فيها الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والهندسة وغيرها، لقد أطلقت الأكاذيب بشأن العراق، فماذا كانت النتيجة؟ لا يساورني أدنى شك بأن الكذب ممقوت في جميع الثقافات وأنتم لا تحبون من يكذب عليكم.

السيد الرئيس

ألا يحق لشعوب دول أمريكا اللاتينية أن تتساءل عن سبب معارضتكم لحكوماتهم المنتخبة في حين يتم دعم حكومات الانقلابات العسكرية؟ ولماذا يتم تهديدهم على الدوام وتركهم يعيشون في خوف؟ إن بإمكان الشعوب الأفريقية المجتهدة بما لديها من مواهب وإبداع أن تلعب دورا هاما وحيويا في تلبية احتياجات البشرية والمساهمة في تطويرها ماديا ومعنويا، إلا أن الفقر المدقع الذي يستثري في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية يحول دون ذلك، ألا يحق لهم أن يتساءلوا لماذا يتم نهب ثرواتهم الهائلة بما فيها المعادن رغم أنهم أحوج إليها من غيرهم؟ ومرة أخرى هل تتطابق هذه الأفعال مع تعاليم السيد المسيح ومبادئ حقوق الإنسان؟

كما أن العديد من التساؤلات والشكاوى تراود الشعب الإيراني الأبي بما فيها الانقلاب عام 1953م وما لحقه من إطاحة للحكومة الوطنية آنذاك، ومعارضة الثورة الإسلامية، وتحويل مقر السفارة إلى وكر لدعم نشاطات أولئك الذين يعارضون الجمهورية الإسلامية وهنالك آلاف الوثائق التي تؤكد هذا الأمر، ودعم حكومة صدام طيلة فترة الحرب التي شنها ضد إيران، وإسقاط طائرة الركاب الإيرانية، وتجميد الأرصدة الإيرانية وتصعيد التهديدات ضد الشعب ومعارضة التقدم العلمي والنووي الذي حققته الجمهورية الإيرانية في الوقت الذي كان الشعب الإيراني يحتفل بهذا التقدم العلمي، بالإضافة إلى الكم الهائل من الشكاوى التي لست بصدد التطرق إليها في هذه الرسالة.

السيد الرئيس

لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كارثة مأساوية ذلك أن قتل الأبرياء أمر يبعث الحزن في النفوس ويروعها في جميع بقاع الأرض، وقد سارعت حكومتنا إلى شجب هذا العمل الإجرامي والتنديد به وأعربت عن بالغ تعازيها لذوي الضحايا، إن على جميع الأمم واجب المحافظة على أرواح مواطنيها وممتلكاتهم واحترامهم، ولكن تشير التقارير إلى أن حكومتكم توظف شبكات أمنية واستخباراتية مشددة بل إنها تلاحق معارضيها في الخارج، لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر مجرد عملية بسيطة، فهل كان يمكن التخطيط لها وتنفيذها بدون أي تنسيق مسبق مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية أو عن طريق اختراقهما؟ بالطبع ليس هذا إلا أحد التخمينات الجيدة، إذ لماذا أخفيت جميع أوجه عمليات الهجوم؟ ولماذا لم يطلعونا على أولئك الذين تخلو عن مسؤولياتهم؟ ولماذا لا يتم تحديد هوية أولئك المتواطئين والجناة وإحالتهم إلى القضاء؟

إن على جميع الأمم واجب استتباب الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكن منذ فترة وشعبكم وشعوب المناطق المتوترة لا تنعم بهذه الطمأنينة، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعوضا عن تضميد جراح الناجين من هذه الكارثة ومواساة الشعب الأمريكي المذهول من هول تلك الهجمات سارعت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى تضخيم موجة الخوف وتحدث البعض منها عن احتمال وقوع هجمات إرهابية جديدة مما أدرى إلى إثارة مخاوف الناس، فهل تصب هذه الدعاية في مصلحة الشعب الأمريكي؟ وهل يمكن إحصاء الخسائر الناجمة عن هذا الخوف والهلع؟ ومن يومها والشعب الأمريكي يعيش رهين المخاوف من وقوع هجمات جديدة في أي لحظة وفي أي مكان، يتوجسون الخطر في الشوارع وفي دور عملهم وفي بيوتهم، إن وضعا كهذا لا يسر حتى الأعداء! لماذا كان الإعلام الغربي يثير المخاوف بدلا من بث روح الأمن والطمأنينة في نفوس الشعب؟ ويعتقد البعض أن هذه الضجة الإعلامية قد افتعلت تمهيدا لشن هجوم على أفغانستان.

ومرة أخرى أود الإشارة إلى دور وسائل الإعلام، فمواثيق الإعلام تنص على أن عملية نشر المعلومات الصحيحة وإجراء التقارير الصادقة من العقائد الراسخة، إلا أنه لا يسعني هنا سوى أن أعبر عن عميق أسفي لاستخفاف بعض وسائل الإعلام الغربية بهذه المبادئ، لقد كانت ذريعة الحرب على العراق هو امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، فما كان من وسائل الإعلام سوى التشدق بهذه الذريعة وترديدها على مسامع الرأي العام ليصدقوها في نهاية المطاف تمهيدا لغزو العراق، ألن تضيع الحقيقة في تلك الأجواء المفتعلة والمضللة؟ ومرة أخرى إذا ما ضيعت الحقيقة عمدا فكيف يمكن لما جرى أن يتوافق مع القيم المذكورة أنفا؟ وهل يقدر للحقيقة التي يعلمها الله سبحانه وتعالى أن تضيع أيضا؟

السيد الرئيس

يقوم المواطنون في مختلف بلدان العالم بتوفير النفقات لحكوماتهم بحيث تكون هذه الحكومات قادرة في المقابل على تقديم الخدمات لهم، والسؤال المطروح هنا هو: ما مصلحة الشعب الأمريكي من مئات المليارات من الدولارات التي تنفق سنويا لدفع تكاليف الحملة العسكرية في العراق؟ وكما يعلم سيادتكم هناك العديد من الفقراء الذين يعيشون في بعض ولاياتكم، وهنالك الآلاف من المشردين حيث يشكل العاطلون عن العمل أحد المشاكل الرئيسية في بلادكم، وبلا شك تنتشر مثل هذه المشاكل انتشارا متباينا في الدول الأخرى على حد سواء، ولو أخذنا هذا الأمر بعين الاعتبار فهل يمكن تبرير هذه النفقات الباهظة التي تدفع من الخزينة العامة ومطابقتها مع المبادئ المذكورة سابقا؟

إن ما ذكرته كان بعضا من الشكاوى التي تطلقها الشعوب في جميع أرجاء العالم وفي منطقتنا وفي بلادكم، إلا أن نقطة الجدال الرئيسية التي أرمي أن توافقني الرأي فيها ولو بقدر ضئيل هو أن أصحاب السلطة لن يمكثوا في مناصبهم إلى أبد الآبدين إلا أن التاريخ سيخلد أسماءهم وسيحكم عليهم الزمن إما عاجلا أو آجلا، وستقوم الشعوب بمحاكمة الفترات الرئاسية التي حكمناهم خلالها، فهل أحللنا السلام والأمن والرقي لشعوبنا أم كنا سببا في نشر الذعر واستفحال البطالة؟ هل كنا نسعى لتحقيق العدالة أم كنا ندعم الجماعات ذات التوجهات الخاصة، أم كنا نستخدم القوة ضد العديد من الفقراء فيزدادوا فقرا فوق فقرهم من أجل أن تزداد ثروة فئة من الناس وتقوى شوكتهم، وبهذا نكون قد قايضنا رضا الشعب ورضا الخالق برضا تلك الفئة؟ هل دافعنا عن حقوق المستضعفين أم تجاهلناهم؟ وهل كنا ندافع عن حقوق جميع شعوب العالم أم كنا نشن عليهم الحروب ونتدخل في شؤونهم الداخلية ونزج بهم في سجون سقر؟ وهل أحللنا السلام والأمن في العالم أم أثرنا فيه شبح المخاوف والتهديدات؟ وهل صدقنا القول مع أمتنا ومع الأمم الأخرى أم عرضنا عليهم حقائق مزورة؟ وهل كنا في صف الشعب أم في صف المحتلين والمعتدين؟ وهل كانت حكوماتنا تسعى إلى تعزيز السلوك العقلاني والمنطق والأخلاق والسلام وتحقيق الالتزامات والعدالة ومصالح الشعب والرقي والازدهار واحترام كرامة الإنسان أم كان سعيا وراء فرض قوة السلاح وتخويف الشعوب وزعزعت الأمن والاستخفاف بالشعوب وتعطيل تقدم الدول الأخرى وتفوقها وإلقاء حقوق البشر عرض الحائط؟ وفي النهاية سيحكم الشعب علينا فيما إذا كنا لا نزال نلتزم بالقسم الذي قطعناه على أنفسنا لخدمة الشعب وهي أولى مسؤولياتنا والسير على نهج الأنبياء والمرسلين أم لا؟

السيد الرئيس

إلى أي مدى يمكن لهذا العالم أن يتحمل وضعا كهذا؟ وإلى أي وجهة يقذف هذا الموج بالعالم؟ وإلى متى ستظل شعوب العالم تدفع ثمن الأخطاء التي يرتكبها بعض القادة؟ وإلى أي مدى سيظل شبح أسلحة الدمار الشامل يلاحق شعوب العالم ويزعزع أمنهم؟ وإلى متى ستظل دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال تراق في الشوارع وإلى متى ستستمر عمليات هدم المنازل على رؤوس ساكنيها؟ هل أنتم راضون بالوضع الراهن للعالم؟ وهل تعولون على استمرار السياسات الحالية؟

لو أن مليارات الدولارات التي أنفقت على الأمن والحملات العسكرية ونقل القوات كانت قد أنفقت على عمليات الاستثمار ومساعدة الشعوب الفقيرة وتعزيز الصحة بمكافحة مختلف الأمراض والرقي بالتعليم وتنمية اللياقة البدنية والعقلية ومساعدة منكوبي الكوارث الطبيعية وإيجاد فرص العمل وتحسين الإنتاج وإقامة المشاريع التنموية والقضاء على الفقر وإحلال السلام والتوسط بين الأمم المتنازعة وإخماد لهيب النزاعات العرقية والطائفية والنزاعات الأخرى فأين سيكون العالم الآن؟ ألن تكونوا حكومة وشعبا فخورين بهذا الإنجاز؟ أما كان ليكون وضع حكومتكم السياسي والاقتصادي أقوى مما هو عليه؟ وأقول وكلي أسف هل كان لتكون هنالك كراهية عالمية متنامية ضد الحكومة الأمريكية؟

السيد الرئيس

لا أقصد من كل هذا تجريح مشاعر أحد، فلو أن بيننا اليوم النبي إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب أو إسماعيل أو يوسف أو السيد المسيح فكيف كانوا ليحكموا على سلـوك كهذا؟ وهل سيمنحنا الرب أدوارا في العالم الموعود حيث تعم العدالة وحيث يوجد السيد المسيح؟ بل هل سيقبلون بنا؟ وسؤالي الرئيسي هو أليس هناك من طريقة أفضل للتعامل مع بقية دول العالم؟ يوجد في هذا العالم مئات الملايين من المسيحيين ومئات الملايين من المسلمين والملايين من البشر الذين يتبعون تعاليم النبي موسى عليه السلام، وتشترك جميع الأديان السماوية في الإيمان بعقيدة التوحيد وبأن لا إله إلا الله، ويؤكد القرآن الكريم على هذه الكلمة ويدعو جميع أتباع الديانات السماوية إلى قوله تعالي:} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{ (سورة آل عمران، الآية 64).

السيد الرئيس

وفقا لهذه الآيات القرآنية فقد دعينا جميعا لعبادة إله واحد وإتباع تعاليم الأنبياء والمرسلين، وإننا على يقين بأن الطريق الوحيد لخلاص هذه البشرية ونجاتها هو بالعودة إلى تعاليم هؤلاء الأنبياء والمرسلين، وإننا على علم بأن سيادتكم تتبعون تعليم السيد المسيح عليه السلام وتؤمنون بالوعد الإلهي الذي يقضي بسيادة الحق في هذا العالم، ونحن أيضا نؤمن بأن السيد المسيح عليه السلام هو أحد أنبياء الله العظام وقد ورد ذكره في عدة مواضع من القرآن الكريم، كما يذكر القرآن الكريم على لسان عيسى عليه السلام قوله تعالى: }إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{ (آل عمران، الآية 51) كذلك فإن انصراف مريم العذارء لعبادة لله سبحانه وتعالى وإطاعته هي عقيدة كل الأنبياء والمرسلين، أي أن إله جميع الشعوب في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا ودول المحيط الهادي وسائر بقاع العالم هو إله واحد، هو الله الهادي والمعز لجميع عباده، كما نقرأ في القرآن الكريم (عدة آيات مقتبسة من القرآن الكريم بدون ذكر السور ولا أرقام الآيات التي اقتبست منها لذا تعذر البحث عنها، المترجم)، ويمكن قراءة هذه الآيات القرآنية بطريقة أو بأخرى في الكتب السماوية.

لقد وعدنا الأنبياء والرسل وقالوا بأن يوما ما سيحل اليوم الموعود، وعندها سيحضر الناس أمام الله أشتاتا ليرو أعمالهم، يوم سيدخل فيه الصالحون الجنة وسيذوق فيه الظالمون عذاب النار، ورغم أن كلانا يؤمن يقينا بهذا اليوم إلا أن إحصاء أفعال الحكام لن يكون بالأمر الهين، ذلك أننا محاسبون أمام شعوبنا وأمام أولئك الذين كانت حياتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عرضة لأفعالنا. لقد دعا جميع الأنبياء إلى إقرار السلام والاستقرار لبني البشر بناء على التوحيد والعدالة واحترام كرامة الإنسان، ألا تعتقدون بأننا نستطيع التغلب على المشكلات الراهنة في عالمنا والتي هي عواقب عصيان نهج الله سبحانه وتعالى ونهج أنبياءه المرسلين لو أننا ءامنا جميعا بهذه المبادئ واتبعنا مبدأ التوحيد وعبادة الله والعدالة واحترام كرامة الإنسان والإيمان باليوم الآخر والسعي نحو حياة أفضل؟

ألا تعتقدون أن الإيمان بهذه المبادئ يعزز من فرص السلام ويكفل الصداقة والعدالة؟ ألا تعتقدون أن العالم يحترم المبادئ المكتوبة والمبادئ العرفية؟ أفلا تقبلون هذه الدعوة؟ دعوة خالصة للعودة إلى تعاليم الأنبياء وإلى توحيد الله وإلى العدالة من أجل حفظ كرامة الإنسان وإطاعة الله سبحانه وتعالى وأنبياءه؟ إن التاريخ ليشهد على زوال حكومات الاستبداد والظلم، لقد أوكل الله مصير هذه البشرية بين أيديهم ولكن المولى عز وجل لم يترك العالم والبشرية رهن رغباتهم ونزواتهم، فهناك من الأشياء ما جرى بما لا تشتهي هذه الحكومات وعكس مخططاتها، وهذا برهان على أن الله غالب على أمره وأن كل شيء يسير وفق أمره تعالى.

هل يمكن لأحد أن ينكر مؤشرات التغيير في عالم اليوم؟ هل يمكن مقارنة أوضاع عالم اليوم بما كانت عليه قبل عشرة أعوام؟ فالتغييرات تجتاح العالم سريعا وبخطى ثائرة، كما أن شعوب العالم غير راضية بالأوضاع الراهنة ولا تولي اهتماما لوعود بعض القادة المؤثرين في العالم ولا لتعليقاتهم، فالعديد من شعوب العالم لا تشعر بالأمان وتعارض السياسات الرامية لزعزعة الأمن وتوسيع نطاق الحرب كما أنها لا تعترف بالسياسات المشبوهة ولا تقبل بها، إن الشعوب تحتج على الهوة المتسعة بين الموسرين والمعدمين وبين الدول الغنية والدول الفقيرة، كما أن جميع الشعوب مستاءة من الفساد المستثري، كذلك فإن شعوب العديد من الدول غاضبة من الهجمات الموجهة ضد أسسها الثقافية والداعية إلى خلخلة الروابط الأسرية، كما أنها قلقة في نفس الوقت من انحسار العناية والشفقة، لهذا فإن شعوب العالم لا تثق بالمنظمات الدولية لأن هذه المنظمات لا تدافع عن حقوقهم. وحتى اللحظة لم تتمكن الليبرالية ولا الديمقراطية الغربية من تحقيق الأهداف النبيلة للبشرية وقد منيت كل مساعيهما بالفشل، وبإمكان أولي البصائر اليوم أن يسمعوا صوت تحطم الأيدلوجية وسقوط أفكار الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، إننا لنرى أن شعوب العالم أجمع تتدافع نحو الله، وبلا شك ستتغلب البشرية على جميع المشكلات التي تعاني منها ما أن تضع إيمانها بالله وبتعاليم أنبياءه.

سؤالي إليكم هو: ألا تريدون أن تحذو حذو هذه الشعوب؟

السيد الرئيس

سواء شئنا أم أبينا فالعالم يتجه نحو الإيمان بالله ونحو تحقيق العدالة وبأن قدرة الله فوق كل شيء، والسلام على من اتبع الهدى.

محمود أحمدي نجاد
رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية