وداعا كما تشاء


أتوقع أنك سعيد الآن، سعيد بهذه النهاية التي رسمتها بنفسك دوني، دون أن تشير إلي حتى بانسحاب تدريجي، نزعتَ روحك من جسدي كما تنتزع الأغلفة عن الكتب، لا يهم إن أخذت شيئا من جسدي بهذا الانتزاع القسري، فأنا في الأساس لم أكن أملك هذا الجسد، ولا هذه الروح، كنت أنت القيصر، وكنت أنا الملكة.

عذرا أيه القارئ، الكريم، نسيت أن أخبرك بأنني لا أقصدك أنت تحديدا، وأنصحك بأن تترك باقي السطور لصاحب الشأن، صاحب القرارات الأحادية، الدكتاتوري، الذي أحبني بجنون ليتركني بعقل مجنون، لكن إن أردت أن تتابع القراءة فاعلم بأنه كان صاحبي، كان رفيق دربي، كان أملي، كان مخلصا في حبه لي، لكنه أصبح مخ لصٍ حين أجهز على حبي له، وحين أرسل وداعه في رسالة بكماء، لم أجد لها ردا، سوى الوقوف مشدوهة لساعات أمام هذه الشاشة، استرجع شريطا طويلا من الذكريات، وشريطا أطول من الكلمات، ومقصاً كبيراً يقطع الذكريات ويفصل الحروف عن الكلمات.

لماذا الرجال دائما هكذا، يتركون آثار أقدامهم علينا ثم يتوقفون في منتصف الطرق الوعرة، يبررون أعذارهم كذبا، يديرون رؤوسهم للوراء، يتراجعون بثبات، ثم لا يلتفون وراءهم كي لا يروا الدموع وهي تسح من أعيننا، رغم أن شيئا من ذلك الوجع لن يثنيهم عن الهروب منّا، هكذا أجد نفسي واقفة كشخص منبوذ، لا أرى سوى طيفا يعبر إلى البعيد، ذلك البعيد الذي كنت أخشاه، لأبدأ بملء حياتي من جديد بالفراغ، بالفراغات الكثيرة التي أحدثها هروبك، وضعفك، أحاول أن أبعدك عن عقلي، فتنسل إلى داخل قلبي، أحاول أن أكرهك فيتمادى عقلي في غض الطرف عن هيام قلبي بك.

الآن وبعد رحيلك، لا أريد شيئا، لا أريد أن أحبك، ولا أريد أن أكرهك، فالحب تفكير والكراهية تفكير، وأنا لا أريد أن أفكر فيك بعد اليوم، فلا مكان لك اليوم ها هنا، لا مكان لك سوى الخارج، رغم أنني سأراك يوميا في الداخل، ولن يغير ذلك من الابتعاد في شيء، سأكون قريبة على مرمى حجر، لكن ليس على مرمى النظر، ستراني، سترى جفوتي، ، لكن لن أفكر فيك، سأكتفي بتجاهلك، لأتمادى في الظهور أمامك دون أن تكون أمامي، وسأكتفي بأن تكون عدماً في حياتي ونسياً منسيا في ذاكرتي، لكن أتمنى أن لا تغصب يا رفيق الدرب الأخيرة، فتلك ثورة قلب أحبك، ولكنك تركته ذات مساء على قارعة طريق وعره، لوحده، وحيدا. فوداعا كما تشاء لا كما أشاء.