"أوه، أنت جبان كليا يا فردبناند.. أنت منفر مثل جرذ!
أجل، جبان كليا يا لولا، أنا أرفض الحرب، أرفض كل ما في داخلها، أنا لا أشتكلي منها، ولست خاضعا مستسلما.. لست أبكي على نفسي، ولكنني أرفض الحرب رفضا تاما، وأرفض جميع الذين يواصلونها، لا أريد قط أن أكون مرغما على العمل معهم، أو معها، وحتى لو كان عددهم 995 مليونا وكنت وحدي فإنهم هم الذين على باطل، وأنا وحدي على حق، أنا الوحيد الذي يعرف ما يريد، أنا لا أريد أن أموت أبدا - ولكن من المستحيل رفض الحرب يا فرديناند، ليس هناك سوى المجانين والجبناء من يرفض الحرب، حينما يكون الوطن في خطر. -إذن فليعش المجانين والجبناء، أو بالأحرى، لينج من الموت المجانين والجبناء."
مقتطف من رواية " رحلة في أقاصي الليل"
للروائي والطبيب الفرنسي لويس سيلين
كنت انقل هذه السطور من مجلة "الدوحة" لأكتب شيئا كان يدور بخلدي منذ يوم أمس، غير أنني وللأمانة الأدبية أردت أن أعرف أين جاءت هذه السطور، سألت بابا جويل، قصدي جوجل، فأتاني بالخبر اليقين، إنها أولى روايات هذا الطبيب الفرنسي المولود في ضواحي باريس بكورفوا في 22 أيار/مايو 1884 ، وقد قاتل في الحرب العالمية الأولى، وأصيب بجرح بليغ في ذراعه، درس الطب في عام 1918 واصبح طبيبا في الثلاثين من عمره، وصدرت هذه الرواية عام 1932 . ولأنه كان معاديا للحرب ورافضا لها رفضا كليا ومنتقدا اليهود في إشعال فتيل الحرب الفرنسية الألمانية الأمر الذي أثار حفيظتهم، فقد نبذ وتشرد، وزج به في غياهب السجون لأن أحدا لم يفهمه بل أساؤو فهم موقفه الرافض للحرب، حتى مات منبوذا في عزلته.
كل تلك المقدمة لم تكن واردة إطلاقا في بالي، كنت فقط أرمي للكتابة عن مشهد حز في قلبي وأنا أطالع الإخباريات العاجلة وقت تلذذي بالغداء! لا أحد يريد الموت، لا أنا ولا أنت ولا هم، لكن الموت بات يأتي معلبا في سيارة مفخخة، في حزام ناسف يتمزق ليُمزِّق وينسِف من حوله من الأبرياء والمجرمين، أعلم أننا تعودنا على إخباريات كهذه ولم تعد الأرواح سوى أعدادا تحصى وتقارن مع مثيلاتها من الأشهر أو لتصبح في سجلات المقابر، كنت اشاهدهم يتراكضون على الشاشة نحو الحياة لينفذ من ينفذ بجلده ويموت من يموت بجريرة غيره، في تلك اللحظة اغرورقت عيناي بالدمع لأن قوما وشعوبا وبشرا - كرّمهم الله جل جلاله في كتابه العزيز - لا تستطيع أن تحيى دون موت، دون أن تخضب الطرقات بلون الدم القاني، بمزيج البارود المتفجر، بأزيز الرصاص، بعويل النساء وصراخ الأطفال، وحسرة الشيوخ، وضياع الأعمار بين الموت والحياة، أي حياة يعيشها المرء عندما يعبر الطرقات حافي القديمين وهاجس الموت يطارده كظله، يترصد له على الزوايا وداخل ثياب الغرباء، الموت آت لا محاله، غير أنه يأتي سريعا هناك، ليحصد البشر اليوم أو غدا أو بعد غد، لكن ليس أبعد من ثلاثة أيام، حتى الذابة صار لها عمر يفوق عمر هذا الإنسان!
أتساءل وأنا أقود مركبتي، أي هاجس يطاردني يا ترى؟! هل من الموت حقا؟ أم ممن يقود الموت أمامه وخلفه وعن جنبيه؟ ربما فقط الخوف والحذر من هؤلاء الذين يسابقون الموت في الطرقات برعونتهم لا برجولتهم!
لا اريد أن أموت، لا نريد أن نموت، لا نريد لهم أن يموتوا، على الأقل قبل أن تنضج أوراقنا وتتيبس وتسقط من على أغصان الشجر لتستقر تحت الأرض قبل أن تداس بأحذية الموت.
انتهى
5 نيسان (ابريل) 2010 م
شكلها بروحها مبتليه فيه .! .<< لو يعرف إني كذا أقول عنه
بيقول حبوتش بتمر عليش السبت هه