مررت هنا زائرا
وبنيت لي كوخا صغيرا
كنت صغيرا حينها والكوخ بحجمي
وعندما كبرت بقى الكوخ على حاله صغيرا
أنا الآن ألملم حقائبي للسفر
أخذت تأشيرة دخول للقبر
لوجهة واحدة
ولمرة واحدة
ذهابا دونما إياب
إلى العالم الأعلى
صليت صلاة مودع
وقرأت آخر الأيات
طويت سجادتي
والشمس ما تزال تتثاءب خلف البحار
أقبل رأس أمي مودعا
كما لم أقبله من ذي قبل
وهي لا تعلم كنه الوداع
أتنفس رائحتها
وبريق عينيها
وتعرجات السنين
ما أعبق جباه الأمهات
وما أشهى قبلهن المطبوعة على القلوب
أرنو إلى صورة والدي
تلك التي علقتها بنفسي
كي أناظره متى ما أشاء
ويناظرني متى ما شاء
بعيني الشوق والاحتياج
أبي
اشتقت إليك
باااااه
أبوي
لمن أقولها الآن!
أبتعد عن الصورة
ولا تنسحب العينان
إلا بعد عناق طويل


تفتح الشموس أعينها
وتفتح الجارة العجوز بابها
"ماااه، كيف حالك؟"
"تعال ولدي قرّب"
أناظر العجوز الأخرى المشلولة في فراشها
آخذ الحقنة
وممسحة الكحول
وقنينة الأنسولين
ووووو
تفاصيل يومية تتكرر ثلاث مرات
فجرا
ظهرا
عشاء
أحقنها وقبل أن أنصرف
أدعو لها بالشفاء
وتدعوني لشرب قهوتي المعتادة
هل سأموت قبلها
إنها على فراش الموت
تنتظر
لكن الحياة ممسكة بها
بقوة
لو سألتها لقالت:
"أنا ميتة أفضل مني على قيد الحياة".
أعود لغرفتي
وأفتح صندوق العجائب
أجمع رسائل حبيباتي
عطورهن
وتذكارتهن
أضعهن في كفن أبيض
والكفن الأبيض في كيس أسود
والكيس الأسود في مقبرة الحب
لم يعد هذا القلب يتسع لندوب أخرى
ولا حتى لرتوق أخرى
لم يعد ثمة شيء يدعوني للبقاء
ولا حتى للبقاء على قيد الحياة
وكأن الموت أصبح كالحياة
ميلاد لحياة أخرى
إذا كنا فعلا مقبلون على الموت
فلم الانتظار
إذا كان ما بعد الموت أجمل
فلم الإنتظار
وكذا إن كان أسوأ
فما الجدوى من البقاء
سأذهب لأموت هناك
فلربما هناك شيء أجمل

همسة إخيرة
إلى آخر هدية سماوية
إلى النعيم والجحيم
إلى مزيج اللذة بالألم
إلى الروح التي تنزلت عليّ
فألبستني ثوب الطهر
وثوب النقاء
وثوب البقاء
إليكـ
أنا آت

الأثنين 12 يوليو 2010
الساعة : 01:30 ظهرا