كان يدرس فاتورتي الماء والكهرباء
الأولى مائة وتسعة ريالات
والثانية مائة وعشرة ريالات
وفيهما كسور بالبيسات
وأعلاهما ختم بالأحمر
"إنذار نهائي"
هذا الختم تكرر أربعة أشهر
لكن جيب صاحب المنزل خال
وآلة السحب خجلة من الرصيد المتبقي
قرر أن يساعدهم ويدفع المبلغ بالكامل
أخذ حماما صباحيا
أدار مفتاح سيارته ليزيل الصقيع من محركها
تناول قطعة قماش وقام ينظف زجاج السيارة
ركب سيارته ميمما شطر شركة تحصيل الفواتير
عندما وصل، وجد القليل من السيارات
هذا يعني أنه لن يقف في الصف كالعادة
قبل أن ينزل رأى شيخا عجوزا يتعكز على عصاه وينزل من الدرجات
دلف إلى الشركة وتوجه مباشرة إلى المحاسبة
أعطاها الفواتير
سألته عن المبلغ الذي يرغب في دفعه
قال لها بأنه سيدفع المبلغ كاملا
ونقدها المبلغ المطلوب
عندما خرج، وجد بأن الشيخ ما يزال في الخارج
يشير إلى هذا وإلى ذلك
لكن مظهره لا يشجع مراجعي الشركة على اداخاله لسياراتهم
عجوز متهالك رث الثياب ولعصاه مآرب أخرى!
ربما لو كانت فتاة لركنوا مركباتهم دون إشارة..
ركب سيارته وعندما اقترب من الشيخ فتح نافذته
- وين رايح، باه؟
- الشارع ولدي.
- تفضل ركب.
ركبت عصاه أولا، ثم رجلاه!
دار بينهما حوار مقتضب
قال بأنه يقطع المسافة من حارته البعيدة ليسدد الفواتير شهريا
ولا أحد ينوب عنه في هذا العمل
لديه ولد واحد ويعمل حسب قوله في (مسكد) ولا يأتي إلا في الإجازات
طفت علامات الاستفهام والتعجب فوق رأسه
وتألم لحال هذا الشيخ وهو يقطع الشوارع والطرقات
لا يساعده احد سوى تلك العصا
توقف عند مواقف سيارات الاجرة
ساعده على النزول
ورافقه إلى سيارة اجرة كانت في الانتظار
أخبر السائق بأن الشيخ متوجه إلى الحارة الأخرى
وأعطاه أجره مقدما
سأل السائق إن كان احد بانتظار الشيخ هناك لأنه لن ينزل إلى الحارة
واجابه بأنه وجد الشيخ في هذه البلدة ولا يعرف عنه شيئا
انصرفت سيارة الاجرة

قبل أن يركب سيارته انتابه احساس بالذنب
لأنه لم يكلف نفسه توصيل الشيخ إلى حارته
ولأن سيارة الاجرة ستترك الشيخ على قارعة الطريق السريع
ولأنه لم يزد اجرة السائق لتوصيل الشيخ إلى حارته

هذا الاحساس عالق في نفسه كغصة في حلقه