حين يكون المبدع على عتبة إصدار إبداعه مستشعرا روعة ما قام به أو ما خطه قلمه من كلمات وحروف تبهر من يمر عليها ويستلهم معانيها، فيشعر بالراحة تنساب إلى أعماقه بسلاسة تخبره بأنه قدم ما عليه وأكثر، ولكن... يفاجأ في لحظة أن إبداعه الذي كان نتاج جهد جهيد من قبله، ولعله أخذ من وقته الشيء الكثير ومن فكره القدر الوفير، يفاجأ انه قد تم نسبه إلى شخص آخر لا صلة له به لا من قريب ولا بعيد. نعم إنها السرقة الأدبية، هي جريمة شنيعة ترتكب في حق الإبداع والمبدعين حين يتم مصادرة فكرهم وإبداعهم، حين ينسب ما كان منهم في يوم من الأيام إلى من لا يعلم عنه شيئا قط، حين يتم تحرير ما خطه قلمهم من جمال ليصبح باسم محرره الجديد، وللأسف... لا وجود لما يبرر ذلك.
فليتخيل من يصادر هذا الفكر بأنه في يوم من الأيام سطر حروفا من إحساسه وعذوبة مشاعره واستشعر روعتها في داخله ليُفاجأ بعدها بأن شخصا ما قد نسبها إلى نفسه، هل تتخيلون معي الموقف؟؟ فعلا ما أقساه من موقف، وما أفضعها من لحظة يختلط فيها حقد وندم، كره وألم، حزن وعدم... نعم عدم... فهنا يفقد الإنسان شعوره بما من حوله، هنا لا يعلم بما يحدث من حوله وما عليه فعله، هنا لا يعلم أي نفس هذه التي سمحت لنفسها في لحظة من اللحظات أن تسلب جهد أيام وساعات، هنا ينعدم الشعور، هنا تجد نفسك أيها الإنسان أمام كل شيء، وفي ذات الوقت أنت أمام لا شيء، نعم... فقد ذهب جهدك سدى، وراح تعبك هباءً منثورا.

لطالما شغلت السرقة الأدبية بال كل من له يد في الإبداع في هذه الحياة، يخاف أن ينشر إبداعه أو يظهره على الملأ خوفا من أن يطير من بين يديه ويذهب أدراج الرياح بفعل الجاهلين والمخربين واللصوص، أو بالأحرى لصوص الفكر، فكم من مؤلف لكتاب ما وجد كتابه وقد نسب إلى شخص آخر لا يد له فيه، وكم من مخترع وجد أن اختراعه مسجل باسم فلان، ومن هو فلان؟؟ لا يجد جوابا لسؤاله.


لم يتوقف مجال السرقة الأدبية هكذا فحسب، بل إنها غزت الشبكة العنكبوتية –الانترنت- بشكل كبير وكبير جدا، فنجد اليوم من يضع شيئا من إبداعه الشخصي في مكان ما في هذه الشبكة لنجد بعدها شخصا آخر قد سجله باسمه في مكان آخر في الشبكة، نعم فالمواقع كثيرة والصفحات تزداد يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، بل ويمكنني أن أؤكد على انه في كل دقيقة هنالك زيادة في أقطاب هذه الشبكة في مكان ما، فما بالكم حين تكثر ما تسمى بالمنتديات المتنوعة التي تخدم أنواعا مختلفة من الميول البشري، هنا في هذه المنتديات نجد أنواعا مختلفة من الإبداع تنشر وتوضع من قبل مبدعيها، وقد توضع أحيانا من قبل سارقيها، فنجد الشعراء ينشرون قصائدهم في مختلف المواقع ونجد من يكتب الخواطر والروايات والقصص وغيرها من الأعمال الأدبية الجميلة، وصولا إلى البحوث الدراسية العلمية منها والأدبية. كل هذه هي نتاجات فكرية قام بها أشخاص في مكان ما من هذا العالم، وتعبوا في إصدارها في اغلب الأحيان، فما بالكم حين يأتي من قام بعمل ما ليجده في موقع آخر وقد نشر باسم شخص آخر لا صلة له بالعمل سوى انه وجده جاهزا وقام بنقله ولم يكلف نفسه عناء ذكر اسم صاحبه عليه على أقل تقدير كحق من حقوق الملكية الفكرية، ما هذا العالم؟؟!!


دعوني أتكلم قليلا عن واقع أعايشه في أوقات كثيرة، فأنا لي كتابات عديدة في الشعر النبطي والخواطر النثرية وأحاول الدخول في مجال القصة شيئا فشيئا، كل هذه أعمال أدبية، كما أنني مشرف في احد المنتديات في الشبكة العنكبوتية ولطالما مررت بتجارب من السرقة الأدبية في مواقع مختلفة وكثير منها ما قمت بتحريرها وكثير منها ما ابحث عن كاتبها الأصلي قدر المستطاع فهذا ابسط حق من حقوقه أن يذكر اسمه على ما هو من نتاجه الشخصي، كم من الأشخاص من تستهويهم سرقة الفكر ومصادرته بدافع التسلية وقضاء وقت ممتع على حسب قولهم ولكنهم في واقع الأمر لا يشعرون بحجم الخطيئة التي يرتكبونها، فكما أن سرقة الأموال والممتلكات حرمها الإسلام، فالإبداع هو من ممتلكات مبدعه وبالتالي والله اعلم بأنه يعتبر من المحرمات قياسا على ما يوازيه، فهل نستمتع بمعصية الخالق؟؟!!! أم نتلذذ بتجريح الآخرين؟؟!

من المسئول هنا؟؟ أهي حكوماتنا؟ أم نحن المسئولين أولا وأخيرا؟

تساؤلات كثيرة تجذب إجابات كثيرة وتحيرنا أكثر فأكثر، فلو قلنا أن العيب في الجهات المسئولة؛ فلِمَ لا تتحرك هذه الجهات ما دامت تعلم بما عليها فعله؟! ولو قلنا أن العيب فينا؛ فما بالنا نقف كالأصنام دون أن نغير شيئا مما يحدث حولنا ما دمنا نعلم أننا نحن السبب الرئيسي في حدوثه؟!



إبراهيم الشكيلي
عذب احساس
جريدة الوطن - الاثنين 17/3/2008م