الانسان هو كائن اجتماعي بطبعه ولا يمكن له ان يحيا سوى في مجتمع وبين مجموعة من الناس يتشارك معهم همومهم وافراحهم ويتعاون معهم ويساعدونه حين يحتاجهم وهذه هي سنة الحياة البشرية كما وضعها الخالق جل شأنها منذ أول يوم وطأت أقدام البشر تراب هذه الارض العظيمة، ولكي يستطيع الناس التعايش مع بعضهم بطبيعة الحال فإنه لابد من وجود التوافق بينهم والترابط والنظام لأن الفوضى ستعدم الحياة بلا شك ولن تتحقق صفة التعارف والسكنى لدى المجتمعات ابدا... ولا يتحقق هذا النظام بين افراد الشعوب والمجتمعات الا بوجود امور تنظيمية يسير عليها الناس في حياتهم ويتعارفون عليها بحيث يلتزمون بها ولا يخالفونها ابدا وقد تكون هذه التنظيمات طبيعية وفطرية... أي انها وجدت بالفطرة لدى هؤلاء البشر واعتادوا على السير عليها، كما انها قد تكون مبتكرة... أي أنه قد تم وضعها من قبل الناس ذواتهم وقرروا السير عليها سواء اكان ذلك بقرارات ممن هم اصحاب الكلمة في المجتمعات او كانت نتيجة عرف اعتاد عليه الناس واصبح سائدا لا ينحرفون عنه ابدا في حياتهم.

لتنظيم المجتمعات نجد هنالك قواعد اجتماعية كثيرة ومختلفة يسير عليها الناس ويسيرون حياتهم وامورهم على نمطها وتعاليمها واهم هذه القواعد نجد القاعدة القانونية التي تكون من صياغة البشر في كثير من الاحيان وإن كانت في احيان اخرى مستنبطة ومأخوذة تقريبا من التشريعات الدينية التي انزلها الله تعالى في قرآنه الكريم، كما ان هنالك بجوار القاعدة القانونية كثير ن القواعد الاجتماعية كالقواعد الدينية وقواعد الاخلاق وقواعد المجاملات وغيرها من القواعد... وسنسهب الحديث قليلا في القاعدة القانونية وتعريفها وخصائصها ومن ثم سنتطرق للحديث عن التفرقة بينها وبين اخواتها من القواعد الاجتماعية الاخرى...


تعريف القاعدة القانونية:-

كما نعرف ان الهدف الاول من (القانون) هو تنظيم الحياة البشرية وتحقيق العدل والمساواة بين الناس في جميع شؤونهم الحياتية، ومن المتعارف عليه بأن (القاعدة) هي الوحدة الاولى التي يتكون منها كل شي في هذه الحياة... فلابد لكل شيء من وجود اساس له حتى يصبح له وجود وكيان كامل وواضح وبالتالي فإن كيان القانون وحضوره لا يتاتى إلا بوجود القاعدة القانونية التي هي صورته الاولى والاهم... ولو أردنا ان نعرف القاعدة القانونية في سطر علمي دقيق فإننا ينعرفها كالتالي:- (هي قاعدة عامة ومجردة تهدف الى تنظيم العلاقات الاجتماعية في سلوك المجتمع وتتخذ صفة الالزامية)

خصائص القاعدة القانونية:-

للقاعدة القانونية خصائص ثلاث يمكننا استنباطها من التعريف العام لها وهي كالتالي:-

أولا:- القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي موجهة الى أشخاص:
القاعدة القانونية تم وضعها لتنظيم حياة الناس في مجتمع ما وتهدف الى تحقيق المساواة والعدالة في ذلك المجتمع وبالتالي فإنه من غير المتصور ان تكون القاعدة القانونية قد وضعت لتنظم علاقة فرد مع نفسه لوحده دون وجوده في مجتمع وانما هي تنظم علاقته بمجتمعه وافارد مجتمعه ككل، وبالتالي فهي قاعدة تهتم بسلوك الفرد في المجتمع مع بقية الافراد وتهدف الى تقييم وضبط هذا السلوك بصورة تتناسب وشروطها ومصلحة الجماعة بلا شك؛ فإن تحققت شروط القاعدة القانونية في الفرد والمجتمع نستطيع القول بأن القاعدة القانونية قد حققت الهدف والغاية المرجوة منها تماما وبالتالي فإنها تكون قاعدة قانونية ناجحة وعادلة، مثلا حين نقول ان من يقع في خطأ ما ويترتب على ذلك الخطأ اضرار بمصلحة الغير في المجتمع فإنه يتوجب على المخطئ تعويض المتضرر بقدر الضرر الذي لحقه... فإن صورة السلوك الاجتماعي تتحقق هنا بلا شك، ولكن يجب ان نقول بأن القاعدة القانونية تهتم فقط بتقييم السلوك الخارجي للانسان ولا علاقة لها بالنوايا والاحاسيس، فالقانون لا يتدخل في هذا المجال ما دام لم يخرج ويعبر عنه صاحبه بفعل ما او عمل، فإن توسعت تلك النوايا الى عمل مخالف للقانون فإن القانون يقوم بدوره حينها وينظر للحالة وقد يتطرق للنوايا التي تتعلق بالفعل بورة مباشرة كأن يقتل شخص شخصا آخر فإن القانون يستدعى مراعاة النوايا آحيانا حتى يعرف هل كانت العملية الاجرامية مع سبق الاصرار والترصد ام ان الامر قد حدث فجائيا ودون قصد من القاتل مثلا...

كما علينا ان نعرف ان القاعدة القانونية موجهة الى اشخاص ولكن هل يقصد بالاشخاص هنا الناس أم ماذا؟؟
هنالك نوعين من الاشخاص في هذه الحياة او بالاحرى في عين القانون وهما الشخص الطبيعي وهو الانسان الطبيعي كما خلقه الله سبحانه وتعالى بشرا سويا... إضافة الى الشخص الاعتباري والذي هو الوجه الثاني لصيغة الشخص في القواعد القانونية وهذا الشخص الاعتباري قد يكون شركة او مؤسسة حكومية مثلا او حتى شخصية وقد يتوسع مفهوم الشخص ليصل حتى للدول والمنظمات الدولية وخصوصا في القانون الدولي الذي يتعامل مع هذه الانواع من الاشخاص إضافة الى البشر طبعا، وبالتالي فإن القاعدة القانونية تنظم سلوك هؤلاء الاشخاص في مجتمعاتهم بحسب نوع الشخص ونوع مجتمعه طبعا... ولكن علينا ان نعرف ايضا ان القاعدة القانونية لا تهتم بجميع قواعد السلوك في المجتمع؛ لأننا وكما عرفنا سابقا بوجود انواع اخرى من القواعد الاجتماعية الأخرى والتي تهتم بالسلوك ايضا وسنتطرق لهذا فيما بعد.

ثانيا:- القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة:
لكي تحدث العدالة والمساواة في المجتمعات وكما هو الهدف الاول من وضع الفانون فإنه على القاعدة القانونية ان تخاطب الناس بصورة عامة أي ان اثرها يكون موجها الى كل من تتوافر فيه شروط هذه القاعدة القانونية او كل حادثة تنطوي تحت اطار ما نصت عليه هذه القاعدة وبنودها، فلا يصح أن تكون نظرتها وخطابها موجهين الى اشخاص معينين بذواتهم او شخص مذكور باسمه مثلا وذلك حتى تبتعد القاعدة القانونية عن الملابسات الانحيازية وما الى ذلك، فلا يجوز ان يقال ان قرار تعيين فلان في وظيفة ما هو قاعدة قانونية وانما هو قرار فردي لا صلة له بالقاعدة القانونية، ولكن يمكننا ان نطلق صفة القاعدة القانونية على لائحة تحوي شروط الالتحاق بوظيفة معينة مثلا؛ لأنه لا يخاطب فردا معينه بذاته، إنما هو خطاب موجه لجميع من تنطبق وتتوافر فيه الشروط والمطالب المنصوص عليها في القرار... وبالتالي فهذه هي صورة من صور القانون فعلا، بيد انه توجد بعض القواعد القانونية التي لا يمكن ان تمس سوى شخصا واحدا بذاته في فترة من الفترات وبالتالي هي تكون كأنها موجهة اليه بعينه ولكن في الحقيقة انها تلامسه فقط لأن شروطها وبنودها تتوافق وحالته في الحياة والمجتمع... كالقواعد القانونية التي تنص مثلا بتعيين رئيس الدولة او رئيس الحكومة مثلا او التي تحدد صلاحياته وحدوده وما الى ذلك، فهي فعلا تعتبر موجهة الى شخصه لأن لا أحد غيره سوف تلتفت اليه ابدا وكلن ذلك ليس لأنه (فلان) ولكن لأن به كذا وكذا... وهو ما تنظر اليه هذه القاعدة، وبالتالي فإنه يمكننا القول بأن القاعدة القانونية إن لم تتصف بالعمومية فإنه لا يمكن ان يطلق عليها قاعدة قانونية ابدا وانما هي تكون قرارا فرديا لا صلة له بالقانون.

ثالثا:- القاعدة القانونية قاعدة ملزمة:
وكما انه من غير المتصور بأن تكون القاعدة القانونية تخاطب فردا وشخصا بعينه وذاته فإنه من غير المتصور ان تكون القاعدة القانونية خالية من صفة الالزام؛ لأنها لو كانت هكذا لأصبحت محض نصيحة لا اكثر...!!!
وبالتالي فإن الاعدة القانونية حتى تكمل صورتها القانونية فهي بحاجة الى قوة خلفها تدعمها بحيث انها تهبها قوة الالزام لكي تكون نافذة وتجبر المجتمع على اتباعها وعدم مخالفتها، ولا تتحقق صفة الالزامية الا بوجود سلطة قادرة على فرض النظام وكلمته في المجتمع تعد بتوقيع العقوبة على من يقومبمخالفة القاعدة القانونية بالجزاء المناسب له، كأن تتم معاقبة القاتل مع سبق الاصرار والترصد بالاعدام ومعاقبة كل مخالف على حسب ما تقتضيه المخالفة وتكون العقوبة طبعا بتوقيع الجزاء المناسب وانواع الجزاء مختلفة ايضا وتتدرج من الغرامة الى الاعدام وذلك بحسب نوع المخالفة والتي تتدرج من مخالفة الى جنحة الى الجناية وهي اعظم انواع المخالفات بلا شك.

القاعدة القانونية والقواعد الاجتماعية الأخرى:-

أولا: القاعدة القانونية وقواعد الدين:
قواعد الدين هي قواعد يعتقد مجموعة من الناس انها صادرة عن الله سبحانه وتعالى ويتبعونها لكونها امورا لازمة لتمام الدين وما الى ذلك، وتعنى هذه القواعد ايضا كالقواعد القانونية بتقويم سلوك الفرد وتنظيم شؤون المجتمع وغايتها خلق الفرد السوي المتكامل، وتتجاوز قواعد الدين قواعد القانون في تحقيق غاية التنظيم والكمال الى انها تنظم علاقة الفرد مع المجتمع كالقانون ولكن الى جانب علاقته بربه وبنفسه ايضا وبالتالي فإننا نجد ان نطاق قواعد الدين اوسع من القانون من حيث اطار التنظيم.
ولكن كما عرفنا مسبقا ان القانون لا يلتفت الى النوايا والاحاسيس التي لا تترجم الى اعمال وافعال خارجية، بيد أن القواعد الدينية تهتم بالاحاسيس كثيرا وكثيرا جدا لأن هدفها خلق الانسان السوي المتكامل في مشاعره للمجتمع وربه ونفسه وفي اعماله ايضا وبالتالي فهي تحرم الحقد والحسد وما يوازيها من امور نفسيه قد تحدث خللا كبيرا في الحياة الاجتماعية ان فرطت من يد صاحبها، ولكن الى جانب هذا الفرق فإننا نجد بعض الجوانب التي يلتفت اليها القانون ولكن الدين لا يهتم بها احيانا كقواعد المرور مثلا والتوظيف وغيرها من القواعد، وبالرغ من كل هذا الاختلاف الا ان هنالك بعض الامور التي اشترك الدين والقانون في الاهتمام بها كتحريم الزنا مثلا ووجوب العقاب عليه والسرقة وغيرها وتنظيمات الاسرة والزواج وغيرها ايضا.
والعقاب في القواعد القانونية كما عرفنا يتم توقيعه مباشرة بعد الوقوع في المخالفة وهو عقاب محسوس بطبيعة الحالن اما العقاب في القواعد الدينية فهو مؤجل الى يوم القيامة.

ثانيا: القاعدة القانونية وقواعد الاخلاق:
قواعد الاخلاق هي مجموعة من المبادئ التي تستقر في النفس البشرية لترتقي بها الى مصاف الكمال وهي ايضا قواعد تهدف الى تنظيم الحياة في المجتمع وبالتالي فإنها قواعد سلوك اجتماعي ايضا شانها في ذلك شان قواعد القانون ولكن بالرغم من الشبه بينهما الا ان هنالك بعض الفروقات التي منها ان القواعد القانونية كما عرفنا انها تهتم بتنظيم المجتمع فقط بعكس الاخلاق التي تهتم الى جانب تنظيم المجتمع بتنظيم علاقة الفرد بنفسه ايضا. وكما نعرف ان القوانين تصاغ في نصوص واضحة حتى يتسنى للجميع معرفتها واتباعها وتوخي مخالفتها فإن قواعد الاخلاق تتمثل في مبادئ داخلية وافكار لا تتعدى حدود النفس البشرية ويكون عقاب مخالفتها طبعا معنويا بحتا بعكس القانون الذي يكون عقابه محسوسا... نعم، العقاب هنا يتمثل في ضمير الانسان وشعوره بالذنب تجاه نفسه وغيره حين يخالف كما ان المجتمع احيانا قد يعاقبه بالقطيعة والازدراء وما الى ذلك.

ثالثا: القاعدة القانونية وقواعد المجاملات:
قواعد المجاملات هي مشاعر واحاسيس ومبادئ استقرت ايضا في النفوس وتعارف عليها الناس واصبحت عادات لهم تُستنكَر من تاركها احيانا ومنها زيارة المريض مثلا والعزاء وحضور الحفلات وما شاكل ذلك، ولا صلة للقانون بها ولا يمسها ابدا لأنها بعيدة عن لوازم القانون ولا يصح ان توقع عقوبات على مخالفتها لأن من الصعب اجبار الناس على الالتزام بها فهي تبقى امورا لا تتعدى العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمعات ويبقى عقابها الوحيد هو من قبل المجتمع واوضح عقوبة هي الرد بالمثل حين يكون هنالك مخالفة لهذه القواعد فقط.



بـ قلم/ي
إبراهيم الشكيلي
26/9/2008