يقول إيليا أبو ماضي في قصيدته المساء:
لتكن حياتك كلها أملا جميلا طيبا
ولتملأ الأحلام نفسك في الكهولة والصبا
ويقول
مات الصباح ابن النهار فلا تقولي كيف مات
إن التأمل في الحياة يزيد آلام الحياة
إيليا شاعر كبير وفي أبياته دلالات عميقة وراقية وهو ما جعلني استهل بشعره هنا
في الحقيقة كنت أتردد بين الكتابة و مرواحة الصمت الذي في مجالسته متعة كبيرة وكشف عميق لأبعاد الأسئلة والأجوبة التي نتلقاها من الذات ومجتمع الذات.
منذ الصغر وأنا أنظر إلى الأشياء نظرة أحاول من خلالها التشارك معها على نحو لا أتصنع فيه التهذيب والشغب والجمال والقبح حتى يتيح لي التفاعل معها فهمها ومن ثم الحكم على نوعية العلاقة التي ينبغي أن تكون بيننا.
أدهشني في الناس وأثار في نفسي الإعجاب صنف يرى من نفسه موضع كمال يخيل له القدرة على الكسب في جميع مراحل الحياة ، وهو إذ يرسم الأحلام ويعمل في جهد مضني لتحقيقها يكسب ثقة تملؤه عزة وأنفة هما من المنظور الإنساني أبسط مكتسباته وحقوقه.
إنما الإنسان لا يزال هو الإنسان في عجزه وخوفه وحبه وكرهه وشجون عواطفه، يبقى هو الإنسان الذي يجبر على الإنزواء بعيدا عن خارطة الحلم ، ويبقى هو الإنسان يحلم أن يعاود التحليق من جديد إلى أبعد من تلك السماوات التي رئاها يوما منالا لذاته.
معجب أنا جدا بهذا الصنف من الناس فهم القلة الباقية من يبعثون في أنفسنا الأمل بالقدرة على مجاوزة عجزنا وخمولنا، وهم وإن كانوا لا ينتظرون فرصة للإسترخاء يريحون أعصابنا بالقدرة على رسم حدائق الجمال حول سبخات الدخان المتوكمة على طريقهم ، إنهم مرونة آخاذة تخلق فينا المعنى الشامخ للجمال.
والإيمان بتحقيق الذات ثمرة تتحقق يانعة كلما استزادت سقيا من عالم اللا المادة ،من النهر الذي أتاح لها في البدء فرصة الظهور وهي تتشق عن وجه الارض الصلب، وتعهد برعايتها واحتضانها حتى الخلود الأخير.
أبارك لكم أيها الأصدقاء، فأنتم حين بدأنا لم تتذمروا من الأجنحة الكبيرة على أجسامنا الغضة، وإنما سعيتم للتحليق بها وها أنتم حيث تريدون تقتربون من المنال الكبير.
لا أملك إلا أن أقول لكم حافظوا على هذا النهج فأنتم في عناية خالق لن ينساكم،
لا تلفتوا إلى الماضي الذي آلمنا جميعا، ولا تتحسروا على لحظات فاتت وأنتم تجنون بعودتكم للنهج الأول مزايا عُوضتم بها القديم الفائت.
سنلتقي بكم قريبا كما وعدنا في أرض الخلود أو قبلها حيث تحلق الأمنيات.
أرق التحايا