جلست من أمام نافذة غرفتها ، تراقب الاطفالعن كثب ،لقد كان لطقطقة أقدامهم نغمة عجيبة تسحرها ، إنهم كانوا يرتجفون ألقآويرتعشون حبآ للحياة . الحياة بأكملها كانت متجسدة في لطافة مايؤمنون به ، لميؤمنوا سوى بالربيع . يالجمال وجوههم الطاهرة ! وقفت برهة تراقب بشدة تفاصيل وجوههمالممتلئة ، ولونهم الضارب بوردية الربيع . ابتسمت بخفة .
لاتعلم مالذي جعلها تشعر بالغيرة منهم ! ..توجهت إلى المرآة تحملق وجهها .. لكنها لم ترى سوى شبح امرأة . ارتعدت خائفة وعادتمسرعة إلى ناذفتها المتهالكة تواصل التحديق بجموع الاطفال لعلها تتحسس بينهم عنوجهها الضائع بين هذا الكم الهائل من الصراعات .
أيعقل أنها تبحث عن وجهها في وجوه الاطفال !ضحكت لوهلة على نفسها .. لكنها بعد هذا أخذت تستعيد شريط ذكريات طفولتها .. وكيفكانت تؤمن بالربيع بشدة ... لكن الصيف قد حل ولم تعد تشعر سوى بحرارته الشديدةالتي تلسع جلدها كل يوم !
شعرت فجأة بالضياع وسط فوضى التناقضاتوالافكار والشخوص ، وتلك الوجوه التي أحبتها يومآ ،لم تعد تميزها من بين الجمع .أضحى الجميع متشابهون لديها ، وجوه كثيرة بنسخة واحدة .. إنها تشتم رائحة الجثث منالمدينة التي لم تتعب إلى الآن من الموت !
آه ، إنها تحتضر الآن أمام النافذة .. لقد باتتأمام خياران لاثالث لهما .. إما أن تموت مع الاطفال أو ترحل باحثة عن ذاتها فيالكون الموجود ..
وقد اختارث الثانية ..
بكل بساطة ، لم تعد تشعر بالانخفاضاتوالارتفاعات .. أضحت في لحظة صمت وهدوء قاتل ، لايفقهه سوى من ذاق طعم النظروالاستبصار
وهاهي الآن . تودع الاطفال بحزن شديد .. فماتعلمته منهم ، عجزت كل كتب العالم أن تشرحه ..
لقد قررت أن تركض الآن .. محطمة أمامها كلأسوار العرف والتقاليد والافكار ..
قررت أن تركض .. وتركض وتركض .. رائحة الجثث، تجعلها تشعر برغبة شديدة للتقيؤ ...
لم تكن لتتخيل أنها ستنفصل عن أشياء أحبتهايومآ ، على أمل أن تعود ويكون العود العود أحمد ..
أمسكت بالقلم وخطت على إحدى الاوراق "الرحيل لايعني الذهاب الجسدي فقط .. الرحيل يعني البحث عن الذات والعودة إلى صناعةالحياة من جديد .لن أعود إلى الوراء ولن يكون لي معه لقاء ... "
بقلمالجرح العربي