من كتاب تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان
باب ملوك بني نبهان المتأخرين
الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي
وأولهم سلطان بن محسن بن سليمان بن نبهان ملك نزوى في أيام بركات في سنة أربع وستين وتسعمائة . مات ليلة الاثنين لاثني عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة , وترك ثلاثة أولاد وهم : طهماس بن سلطان وسلطان بن سلطان بن مظفر , وكان مظفر هو المتقدم عليهم في الملك إلى أن مات وترك ولده سليمان صغيرا لا يقوم برياسة الملك , وكان عم أبيه فلاح ابن محسن مالكا في حصن مقنيات ؛ فلما علم بموت مظفر جاء إلى بهلى وأقام مكانه ويقال إنه عدل في ملكه سبع سنين ثم مات .
وملك بعده سليمان بن مظفر وهو ابن اثنتي عشرة سنة واستولى على الأمر في عمان ونواحيها ؛ وأخذ خراج أهلها من الطائع والعاصي والداني والقاصي وحاربه أهل نزوى وكان معهم جبري , يقال له محمد بن جيفر ؛ وعنده جيش عظيم فطلع إليه سليمان بن مظفر وعرار بن فلاح , وعندها ناصر بن قطن ومن معهم من العساكر , فلما التقوا هم ومحمد بن جيفر استقام بينهم القتال ؛ فقتل محمد بن جيفر وانكسر قومه , وكان قطن بن قطن منتظرا للأمر بينهم فنادى بالكف بين القوم عن القتال ؛ وكان محمد بن جيفر له ولد صغير في السن واسمه محمد بن محمد وأمه بنت عمير بن عامر ؛ فتزوجها سليمان بن مظفر بعدما قتل زوجها , فركن إليها بالبادية , فكان بالشتاء ببادية الشمال ويترك ابن عمه عرار بن فلاح ببهلى , وإذا جاء الصيف رجع إلى بهلى .
وكان مهنا بن محمد الهديفي مالكا بلد صحار , فعلم أن العجم متأهبون إليه ؛ فأرسل إلى سليمان بن مظفر يستنصره على العجم فلبى دعوته وأطاع كلمته , فخرج إليه بمن عنده من العسكر , وتكاملت القوم بصحار , ووصلت إليهم العجم من البحر , فاستقام بينهم القتال وعظم النزال وارتفع العجاج وأظلم الفجاج , فانكسر العجم وقتل منهم ما شاء الله , ورجع سليمان بن مظفر إلى داره ببهلى وعنده بنو عمه وهم عشرة : عرار ونبهان ومخزوم وأولاد فلاح بن محسن , وكان المقدم عليهم عرار وأما أخوه نبهان فلا يملك رأيا دون رأى أخيه , وكان لعرار بن فلاح ملك الظاهرة ؛ وأعطى سليمان بن مظفر مخزوما ملك ينقل , فبقي عنده تسعة أحدهم حمير بن حافظ , وعنده أربعة أولاد : حافظ بن حمير وسلطان بن حمير وكهلان ابن حمير وهود بن حمير ؛ فمات حافظ بن حمير بعد رجوعهم إلى بهلى بسنة زمانا وبقي معه من بني عمه اثنان من العشرة ؛ مهنا بن محمد بن حافظ وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ , وهم على يدي سليمان بن مظفر ؛ وكان لسليمان وزراء في القرية وفي النزار ومن قرية أزكي ؛ وفي سند الشأن ؛ وكانت سمد الشأن للجهاضم .
وكان سليمان جائرا عليهم ؛ ففروا منها من شدة جوره وبطشه , وتفرقوا في البلدان مدة ثلاثين سنة يحتالون في دخولها والتوصل إليها . وكان بنو هناة من أقرب الناس إلى سليمان بن مظفر , وكانوا أكثرهم عددا وعدة وبأسا وشدة , وكان فيها رجلان يلبيان أمرهما , وهما خلف بن أبي سعيد وسيف بن محمد بن أبي سعيد , وكانا عنده قدوة أهل زمانهم فافترقوا , وكان سبب الفرقة بينهم أن قبيلتين من أهل سيفم ؛ أحدهما بنو معن , والأخرى بنو النير , كانتا عصبية لبني هناة وخصمهم واحد ؛ ثم وقعت الفرقة بين بني معن وبني النير .
وسبب ذلك أن امرأة من بني معن دخلت زرعا لبني النير تحش منه , فمرت عليها أمة رجل من بني النير , فقالت لها أخرجي من زرع سيدي فأبت , فوقع بينهما الجدال , فضربت الأمة المرأة ففقأت عينها .
وخرج ذات يوم حمار لبني النير ودخل زرعا لبني معن فقطعت أذنه , فوقعت الفتنة بينهما ؛ وكان هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين , وأصل الفتنة كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة ؛ فافترق عند ذلك القوم فرقتين , فأما بنو معن وبنو شكيل ؛ فهم مع سليمان بن مظفر , وبنو النير مع بني هناة ؛ فعند ذلك سار خلف ابن أبي سعيد إلى داره دار سيت هو وبنو عمه وكان سليمان بن مظفر يومئذ بالبادية , فعلم بذلك , فأرسل إلى وزيره محمد بن خنجر أن قل لخلف يترك شأن القوم ؛ فأرسل إليه بالكف عن ذلك , فغلب عن ذلك وأظهر انه يرد الإصلاح بين بني معن وبني النير , فأرسل الوزير إلى مولاه سليمان أن خلفا غلب عن الكف , فندب سليمان بن مظفر إلى الوزير أن أفعل في أموال بني هناة من الغزية من كدم , فأمر الوزير بإخراب أموال بني هناة من كدم , وكانت تلك الأموال للشيخ خلف بن أبي سعيد , فوقعت العداوة والبغضاء بينهما , فأمر عند ذلك الشيخ خلف بني عمه أن اغزوا بهلى فغزوها ؛ فقتلوا من قتلوا منها , فكتب الوزير محمد بن خنجر إلى سليمان بن مظفر مما جرى في بهلى , فلما علم سليمان ذلك انتقل من الشمال إلى بهلى وأراد الصلح بينهم وبين بني هناة . فلم يقع الصلح ؛ وهيأ كل واحد منهما الحرب لصاحبه , فجمع السلطان سليمان بن مظفر ما عنده من العسكر ليقاتل بني هناة ؛ فعلم بذلك الشيخ خلف , فأرسل إلى الأمير عمير بن حمير ملك سمائل ينتصر به على سليمان بن مظفر , فسار بعسكره على غبرة بهلى ؛ فالتقى سليمان والأمير عمير بن حمير , فاستقام الحرب بينهما ساعة من النهار , ثم رجع سليمان إلى بهلى ؛ ورجع الأمير عمير إلى سمائل وترك بعض قومه في دار سيت وكان الأمير عمير ذا خلق حسن واسع ؛ فلما وصل إلى سمائل أرسل إلى بني جهضم , وهم متفرقون في قرى شتى ؛ فأقبلوا إليه فوقعت بينهم الألفة وإثبات الصحبة , ثم أرسل إلى سلطان الرستاق ؛ وهو مالك بن أبي العرب ؛ وهو جد الإمام ناصر بن مرشد ليصله إلى سمائل , فسار مالك بن أبي العرب وصحبه أبو الحسن علي بن قطن . فلما وصل إلى سمائل ساروا مع بني جهضم إلى سمد الشأن وبنو لهم بنياننا حول دارهم , وترك عندهم الأمير البعض من قومه , وترك لهم ما يحتاجون من الطعام والشراب وآلة الحرب ورجع إلى سمائل .
وأما بنو هناة وسليمان بن مظفر فإنهم لم تنقطع بينهم الغزوات ؛ ثم إن الأمير عمير بن حمير والسلطان مالك بن أبي العرب سارا إلى نزوى وهما ينتظران الأمر وكان لمالك بن أبي العرب وزير في عينى من الرستاق ، فدخل عليه أهل الدار وأخرجوه منها ، وجاء رجل من أهل عينى إلى سليمان بن مظفر يطلب منه النصر على الخصم فأعانه ببعض قومه ، وأرسل مع عرار بن فلاح ، فجاء الخبر إلى السلطان مالك بن أبي العرب بما جرى في داره ، فأراد المسير إلى داره ، فقال له الأمير عمير : قف معنا ولا تخف فهذا من علامات السرور ، قال فكيف ذلك والعدو في داري ؟ فقال الأمير عمير : ذلك عندي وأنا إن شاء الله من الغالبين ، قال الله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) وقال الشاعر :
إذا الحادثات بلغن المدى = وكادت تذوب لهن المهج
وحل البلاء وقل العزى = فعند التناهي يكون الفرج
1
2 إذا الحادثات بلغن المـدى وكادت تذوب لهن المهـج
وحـل البـلاء وقـل iiالعـزى فعند التناهي يكون الفرج
ثم إن بني هناة أرسلوا إلى عمير بن حمير أن أقبل إلينا بما عندك من القوة لندخل بهم بهلى ، فسار هو ومن معه إلى نصف الطريق ، فنظر إلى قومه فاستقل عددهم ، فرجع إلى نزوى ؛ وكان بنو هناة ينتظرونه في ليلة كانت بينهم للدخول فلم يصل إليهم ، فسار إليه الشيخ سيف بن محمد من دار سيت إلى نزوى ، وجرى بينهما جدال كثير من باب العتاب ، فقال الأمير عمير بن حمير : خذ من القوم ما شئت ، فأخذ عنده قوما كثيرا لا يعلم عددهم إلا الله ، وسار بهم إلى دار سيت والأمير ينتظر الأمر بنزوى ، فجاء الخبر إلى سليمان ابن المظفر أن القوم طلعوا من نزوى إلى دار سيت ؛ فمنهم من يقول إنهم قاصدون القرية ؛ ومنهم من يقول سيفم ، ومنهم من يقول بهلى .
فقسم سليمان قومه ، فجعل بعضا منهم في القرية وبعضا في سيفم وبنى بنيانا في رأس فلج الجزيين مخافة أن يضره القوم وترك فيه قوما ؛ وقسم بقية القوم ، وترك في الخضراء جماعة من قومه ؛ وكذلك في حارة الغاف ، وترك في الجامع من البلاد حمير بن حافظ ومن عنده من القوم ؛ وقسم بقية قومه في العقر ، وكان ابن عمه عرار بن فلاح ومن معه من القوم في عينى من الرستاق ، فسار سيف بن محمد من دار سيت إلى بهلى فدخلها ، وكان أول دخوله من جانب الغرب ؛ فتسوروا السور ودخلوا البلاد ؛ وكان ذلك منهم ضربة لازب ولم يشعر بهم أحد ، فقسم سيف قومه ثلاث فرق : فريق باليمين وفرقة بالشمال وفرقة بالوجه ، وهي التي تلي الجامع من البلاد ، واحكم أمره في الأماكن المختارة عنده للقتال لمسجد الجامع ومسجد بني عمر وجميع أبواب العقر ، فما بقى لسليمان بن مظفر شيء غير الحصن والخضراء بعدما قتل من قتل من سادات قومه وفرسانه تلك الليلة ، ونادى سيف ابن محمد بالأمان في البلاد ؛ وكان بعض أهل البلد معه ، وجاء الخبر إلى الأمير عمير بن حمير وهو في نزوى إن قومك دخلوا بهلى ، فركب عند ذلك هو والأمير سلطان بن محمد والسلطان مالك بن أبي العرب وعلي بن قطن وأهل نزوى ، وركب خلف بن أبي سعيد الهنائي من دار سيت بمن عنده من القوم لينصروا أصحابهم ؛ وكان دخولهم ليلا ، ونزل الأمير عمير بحارة الغاف وكانت الخضراء في ملك السلطان سليمان بن مظفر وفيها علي بن ذهل وعنده قوم كثير ؛ فأرسل إليهم الأمير عمير ليخرجوا بما عندهم من الزانة ؛ فأقبل علي بن ذهل على قومه يحرضهم على القتال فلم يجبه أحد منهم وعزموا على الخروج ؛ ووصل الخبر إلى عرار بن فلاح وهو في عينى من الرستاق أن القوم دخلوا بهلى ؛ فنهض من عينى بمن معه ودخل القرية ، وكانت القرية في ملكهم .
وكان عمير بن حمير وسيف بن محمد لم يشاركهما أحد في البلاد إلا الحصن وهم محدقون به ، وضعوا في شجرة الصبار التي في السوق برجا من خشب في أعلى رأسها بالليل وقعد فيه رجل من الجهاضم يقال له جمعة من محمد المرهوب ، فضرب رجلا من الحصن كان خارجا من القصبة إلى بيت الوزير ومات ؛ وعمل قوم الأمير عمير برجا في الجامع ؛ فضرب صاحب البرج رجلا من الحصن من مبرز الغرفة من عسكر سليمان ، ثم أن القوم قشعوا سور الحصن بالليل ، فلما أنهدم بعض الجدار علم بهم عسكر سليمان فمنعوهم من الدخول ، ثم أن العسكر طلبوا من سليمان الخروج من الحصن مخافة القتل ، فأقاموا ثلاث عشرة ليلة فأذن لهم ، فطلبوا من الأمير عمير أن يسيرهم ، فسيرهم بما عندهم من الزانه ، وسير معه وزيره ، ثم طلع سليمان بن مظفر هو وبنو عمه وعسكره مسيرين من بهلى إلى القرية ؛ فخرج هو عرار بن فلاح من القرية إلى الظاهرة ؛ فأمر بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بقشع الحصن ، فقشع ولم يبق منه عمار ولا جدار . فهذه عبرة لأولي الألباب ، والله يؤتي ملكه من يشاء ، والله واسع عليم .
وجعل عمير خلف بن أبي سعيد مأمونه في بهلى ؛ ورجع إلى سمائل فأقام خلف بن أبي سعيد في بهلى أربعة أشهر ، ثم خرج عليه سليمان بن مظفر وابن عمه عرار بن فلاح ، فدخلوا عليه الخضراء وهو في العقر ، وكانت هذه الدخلة ليلة رابع ربيع الأول سنة تسعة عشر بعد الألف ، وكان سيف بن محمد هو وبعض قومه في السر ، فأرسل سليمان بن مظفر لخلف بن أبي سعيد ليسيره بما عنده من الزانة ؛ فخرج خلف مسيرا وأخذ الأمان على أهل البلد ، فمنهم من أقام مكانه ، ومنهم من خرج خوف السلطان ؛ فلما علم سيف بن محمد هذا الخبر جاء من السر وعلم به الأمير عمير بن حمير ، فأقبل من سمائل إلى نزوى ومضى إلى القرية فأخذها ووهبها لسيف بن محمد ؛ فكان مأمونة ؛ ثم رجع إلى نزوى ينتظر الأمر مدة أيام ، فمات سليمان بن مظفر وكان له ولد صغير السن ، فملك من بعده عرار ابن فلاح ، ثم طلع سيف بن محمد إلى نزوى وأخذ من الأمير عمير قوما كثيرا فاسر بهم إلى القرية ، فلبثوا بها سبعة أيام ، ثم سار بهم ودخل بهم حارة من بهلى اسمها حارة أبي مان ؛ فأحدق بهم عرار بن فلاح مدة أيام ثم إنه سيرهم بما عنده من الزانة ، وثبت له حصن القرية وتجديد الخدمة مدة سنة ، وكانت هذه الدخلة ليلة سادس صفر سنة أربعة وعشرين بعد الألف .
ثم مات بعد ذلك عرار بن فلاح وكان موته لعشر ليال خلت من شهر الحج من هذه السنة .
وملك من بعده مظفر بن سليمان ، وأقام في ملكه مدة شهرين . ثم مات وملك من بهده مخزوم بن فلاح مدة شهري زمان ، فخرج عليه نبهان وسيف بن محمد ليخرجاه من الحصن ، فطلب التسيار فسيروه بلا زانة ولا سلاح ، وكان خروجه إلى نيقل من الظاهر ، فتولى الأمر على أصحابها مدة من الزمان ؛ وأقام ببهلى نبهان بن فلاح ، وجعل ابن عمه علي بن ذهل مأمونه في بهلى ؛ وجعل من بعده سيف بن محمد ؛ فسار نبهان بن فلاح إلى داره مقنيات وأخرج ابن عمه سلطان ابن حمير من بهلى خوفا منه أن يحاول على الملك ؛ فسار سلطان بن حمير من بهلى إلى صحار ، فتولى مكانه سيف بن محمد سنة ؛ والله أعلم .
ثم طلع بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بمن عنده من القوم إلى بهلى ، فمنعه سيف ابن محمد من الدخول ، فرجع هو وقومه إلى نزوى منتظرا الأمر ، ثم بعد أيام رجع عمير وقومه إلى بهلى ودخل العقر ؛ وكان سيف بن محمد في دار سيت ، فعلم بذلك فنهض من دار سيت بمن عنده من القوم ودخل الحصن بقومه فلم يمنعه أحد ثم أرسل إلى نبهان بن فلاح أن القوم دخلوا الدار فأقبل بمن عندك من العسكر ، فأقام مدة أيام يجمع عساكره ، وكان الأمير عمير بن حمير قد أحكم مقابض البلد من أولها إلى آخرها وأقام سيف بن محمد بالحصن مدة أيام ينتظر نبهان وقومه فلم يصل إليه ، ثم طلب سيف التسيار من الأمير عمير بن حمير ، فسيره بمن عنده من الزانة وقصد القرية ، وأقام عمير بن حمير في بهلى مدة أيام ، ثم أنه أرسل إلى سيف بن محمد فوقعت بينهما يمين على الصحبة ، فأقام سيف في ولايته على الرعية ، ويقال إنه عدل فيها ؛ فكان متولي الأمر على بني عمه ، وهم له ناصحون .
ولما استحكم الأمر لسيف بن محمد ؛ وكان سلطان بن حمير ومهنا بن محمد بن حافظ وعلى بن ذهل بن محمد بن حافظ مسكنهم يومئذ صحار مع محمد بن مهنا الهديفي وكان محمد بن مهنا أراد ليدخل بهم على ابن عمهم نبهان بن فلاح في مقنيات ليصلح بينهم ؛ وكان مخزون في حصن نيقل ؛ فلم يقع بينهم صلح ، فطلع بعد ذلك سلطان ابن حمير وعلي بن ذهل بمن عندهم من العسكر ، فجاء الخبر إلى عمير بن حمير وهو في سمائل أن سلطان بن حمير سار بقومه من الظاهرة ليدخل بهم بهلى ، فطلع هو وقومه من سمائل إلى بهلى ينتظر الأمر ؛ ودخل سلطان بن حمير النبهاني حارة بني صلت ، فجاء الأمير عمير بن حمير بقومه وعلى أثره سيف بن محمد ، فوقع بينهم القتال وبنوا عليهم بنيانا حول الحارة من أولها إلى آخرها ، وأرسل عمير بن حمير إلى أصحابه من جميع القرى ؛ فطلع إليه الشيخ ماجد بن ربيعة بن أحمد بن سليمان الكندي ، وعمر بن سليمان العفيف ، والشيخ سعيد بن أحمد بن أبي سعيد الناعبي مع سادات أهل نزوى ومنح .
وأقام سلطان بن حمير وهو وقومه محصورين مدة لم يخرج منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد ؛ فطلب عند ذلك سلطان بن حمير من الأمير عمير بن حمير التسيار والخروج ؛ فسيره ومن معه بما عندهم من الزانة إلى الظاهرة ؛ وأقام سلطان بن حمير وكهلان بن حمير وعلي بن ذهل ومهنا بن محمد بن حافظ في مقنيات مدة أيام فأوجس نبهان منهم خيفة أن يخرجوه من مقنيات فأخرجهم منها ، فخرجوا منها ومضوا إلى صحار عند الهديفي محمد بمن مهنا وأقاموا معه سنة زمانا والله أعلم .
ثم إن سلطان بن حمير أشار على محمد بن مهنا أن يغزو دير عمير بن حمير ، وهو في باطنة السيب ، وكان في الدير الأمير سنان بن سلطان والأميران علي بن حمير وسعيد بن حمير ؛ فركب محمد بن مهنا وسلطان بن حمير وقومهما من صحار ؛ فجاء الخبر إلى الأمراء سنان بن سلطان وعلي بن حمير وسعيد بن حمير أن القوم طلعوا من صحار ، فما كان إلا قدر ما يخلع الرجل نعليه أو يغسل رجليه حتى أقبلت العساكر وسلت البواتر ، فوقع القتال وعظم النزال حتى بلغت القلوب الحناجر ، وقتل عند ذلك الأمير علي بن حمير ؛ وانفصل القتال .
ورجع محمد بن مهنا فعلم بعد ذلك عمير بن حمير بما حرى على إخوانه وبني عمه وهو في بهلى ، فاعتقد عقيدة الحزم ، وتسربل بسربال الجزم أن لا يرجع عن صحار حتى يحصدهم بالسيف ، ويحرقهم بالنار ، ويبدد شملهم في كل دار ، فأخذ في جمع العساكر من البر والبحر ، فاجتمع معه قوم لا يحصى عددهم ، وأرسل إلى ملك هرمز لينتصر به ، فنصروه بعدة من المراكب مملوءة من المال والرجال وآلة الحرب ، وكان قد وصل مركب من الهند بعسكر كثير ، وفيه آلة الحرب فردته الريح إلى مسكد فأخذه الأمير عمير بن حمير ؛ وسار هو ومن معه من النصارى وغيرهم ، وأقام الأمير عمير بقومه في باطنة السيب سبع ليال ، فعلم بذلك محمد ابن جفير فتوجه بقومه لينصر محمد بن مهنا ، فدخل محمد بن جفير وقومه صحار ، ففرح به محمد بن مهنا فأدخله الحصن ؛ فكان بينهما بعض المقاصد ساعة من النهار ، فأمر محمد بن جفير عبده ليقبض على محمد بن مهنا ، فرمى نفسه من سور الحصن وندب قومه ؛ وكان بعض قومه في برج داخل الحصن فوقع القتال بينهم ساعة من النهار ، وطلع محمد بن جفير بقومه من صحار ، فبلغ هذا الخبر إلى الأمير عمير بن حمير ، فتوجه إلى صحار بمن معه من بر وبحر ، ودخل صحار نهار تسعة عشر من ربيع الآخر ، فاستقام بهم القتال من أول النهار إلى الليل ، ثم انفصل بعضهم عن بعض ؛ ثم بعد ذلك بيوم أو يومين هبطت النصارى من المراكب بما عندهم من آلة الحرب , وكانوا يجرون قطع القطن قدامهم ليتقوا بها ضرب البنادق.
وكان عندهم مدافع تسير على أعجال الخشب في البر , وعليها سور من الخشب , وكان في جانب الدار برج لمحمد بن مهنا فيه عسكر كثير , فجرت عليه النصارى قطع القطن وضربوه بمدفع حتى أنهدم البعض منه , وخرج القوم منه فدخلته النصارى فعلم محمد بن مهنا بذلك فندب قومه فوقع بينهم القتال على البرج بالليل , فقتل عند ذلك علي بن ذهل ؛ وقتل محمد بن مهنا الهديفي ؛ وأقام بعد ذلك سلطان بن حمير ابن محمد بن حافظ النبهاني وأخوه كهلان بن حمير وابن عمه مهنا بن محمد بن حافظ وعسكرهم في الحصن بعدما قتل محمد بن مهنا الهديفي , فلما علم الأمير عمير بن حمير أن سيد القوم قتل ندب قومه بالقتال , فكان القتال بينهم في النخل , ثم طلع عمير ابن حمير بمن عمه من تلقاء جامع البلد فلم يمنعه أحد ؛ فقتل عند ذلك سلطان ابن حمير ؛ فانكسر القوم وصاروا شتاتا متفرقين , فمنهم من قتل ؛ منهم من أحرق , ومنهم من أسر ؛ ومنهم من جرح , ومنهم من خرج ذاهبا على وجهه , لا يدري أن يتوجه ولا إلى أن يذهب ؛ وعلى هذا جميع أهل البلد , وأحرقت البلد بأجمعها من أولها إلى آخرها , وأقام النصارى في حصن صحار , ورجع الأمير عمير إلى بلدة سمائل جذلا مسرورا .
وكان مخزوم بن فلاح متوليا حصن نيقل , فقبض منهم على رجلين , فأمر عبده ليقتل واحدا منهما , فسل السيف ليضربه , فاستجار به فلم يجره , وضربه ضربة ثانية , فاستجار به فلم يجره , فلما أراد ليضربه ضربة ثالثة استجار بالله , فأهوى إليه ليمسك فمه والعبد أهوى إليه بالسيف فضرب يد مخزوم ؛ وأقام سبعة أيام بجراحه ومات منه .
وأما الرجل فإنه سحبه العبد يظنه ميتا ؛ وبه رمق الحياة , فمر رجل من أهل البلد فقال : من يعينني على مواراة هذا الرجل , فنطق الجريح فقال إنني حي فحمله على كتفه وأدخله البلد , فعوفي من جراحه وعاش بعد ذلك زمانا , والله على كل شيء قدير .
وكان هذا بعد دخلة صحار بثلاثة أشهر , فلما علم نبهان بموت أخيه ركب من مقنيات إلى نيقل , وترك بعض عسكره في حصن مقنيات ؛ وكانوا قد ملوه من كثرة جوره وبغية , فعزموا على إخراجه من مقنيات ؛ فتوجه رجل إلى الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد لينتصر بهما ؛ فسار الأمير عمير وسيف بن محمد بمن معهما من القوم ودخلوا حصن مقنيات بلا منع ولا قتال و وأقاموا مدة أيام ثم ركبا ببعض قومهما إلى نيقل , فعلم بذلك نبهان , فخاف منهما نبهان على نفسه , فركب هو وأربعة من عسكره بلا زانة وقصدا إلى دار أخواله الريايسة , وذلك لاثني عشرة خلت من صفر سنة ست وعشرين بعد الآلف .
وأقام الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد في نيقل أياما ؛ ثم أن عمير بن حمير وهب البلاد لأهلها يأكلونها هنيئا مريئا ورجع إلى مقنيات , ثم أرسل إلى أهل البلد فسالهم عما كان يأخذ عليهم نبهان , فقيل إنه كان يأخذ نصف غلة النخل وربع الزرع , فاكتفى الأمير عمير منهم بعشر الزرع , وأمل أموال السلطان فهي لمن أقام بالحصن ؛ وجعل في الحصن عمر بن ابي سعيد , ورجع الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد إلى بهلى , ثم أن نبهان بن فلاح أخذ جودا من أخواله آل اليس ؛ ووصل بهم الظاهرة ودخل فدى وأقام فيها مدة أيام , ثم جاء أحد ممن كان له صاحبا من أهل ينقل ؛ فقال له نحن ندخلك البلد ونثبت قدمك ونشد عضدك وننصرك على القوم , ونستفتح لك الحصن ؛ فسار بقومه ودخل نيقل ليلة النصف من ربيع الآخر سنة ست وعشرين بعد الآلف ؛ وحكم مقابض البلاد من أولها إلى أخرها إلا الحصن , وكان فيه قبيلة من بني علي , فتحصنوا , وأحدق بهم نبهان واستقام بينهم القتال , فخرج رجل من أهل الحصن ومضى إلى آل قطن بن قطن , وكان الأمير يومئذ ناصر بن ناصر , فركب معه محمد بن محمد ابن محمد بن جفير وعلي بن قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال وناصر بن ناصر ابن ناصر بن قطن بما عندهم من القوم , وكان مسكنهم ببادية الشمال , فساروا حتى دخلوا نيقل , فاستقام بينهم وبين نبهان بن فلاح القتال.
واشتد الطعن و النزال وارتفع العجاج وارتجت الفجاج , فانكسر عسكر السلطان نبهان بن فلاح ؛ فمنهم من قتل منهم من طلب التسيار فسير , ومنهم من مضى على وجهه ؛ وبلغ الخبر إلى سيف بن محمد الهنائي أن نبهان بن فلاح دخل نيقل , فخرج بعسكره ليقاتل نبهان , فلما كان ببعض الطريق بلغه ما وقع على السلطان نبهان بن فلاح من الأمر الكائن والقدرة الغالبة ؛ فرجع بعسكره إلى بهلى . وأما الأمير عمير بن حمير فإنه كان يومئذ يجمع الجموع لينصر بهم السلطان مالك بن أبي العرب اليعربي على بني لمك فأمده بعساكر جمة ؛ فكانت الدائرة على بني لمك , ولبث سيف بن محمد الهنائي في بهلى وآل عمير في سمائل ؛ ومالك بن أبي العرب اليعربي في الرستاق , والجبور في الظاهرة , والنصارى في مسكد وصحار وجلفار وصور وقريات , وخربت عمان بعد العدل والأمان , وعاثت فيها الجبابرة , وقل فيها العلم والخير ؛ وانضمت العلماء في بيوتها ولازمت سربها ؛ حتى قيل أن أمير وبل من الرستاق ؛ وهو من اليعاربة احتاج إلى قاض فلم يجد قاضيا من أهل الوفاق ؛ فاتخذ قاضيا من أهل الخلاف ؛ فهم أن يضل الناس ويذلهم عن بصيرتهم , فسمع به أهل عمان , فأرسلوا على ذلك الملك فعزله ؛ وأرسلوا له قاضيا من أهل الدعوة ؛ فأخذ منه ناس من أهل الرستاق العلم وكان سببا لحياتهم .
ويوجد أنهم استطولوا ليلة من الليالي ؛ فظنوا ذلك بدء الساعة كلما قاموا وصلوا ما شاء الله ؛ ورقدوا ما شاء الله ؛ وقاموا وصلوا ما شاء الله وجدوا الليل على حالة ؛ فقال لهم الشيخ صالح بن سعيد الزاملي أنظروا إلى البهائم إن كانت تجتر فليست هذه ليلة الساعة ؛ وإن كانت لا تجتر فإنها ليلة الساعة .
وبقيت عمان كذلك حتى أظهر الله الإمام الأرشد والهمام الأمجد إمام المسلمين ناصر بن مرشد رحمه الله ؛ فاستفتح جميع عمان ودانت له جميع البلدان ؛ وطهرها من البغي والعدوان والكفر والطغيان ؛ وأظهر فيها العدل والأمان ؛ وسار في أهلها بالحق والإحسان إلى أن توفاه الله إلى دار الرضوان ؛ ومنّ عليه وعلينا بالمغفرة والرضوان إنه كريم منان ؛ وشرح ظهوره في الباب الآتي والله والمستعان ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ؛ يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) .
باب ملوك بني نبهان المتأخرين
الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي
وأولهم سلطان بن محسن بن سليمان بن نبهان ملك نزوى في أيام بركات في سنة أربع وستين وتسعمائة . مات ليلة الاثنين لاثني عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة , وترك ثلاثة أولاد وهم : طهماس بن سلطان وسلطان بن سلطان بن مظفر , وكان مظفر هو المتقدم عليهم في الملك إلى أن مات وترك ولده سليمان صغيرا لا يقوم برياسة الملك , وكان عم أبيه فلاح ابن محسن مالكا في حصن مقنيات ؛ فلما علم بموت مظفر جاء إلى بهلى وأقام مكانه ويقال إنه عدل في ملكه سبع سنين ثم مات .
وملك بعده سليمان بن مظفر وهو ابن اثنتي عشرة سنة واستولى على الأمر في عمان ونواحيها ؛ وأخذ خراج أهلها من الطائع والعاصي والداني والقاصي وحاربه أهل نزوى وكان معهم جبري , يقال له محمد بن جيفر ؛ وعنده جيش عظيم فطلع إليه سليمان بن مظفر وعرار بن فلاح , وعندها ناصر بن قطن ومن معهم من العساكر , فلما التقوا هم ومحمد بن جيفر استقام بينهم القتال ؛ فقتل محمد بن جيفر وانكسر قومه , وكان قطن بن قطن منتظرا للأمر بينهم فنادى بالكف بين القوم عن القتال ؛ وكان محمد بن جيفر له ولد صغير في السن واسمه محمد بن محمد وأمه بنت عمير بن عامر ؛ فتزوجها سليمان بن مظفر بعدما قتل زوجها , فركن إليها بالبادية , فكان بالشتاء ببادية الشمال ويترك ابن عمه عرار بن فلاح ببهلى , وإذا جاء الصيف رجع إلى بهلى .
وكان مهنا بن محمد الهديفي مالكا بلد صحار , فعلم أن العجم متأهبون إليه ؛ فأرسل إلى سليمان بن مظفر يستنصره على العجم فلبى دعوته وأطاع كلمته , فخرج إليه بمن عنده من العسكر , وتكاملت القوم بصحار , ووصلت إليهم العجم من البحر , فاستقام بينهم القتال وعظم النزال وارتفع العجاج وأظلم الفجاج , فانكسر العجم وقتل منهم ما شاء الله , ورجع سليمان بن مظفر إلى داره ببهلى وعنده بنو عمه وهم عشرة : عرار ونبهان ومخزوم وأولاد فلاح بن محسن , وكان المقدم عليهم عرار وأما أخوه نبهان فلا يملك رأيا دون رأى أخيه , وكان لعرار بن فلاح ملك الظاهرة ؛ وأعطى سليمان بن مظفر مخزوما ملك ينقل , فبقي عنده تسعة أحدهم حمير بن حافظ , وعنده أربعة أولاد : حافظ بن حمير وسلطان بن حمير وكهلان ابن حمير وهود بن حمير ؛ فمات حافظ بن حمير بعد رجوعهم إلى بهلى بسنة زمانا وبقي معه من بني عمه اثنان من العشرة ؛ مهنا بن محمد بن حافظ وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ , وهم على يدي سليمان بن مظفر ؛ وكان لسليمان وزراء في القرية وفي النزار ومن قرية أزكي ؛ وفي سند الشأن ؛ وكانت سمد الشأن للجهاضم .
وكان سليمان جائرا عليهم ؛ ففروا منها من شدة جوره وبطشه , وتفرقوا في البلدان مدة ثلاثين سنة يحتالون في دخولها والتوصل إليها . وكان بنو هناة من أقرب الناس إلى سليمان بن مظفر , وكانوا أكثرهم عددا وعدة وبأسا وشدة , وكان فيها رجلان يلبيان أمرهما , وهما خلف بن أبي سعيد وسيف بن محمد بن أبي سعيد , وكانا عنده قدوة أهل زمانهم فافترقوا , وكان سبب الفرقة بينهم أن قبيلتين من أهل سيفم ؛ أحدهما بنو معن , والأخرى بنو النير , كانتا عصبية لبني هناة وخصمهم واحد ؛ ثم وقعت الفرقة بين بني معن وبني النير .
وسبب ذلك أن امرأة من بني معن دخلت زرعا لبني النير تحش منه , فمرت عليها أمة رجل من بني النير , فقالت لها أخرجي من زرع سيدي فأبت , فوقع بينهما الجدال , فضربت الأمة المرأة ففقأت عينها .
وخرج ذات يوم حمار لبني النير ودخل زرعا لبني معن فقطعت أذنه , فوقعت الفتنة بينهما ؛ وكان هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين , وأصل الفتنة كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة ؛ فافترق عند ذلك القوم فرقتين , فأما بنو معن وبنو شكيل ؛ فهم مع سليمان بن مظفر , وبنو النير مع بني هناة ؛ فعند ذلك سار خلف ابن أبي سعيد إلى داره دار سيت هو وبنو عمه وكان سليمان بن مظفر يومئذ بالبادية , فعلم بذلك , فأرسل إلى وزيره محمد بن خنجر أن قل لخلف يترك شأن القوم ؛ فأرسل إليه بالكف عن ذلك , فغلب عن ذلك وأظهر انه يرد الإصلاح بين بني معن وبني النير , فأرسل الوزير إلى مولاه سليمان أن خلفا غلب عن الكف , فندب سليمان بن مظفر إلى الوزير أن أفعل في أموال بني هناة من الغزية من كدم , فأمر الوزير بإخراب أموال بني هناة من كدم , وكانت تلك الأموال للشيخ خلف بن أبي سعيد , فوقعت العداوة والبغضاء بينهما , فأمر عند ذلك الشيخ خلف بني عمه أن اغزوا بهلى فغزوها ؛ فقتلوا من قتلوا منها , فكتب الوزير محمد بن خنجر إلى سليمان بن مظفر مما جرى في بهلى , فلما علم سليمان ذلك انتقل من الشمال إلى بهلى وأراد الصلح بينهم وبين بني هناة . فلم يقع الصلح ؛ وهيأ كل واحد منهما الحرب لصاحبه , فجمع السلطان سليمان بن مظفر ما عنده من العسكر ليقاتل بني هناة ؛ فعلم بذلك الشيخ خلف , فأرسل إلى الأمير عمير بن حمير ملك سمائل ينتصر به على سليمان بن مظفر , فسار بعسكره على غبرة بهلى ؛ فالتقى سليمان والأمير عمير بن حمير , فاستقام الحرب بينهما ساعة من النهار , ثم رجع سليمان إلى بهلى ؛ ورجع الأمير عمير إلى سمائل وترك بعض قومه في دار سيت وكان الأمير عمير ذا خلق حسن واسع ؛ فلما وصل إلى سمائل أرسل إلى بني جهضم , وهم متفرقون في قرى شتى ؛ فأقبلوا إليه فوقعت بينهم الألفة وإثبات الصحبة , ثم أرسل إلى سلطان الرستاق ؛ وهو مالك بن أبي العرب ؛ وهو جد الإمام ناصر بن مرشد ليصله إلى سمائل , فسار مالك بن أبي العرب وصحبه أبو الحسن علي بن قطن . فلما وصل إلى سمائل ساروا مع بني جهضم إلى سمد الشأن وبنو لهم بنياننا حول دارهم , وترك عندهم الأمير البعض من قومه , وترك لهم ما يحتاجون من الطعام والشراب وآلة الحرب ورجع إلى سمائل .
وأما بنو هناة وسليمان بن مظفر فإنهم لم تنقطع بينهم الغزوات ؛ ثم إن الأمير عمير بن حمير والسلطان مالك بن أبي العرب سارا إلى نزوى وهما ينتظران الأمر وكان لمالك بن أبي العرب وزير في عينى من الرستاق ، فدخل عليه أهل الدار وأخرجوه منها ، وجاء رجل من أهل عينى إلى سليمان بن مظفر يطلب منه النصر على الخصم فأعانه ببعض قومه ، وأرسل مع عرار بن فلاح ، فجاء الخبر إلى السلطان مالك بن أبي العرب بما جرى في داره ، فأراد المسير إلى داره ، فقال له الأمير عمير : قف معنا ولا تخف فهذا من علامات السرور ، قال فكيف ذلك والعدو في داري ؟ فقال الأمير عمير : ذلك عندي وأنا إن شاء الله من الغالبين ، قال الله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) وقال الشاعر :
إذا الحادثات بلغن المدى = وكادت تذوب لهن المهج
وحل البلاء وقل العزى = فعند التناهي يكون الفرج
1
2 إذا الحادثات بلغن المـدى وكادت تذوب لهن المهـج
وحـل البـلاء وقـل iiالعـزى فعند التناهي يكون الفرج
ثم إن بني هناة أرسلوا إلى عمير بن حمير أن أقبل إلينا بما عندك من القوة لندخل بهم بهلى ، فسار هو ومن معه إلى نصف الطريق ، فنظر إلى قومه فاستقل عددهم ، فرجع إلى نزوى ؛ وكان بنو هناة ينتظرونه في ليلة كانت بينهم للدخول فلم يصل إليهم ، فسار إليه الشيخ سيف بن محمد من دار سيت إلى نزوى ، وجرى بينهما جدال كثير من باب العتاب ، فقال الأمير عمير بن حمير : خذ من القوم ما شئت ، فأخذ عنده قوما كثيرا لا يعلم عددهم إلا الله ، وسار بهم إلى دار سيت والأمير ينتظر الأمر بنزوى ، فجاء الخبر إلى سليمان ابن المظفر أن القوم طلعوا من نزوى إلى دار سيت ؛ فمنهم من يقول إنهم قاصدون القرية ؛ ومنهم من يقول سيفم ، ومنهم من يقول بهلى .
فقسم سليمان قومه ، فجعل بعضا منهم في القرية وبعضا في سيفم وبنى بنيانا في رأس فلج الجزيين مخافة أن يضره القوم وترك فيه قوما ؛ وقسم بقية القوم ، وترك في الخضراء جماعة من قومه ؛ وكذلك في حارة الغاف ، وترك في الجامع من البلاد حمير بن حافظ ومن عنده من القوم ؛ وقسم بقية قومه في العقر ، وكان ابن عمه عرار بن فلاح ومن معه من القوم في عينى من الرستاق ، فسار سيف بن محمد من دار سيت إلى بهلى فدخلها ، وكان أول دخوله من جانب الغرب ؛ فتسوروا السور ودخلوا البلاد ؛ وكان ذلك منهم ضربة لازب ولم يشعر بهم أحد ، فقسم سيف قومه ثلاث فرق : فريق باليمين وفرقة بالشمال وفرقة بالوجه ، وهي التي تلي الجامع من البلاد ، واحكم أمره في الأماكن المختارة عنده للقتال لمسجد الجامع ومسجد بني عمر وجميع أبواب العقر ، فما بقى لسليمان بن مظفر شيء غير الحصن والخضراء بعدما قتل من قتل من سادات قومه وفرسانه تلك الليلة ، ونادى سيف ابن محمد بالأمان في البلاد ؛ وكان بعض أهل البلد معه ، وجاء الخبر إلى الأمير عمير بن حمير وهو في نزوى إن قومك دخلوا بهلى ، فركب عند ذلك هو والأمير سلطان بن محمد والسلطان مالك بن أبي العرب وعلي بن قطن وأهل نزوى ، وركب خلف بن أبي سعيد الهنائي من دار سيت بمن عنده من القوم لينصروا أصحابهم ؛ وكان دخولهم ليلا ، ونزل الأمير عمير بحارة الغاف وكانت الخضراء في ملك السلطان سليمان بن مظفر وفيها علي بن ذهل وعنده قوم كثير ؛ فأرسل إليهم الأمير عمير ليخرجوا بما عندهم من الزانة ؛ فأقبل علي بن ذهل على قومه يحرضهم على القتال فلم يجبه أحد منهم وعزموا على الخروج ؛ ووصل الخبر إلى عرار بن فلاح وهو في عينى من الرستاق أن القوم دخلوا بهلى ؛ فنهض من عينى بمن معه ودخل القرية ، وكانت القرية في ملكهم .
وكان عمير بن حمير وسيف بن محمد لم يشاركهما أحد في البلاد إلا الحصن وهم محدقون به ، وضعوا في شجرة الصبار التي في السوق برجا من خشب في أعلى رأسها بالليل وقعد فيه رجل من الجهاضم يقال له جمعة من محمد المرهوب ، فضرب رجلا من الحصن كان خارجا من القصبة إلى بيت الوزير ومات ؛ وعمل قوم الأمير عمير برجا في الجامع ؛ فضرب صاحب البرج رجلا من الحصن من مبرز الغرفة من عسكر سليمان ، ثم أن القوم قشعوا سور الحصن بالليل ، فلما أنهدم بعض الجدار علم بهم عسكر سليمان فمنعوهم من الدخول ، ثم أن العسكر طلبوا من سليمان الخروج من الحصن مخافة القتل ، فأقاموا ثلاث عشرة ليلة فأذن لهم ، فطلبوا من الأمير عمير أن يسيرهم ، فسيرهم بما عندهم من الزانه ، وسير معه وزيره ، ثم طلع سليمان بن مظفر هو وبنو عمه وعسكره مسيرين من بهلى إلى القرية ؛ فخرج هو عرار بن فلاح من القرية إلى الظاهرة ؛ فأمر بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بقشع الحصن ، فقشع ولم يبق منه عمار ولا جدار . فهذه عبرة لأولي الألباب ، والله يؤتي ملكه من يشاء ، والله واسع عليم .
وجعل عمير خلف بن أبي سعيد مأمونه في بهلى ؛ ورجع إلى سمائل فأقام خلف بن أبي سعيد في بهلى أربعة أشهر ، ثم خرج عليه سليمان بن مظفر وابن عمه عرار بن فلاح ، فدخلوا عليه الخضراء وهو في العقر ، وكانت هذه الدخلة ليلة رابع ربيع الأول سنة تسعة عشر بعد الألف ، وكان سيف بن محمد هو وبعض قومه في السر ، فأرسل سليمان بن مظفر لخلف بن أبي سعيد ليسيره بما عنده من الزانة ؛ فخرج خلف مسيرا وأخذ الأمان على أهل البلد ، فمنهم من أقام مكانه ، ومنهم من خرج خوف السلطان ؛ فلما علم سيف بن محمد هذا الخبر جاء من السر وعلم به الأمير عمير بن حمير ، فأقبل من سمائل إلى نزوى ومضى إلى القرية فأخذها ووهبها لسيف بن محمد ؛ فكان مأمونة ؛ ثم رجع إلى نزوى ينتظر الأمر مدة أيام ، فمات سليمان بن مظفر وكان له ولد صغير السن ، فملك من بعده عرار ابن فلاح ، ثم طلع سيف بن محمد إلى نزوى وأخذ من الأمير عمير قوما كثيرا فاسر بهم إلى القرية ، فلبثوا بها سبعة أيام ، ثم سار بهم ودخل بهم حارة من بهلى اسمها حارة أبي مان ؛ فأحدق بهم عرار بن فلاح مدة أيام ثم إنه سيرهم بما عنده من الزانة ، وثبت له حصن القرية وتجديد الخدمة مدة سنة ، وكانت هذه الدخلة ليلة سادس صفر سنة أربعة وعشرين بعد الألف .
ثم مات بعد ذلك عرار بن فلاح وكان موته لعشر ليال خلت من شهر الحج من هذه السنة .
وملك من بعده مظفر بن سليمان ، وأقام في ملكه مدة شهرين . ثم مات وملك من بهده مخزوم بن فلاح مدة شهري زمان ، فخرج عليه نبهان وسيف بن محمد ليخرجاه من الحصن ، فطلب التسيار فسيروه بلا زانة ولا سلاح ، وكان خروجه إلى نيقل من الظاهر ، فتولى الأمر على أصحابها مدة من الزمان ؛ وأقام ببهلى نبهان بن فلاح ، وجعل ابن عمه علي بن ذهل مأمونه في بهلى ؛ وجعل من بعده سيف بن محمد ؛ فسار نبهان بن فلاح إلى داره مقنيات وأخرج ابن عمه سلطان ابن حمير من بهلى خوفا منه أن يحاول على الملك ؛ فسار سلطان بن حمير من بهلى إلى صحار ، فتولى مكانه سيف بن محمد سنة ؛ والله أعلم .
ثم طلع بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بمن عنده من القوم إلى بهلى ، فمنعه سيف ابن محمد من الدخول ، فرجع هو وقومه إلى نزوى منتظرا الأمر ، ثم بعد أيام رجع عمير وقومه إلى بهلى ودخل العقر ؛ وكان سيف بن محمد في دار سيت ، فعلم بذلك فنهض من دار سيت بمن عنده من القوم ودخل الحصن بقومه فلم يمنعه أحد ثم أرسل إلى نبهان بن فلاح أن القوم دخلوا الدار فأقبل بمن عندك من العسكر ، فأقام مدة أيام يجمع عساكره ، وكان الأمير عمير بن حمير قد أحكم مقابض البلد من أولها إلى آخرها وأقام سيف بن محمد بالحصن مدة أيام ينتظر نبهان وقومه فلم يصل إليه ، ثم طلب سيف التسيار من الأمير عمير بن حمير ، فسيره بمن عنده من الزانة وقصد القرية ، وأقام عمير بن حمير في بهلى مدة أيام ، ثم أنه أرسل إلى سيف بن محمد فوقعت بينهما يمين على الصحبة ، فأقام سيف في ولايته على الرعية ، ويقال إنه عدل فيها ؛ فكان متولي الأمر على بني عمه ، وهم له ناصحون .
ولما استحكم الأمر لسيف بن محمد ؛ وكان سلطان بن حمير ومهنا بن محمد بن حافظ وعلى بن ذهل بن محمد بن حافظ مسكنهم يومئذ صحار مع محمد بن مهنا الهديفي وكان محمد بن مهنا أراد ليدخل بهم على ابن عمهم نبهان بن فلاح في مقنيات ليصلح بينهم ؛ وكان مخزون في حصن نيقل ؛ فلم يقع بينهم صلح ، فطلع بعد ذلك سلطان ابن حمير وعلي بن ذهل بمن عندهم من العسكر ، فجاء الخبر إلى عمير بن حمير وهو في سمائل أن سلطان بن حمير سار بقومه من الظاهرة ليدخل بهم بهلى ، فطلع هو وقومه من سمائل إلى بهلى ينتظر الأمر ؛ ودخل سلطان بن حمير النبهاني حارة بني صلت ، فجاء الأمير عمير بن حمير بقومه وعلى أثره سيف بن محمد ، فوقع بينهم القتال وبنوا عليهم بنيانا حول الحارة من أولها إلى آخرها ، وأرسل عمير بن حمير إلى أصحابه من جميع القرى ؛ فطلع إليه الشيخ ماجد بن ربيعة بن أحمد بن سليمان الكندي ، وعمر بن سليمان العفيف ، والشيخ سعيد بن أحمد بن أبي سعيد الناعبي مع سادات أهل نزوى ومنح .
وأقام سلطان بن حمير وهو وقومه محصورين مدة لم يخرج منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد ؛ فطلب عند ذلك سلطان بن حمير من الأمير عمير بن حمير التسيار والخروج ؛ فسيره ومن معه بما عندهم من الزانة إلى الظاهرة ؛ وأقام سلطان بن حمير وكهلان بن حمير وعلي بن ذهل ومهنا بن محمد بن حافظ في مقنيات مدة أيام فأوجس نبهان منهم خيفة أن يخرجوه من مقنيات فأخرجهم منها ، فخرجوا منها ومضوا إلى صحار عند الهديفي محمد بمن مهنا وأقاموا معه سنة زمانا والله أعلم .
ثم إن سلطان بن حمير أشار على محمد بن مهنا أن يغزو دير عمير بن حمير ، وهو في باطنة السيب ، وكان في الدير الأمير سنان بن سلطان والأميران علي بن حمير وسعيد بن حمير ؛ فركب محمد بن مهنا وسلطان بن حمير وقومهما من صحار ؛ فجاء الخبر إلى الأمراء سنان بن سلطان وعلي بن حمير وسعيد بن حمير أن القوم طلعوا من صحار ، فما كان إلا قدر ما يخلع الرجل نعليه أو يغسل رجليه حتى أقبلت العساكر وسلت البواتر ، فوقع القتال وعظم النزال حتى بلغت القلوب الحناجر ، وقتل عند ذلك الأمير علي بن حمير ؛ وانفصل القتال .
ورجع محمد بن مهنا فعلم بعد ذلك عمير بن حمير بما حرى على إخوانه وبني عمه وهو في بهلى ، فاعتقد عقيدة الحزم ، وتسربل بسربال الجزم أن لا يرجع عن صحار حتى يحصدهم بالسيف ، ويحرقهم بالنار ، ويبدد شملهم في كل دار ، فأخذ في جمع العساكر من البر والبحر ، فاجتمع معه قوم لا يحصى عددهم ، وأرسل إلى ملك هرمز لينتصر به ، فنصروه بعدة من المراكب مملوءة من المال والرجال وآلة الحرب ، وكان قد وصل مركب من الهند بعسكر كثير ، وفيه آلة الحرب فردته الريح إلى مسكد فأخذه الأمير عمير بن حمير ؛ وسار هو ومن معه من النصارى وغيرهم ، وأقام الأمير عمير بقومه في باطنة السيب سبع ليال ، فعلم بذلك محمد ابن جفير فتوجه بقومه لينصر محمد بن مهنا ، فدخل محمد بن جفير وقومه صحار ، ففرح به محمد بن مهنا فأدخله الحصن ؛ فكان بينهما بعض المقاصد ساعة من النهار ، فأمر محمد بن جفير عبده ليقبض على محمد بن مهنا ، فرمى نفسه من سور الحصن وندب قومه ؛ وكان بعض قومه في برج داخل الحصن فوقع القتال بينهم ساعة من النهار ، وطلع محمد بن جفير بقومه من صحار ، فبلغ هذا الخبر إلى الأمير عمير بن حمير ، فتوجه إلى صحار بمن معه من بر وبحر ، ودخل صحار نهار تسعة عشر من ربيع الآخر ، فاستقام بهم القتال من أول النهار إلى الليل ، ثم انفصل بعضهم عن بعض ؛ ثم بعد ذلك بيوم أو يومين هبطت النصارى من المراكب بما عندهم من آلة الحرب , وكانوا يجرون قطع القطن قدامهم ليتقوا بها ضرب البنادق.
وكان عندهم مدافع تسير على أعجال الخشب في البر , وعليها سور من الخشب , وكان في جانب الدار برج لمحمد بن مهنا فيه عسكر كثير , فجرت عليه النصارى قطع القطن وضربوه بمدفع حتى أنهدم البعض منه , وخرج القوم منه فدخلته النصارى فعلم محمد بن مهنا بذلك فندب قومه فوقع بينهم القتال على البرج بالليل , فقتل عند ذلك علي بن ذهل ؛ وقتل محمد بن مهنا الهديفي ؛ وأقام بعد ذلك سلطان بن حمير ابن محمد بن حافظ النبهاني وأخوه كهلان بن حمير وابن عمه مهنا بن محمد بن حافظ وعسكرهم في الحصن بعدما قتل محمد بن مهنا الهديفي , فلما علم الأمير عمير بن حمير أن سيد القوم قتل ندب قومه بالقتال , فكان القتال بينهم في النخل , ثم طلع عمير ابن حمير بمن عمه من تلقاء جامع البلد فلم يمنعه أحد ؛ فقتل عند ذلك سلطان ابن حمير ؛ فانكسر القوم وصاروا شتاتا متفرقين , فمنهم من قتل ؛ منهم من أحرق , ومنهم من أسر ؛ ومنهم من جرح , ومنهم من خرج ذاهبا على وجهه , لا يدري أن يتوجه ولا إلى أن يذهب ؛ وعلى هذا جميع أهل البلد , وأحرقت البلد بأجمعها من أولها إلى آخرها , وأقام النصارى في حصن صحار , ورجع الأمير عمير إلى بلدة سمائل جذلا مسرورا .
وكان مخزوم بن فلاح متوليا حصن نيقل , فقبض منهم على رجلين , فأمر عبده ليقتل واحدا منهما , فسل السيف ليضربه , فاستجار به فلم يجره , وضربه ضربة ثانية , فاستجار به فلم يجره , فلما أراد ليضربه ضربة ثالثة استجار بالله , فأهوى إليه ليمسك فمه والعبد أهوى إليه بالسيف فضرب يد مخزوم ؛ وأقام سبعة أيام بجراحه ومات منه .
وأما الرجل فإنه سحبه العبد يظنه ميتا ؛ وبه رمق الحياة , فمر رجل من أهل البلد فقال : من يعينني على مواراة هذا الرجل , فنطق الجريح فقال إنني حي فحمله على كتفه وأدخله البلد , فعوفي من جراحه وعاش بعد ذلك زمانا , والله على كل شيء قدير .
وكان هذا بعد دخلة صحار بثلاثة أشهر , فلما علم نبهان بموت أخيه ركب من مقنيات إلى نيقل , وترك بعض عسكره في حصن مقنيات ؛ وكانوا قد ملوه من كثرة جوره وبغية , فعزموا على إخراجه من مقنيات ؛ فتوجه رجل إلى الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد لينتصر بهما ؛ فسار الأمير عمير وسيف بن محمد بمن معهما من القوم ودخلوا حصن مقنيات بلا منع ولا قتال و وأقاموا مدة أيام ثم ركبا ببعض قومهما إلى نيقل , فعلم بذلك نبهان , فخاف منهما نبهان على نفسه , فركب هو وأربعة من عسكره بلا زانة وقصدا إلى دار أخواله الريايسة , وذلك لاثني عشرة خلت من صفر سنة ست وعشرين بعد الآلف .
وأقام الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد في نيقل أياما ؛ ثم أن عمير بن حمير وهب البلاد لأهلها يأكلونها هنيئا مريئا ورجع إلى مقنيات , ثم أرسل إلى أهل البلد فسالهم عما كان يأخذ عليهم نبهان , فقيل إنه كان يأخذ نصف غلة النخل وربع الزرع , فاكتفى الأمير عمير منهم بعشر الزرع , وأمل أموال السلطان فهي لمن أقام بالحصن ؛ وجعل في الحصن عمر بن ابي سعيد , ورجع الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد إلى بهلى , ثم أن نبهان بن فلاح أخذ جودا من أخواله آل اليس ؛ ووصل بهم الظاهرة ودخل فدى وأقام فيها مدة أيام , ثم جاء أحد ممن كان له صاحبا من أهل ينقل ؛ فقال له نحن ندخلك البلد ونثبت قدمك ونشد عضدك وننصرك على القوم , ونستفتح لك الحصن ؛ فسار بقومه ودخل نيقل ليلة النصف من ربيع الآخر سنة ست وعشرين بعد الآلف ؛ وحكم مقابض البلاد من أولها إلى أخرها إلا الحصن , وكان فيه قبيلة من بني علي , فتحصنوا , وأحدق بهم نبهان واستقام بينهم القتال , فخرج رجل من أهل الحصن ومضى إلى آل قطن بن قطن , وكان الأمير يومئذ ناصر بن ناصر , فركب معه محمد بن محمد ابن محمد بن جفير وعلي بن قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال وناصر بن ناصر ابن ناصر بن قطن بما عندهم من القوم , وكان مسكنهم ببادية الشمال , فساروا حتى دخلوا نيقل , فاستقام بينهم وبين نبهان بن فلاح القتال.
واشتد الطعن و النزال وارتفع العجاج وارتجت الفجاج , فانكسر عسكر السلطان نبهان بن فلاح ؛ فمنهم من قتل منهم من طلب التسيار فسير , ومنهم من مضى على وجهه ؛ وبلغ الخبر إلى سيف بن محمد الهنائي أن نبهان بن فلاح دخل نيقل , فخرج بعسكره ليقاتل نبهان , فلما كان ببعض الطريق بلغه ما وقع على السلطان نبهان بن فلاح من الأمر الكائن والقدرة الغالبة ؛ فرجع بعسكره إلى بهلى . وأما الأمير عمير بن حمير فإنه كان يومئذ يجمع الجموع لينصر بهم السلطان مالك بن أبي العرب اليعربي على بني لمك فأمده بعساكر جمة ؛ فكانت الدائرة على بني لمك , ولبث سيف بن محمد الهنائي في بهلى وآل عمير في سمائل ؛ ومالك بن أبي العرب اليعربي في الرستاق , والجبور في الظاهرة , والنصارى في مسكد وصحار وجلفار وصور وقريات , وخربت عمان بعد العدل والأمان , وعاثت فيها الجبابرة , وقل فيها العلم والخير ؛ وانضمت العلماء في بيوتها ولازمت سربها ؛ حتى قيل أن أمير وبل من الرستاق ؛ وهو من اليعاربة احتاج إلى قاض فلم يجد قاضيا من أهل الوفاق ؛ فاتخذ قاضيا من أهل الخلاف ؛ فهم أن يضل الناس ويذلهم عن بصيرتهم , فسمع به أهل عمان , فأرسلوا على ذلك الملك فعزله ؛ وأرسلوا له قاضيا من أهل الدعوة ؛ فأخذ منه ناس من أهل الرستاق العلم وكان سببا لحياتهم .
ويوجد أنهم استطولوا ليلة من الليالي ؛ فظنوا ذلك بدء الساعة كلما قاموا وصلوا ما شاء الله ؛ ورقدوا ما شاء الله ؛ وقاموا وصلوا ما شاء الله وجدوا الليل على حالة ؛ فقال لهم الشيخ صالح بن سعيد الزاملي أنظروا إلى البهائم إن كانت تجتر فليست هذه ليلة الساعة ؛ وإن كانت لا تجتر فإنها ليلة الساعة .
وبقيت عمان كذلك حتى أظهر الله الإمام الأرشد والهمام الأمجد إمام المسلمين ناصر بن مرشد رحمه الله ؛ فاستفتح جميع عمان ودانت له جميع البلدان ؛ وطهرها من البغي والعدوان والكفر والطغيان ؛ وأظهر فيها العدل والأمان ؛ وسار في أهلها بالحق والإحسان إلى أن توفاه الله إلى دار الرضوان ؛ ومنّ عليه وعلينا بالمغفرة والرضوان إنه كريم منان ؛ وشرح ظهوره في الباب الآتي والله والمستعان ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ؛ يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) .