*
رسـالة خـاصة إلـى مناهل :
في وقتٍ مبكر من صباح يوم خميس جائني إتصـال من أخي، رقم يتكرر على جهازي على الدوام
ولكن لم يسبق له الظهور في تلك الساعة من اليـوم !
- محمد؟
_خير؟
_جدي؟
_انتزع جسدي واحاسيسي من النوم؟
_ .... يبكي!
_ تتسطر أمامي كل الصور .. كل الذكريات .. طفولتي وشبابي شذبت بحكايات ومواقف جدي.
( أصرخ في صمتي وابكي)
اتجه مسرعاً نحو البلد، وكلما اقتربت يتمو الحزن في داخلي.
في ذلك الزحام المتكتل من الألـم كنتُ أشعر بكِ تقفين لجانبي، تتحدثين عن الموت وعن الفراق
كحالة تتكرر معنا آلاف المرات ولكن ينقصنا الإيمان بحقيقة كوننا خلقنا غرباء وسنرحل عن الدنيا غرباء .
قدر الله أن يكون لنا وطن واسرة ولكننا راحلون عنهم جميعاً .
كنتِ هناك وأنا واثقٌ من ذلك ولم تتخلِ عني لحظة من الحزن،
مكثنا ردحاً من الوقتِ نقلب الذكريات، تفاصيل جدي الصغيرة، حين كنتُ احدث جدي عنك
واذكرك أمامه دون كلل أو ملل، كان يستمع إليّ منصتاً، وحين انهي كلامي يعقب : ربي يجمعكم زوجين صالحين
في الدنيا والأخرة .
رحل وهو يعلم عن رحيلك، رحل وهو يرثي حالي بعد رحيلك، رحلتي ورحل وصعقت وحيداً في أرض لا شيء فيها
يستحق الحيـاة !
قبل وفاته بليلة كان يتحدث مع اخوتي ويسألهم : وين محمد؟ سلموا عليه كثير ما اوصيكم
اخي أبلغني تلك الرسالة ونحن عائدون من مراسم الدفن فلم استطع تمالك نفسي اخذت اصرخ واصرخ
كنتُ أبكي بشدة، ابكي لأنني فقدت وطنا وأبا وروحاً وما زلت اربكيه إلى يوم يبعثون .
عرفت الحزن الذي لم استطع ادراكه يا مناهل حين فارقتي جدتك، عرفته وسأظل حبيس الدمع
كلما جاءت ذكرى جدي وذكراك إلى حين رحيلي ...الموت أرحم مما تروادني الحياة إليه!
الجد يمنحك الحنان أكثر مما تمنحه إليك الأم
وقليل من يدرك معنى ذلك .
القلم المثخن بكل شيء
لمست وترا حساسا هذه المرة -كما في كل مرة-
هل يعقل؟
يموت الأجداد والجدات !
حسبتهم يوما خالدين ...
لا نملك إلا ان نرثيهم إلى يوم يبعثون .
ليت ليَ جناحان تحملانني نحو السمـاء
قدماي يكبلهما التعب،
وناظريَ لا يتجاوزان زجاج النافذة
الصمت آخر معب، والذكريات جسر لا يحتمل
عبور العائدين!
هيَ ايدلوجية الموت خطها صاحب الأزلية
في السمـاء بحروف من نـار .
والحزن قيد يكبل كل شيء ما عدا
الدمـع
ليت لي جناحان .. ليت لي جناحان