ليس في أخلاق الإنسان المذمومة خلق منحط كالغدر، و هو أكثرها ذما من الخداع لأن هذا الأخير يعتمد على الحيلة و المراوغة، بينما يرتكز الآخر على اللؤم، فلا غرابة إن وجدناه مع مجموعة أخرى من الأخلاق الذمومة كالكذب و خلف الوعد و الخيانة و الفجور يشكل أساس النفاق و قاعدته، و إن المنافقين لفي الدرك الأسفل من النار كما جاء في القرآن الكريم ، و إذا أمكن ترتيب المنافقين أو الموصوفين بإحدى صفاته دون غيرها فإن منزلة الغدار في أسفل ما سَفَل من دركات النار.
ثم إن الغدر يتضمن صفات المنافقين كلها بينما تتفاوت الصفات الأخرى لؤما و ظلما و قد يكون مع إحداها صفة ثانية أو ثالثة لكن الغدر يشملها كلها، و لا غرابة كذلك إن و جدنا هذه الصفة الذميمة تطلق على الكلب، أجل الله قدركم، فيقال ´´فلان كالكلب الغدار´´ مع أن الكلب في الحيوانات الحيوان هو الوحيد الذي يوصف بالوفاء عادة، حتى أن بعض الناس ممن لا ذوق لهم عندما يريدون وصف شخص بالوفاء التام يقولون :´´هو أوفى من كلب !´´ مبالغة في مدحه (؟!!!) و مع هذا فإنهم عندما يريدون في المقابل ذم شخص آخر أو شتمه يقولون :´´هو كالكلب الغدار´´ و بهذا اجتمعت في الكلب المتناقضات لأنه حيوان غير عاقل بينما ينبغي على الإنسان، و هو الحيوان العاقل كما يعرفه الفلاسفة، ألا يتصف إلا بالأخلاق الحميدة التي تكمٌل إنسانيته، أما إذا سقط في الأخرى المذمومة استوجب الذم و استحق نفور الناس منه فيتركونه لحاله اتقاء لشره و هكذا يصير شر الخلق أجمعين كما جاء في الأثر "شر الخلق من ترك إتقاء لشره".
و الآن ما القصد من هذه المقدمة الطويلة نسبيٌا في مثل هذه الوقفات ؟
أقول و بصراحة إن مأساة الشعوب العربية المغلوبة على أمرها في أوطانها إنما جاءتهم بسبب كثرة الغدٌارين (هكذا بصيغة المبالغة إمعانا في التأكيد) المتسلطين على رؤوسهم و المتحكمين في رقابهم و لا نكاد نجد في المسئولين في الأنظمة العالمية كلها من هم أغدر من كثير من المسئولين العرب و هذا لا ينفي وجود الأوفياء فيهم كما لا ينفي وجود الغدارين في الأنظمة الأخرى، غير أن في الأنظمة غير العربية نجد سلطة القضاء تعمل عملها كما أن السلطة الرابعة، الإعلام، تعمل عملها و أكثر، فنجد المسئولين يخشون الفضائح و يحذرون الوقوع في الأخطاء الجسيمة المودية بسمعتهم و الملوثة لتاريخهم، إلاٌ عند المسئولين العرب فهم لا يبالون و لا يخافون و لا ينتهون، و المؤلم حقا أننا نجد في الأنظمة العربية من يغدر باسم الإسلام و من يغدر باسم العروبة و من يغدر باسم الوطنية و هكذا إلى ما لا نهاية فكل ما يصلح للخداع فهو مستعمل و لا يهم بعد ذلك أفطن الناس أم لم يفطنوا، فكم من ثورة قامت باسم الدين حتى يتبناها الناس و يسيروا في ركابها و يمنحونها عطفهم و تأييدهم و مناصرتهم و يضحون من أجلها بدمائهم و أموالهم و أبنائهم، ثم عندما تنتصر تنقلب على مبادئها التي قامت عليها وبها فما تفتأ حتى تصير كأنها لم تعرف مبادئ صحيحة و لم تقم على أسس متينة و لم تسر على قيم نبيلة، و الغريب في الأمر حقا أن الناس ينخدعون في كل مرة و تنطلي عليهم الحيل فيسيروا في ركاب الأدعياء كأنهم فاقدو الذاكرة أو كأنهم لا ذاكرة لهم البتة، و قد عشنا نحن الجزائريين هذه الحالات منذ منتصف القرن الماضي و عشناها في الثمانينيات و التسعينيات منه و لا نزال نعيشها حتى اليوم و لست أدري متى ننتبه فنصحح رؤانا و نعيد تقويمنا للتاريخ فننظر إلى المستقبل بوضوح ؟ أم ترانا نبقى دائما في أيدي الغدارين لعبة إلى الأبد؟
فماذا ترون أنتم