حِين تُعشَقُ الأرض
يقال أن الإنسان مهما تقدم به العمر وتفرقت به الأزمان لم ولن ينسى المكان الذي ولد فيه. ولطالما كان المثل الشعبي "طايح سرّه في (مكان)" والذي يضرب به المثل في حب الشخص للتواجد في مكان معين، كأنه المكان الذي وُلد ونشأ فيه.
وتدور أسطورة هذا المثل حول أن أي طفل يُولد ومعه جزء من الحبل السري في بطنه، وبعد أن ييبس هذا الحبل ويسقط من الطفل يقوم الأهل بدفن هذا الجزء الميت من الحبل السري، ويقال عند ذلك أن الطفل يحب المكان الذي دُفن فيه "سرّه"، سواء كان بيت أو قرية أو أي معنى للدلالة على المكان.
وأني لأوافق على هذا المثل وأؤمن به لأني اضطررت للبعد عن ولايتي التي ولدت ونشأت فيها وتعرفت على أصدقاء الطفولة، حتى بعد انتقالنا للعاصمة وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم في المكان الجديد الذي سكنت وعائلتي فيه، وكأن الطلاب الجدد الذين درست معهم الثانوية العامة من كوكب آخر أو أنا الذي كنت المخلوق الفضائي لديهم لإختلاف اللهجة والطباع وبعض السلوكيات. وبالرغم من هذا لازلت حتى الآن وأنا في الجامعة أعاني أحيانا بعض الصعوبات في التأقلم ولكن كما يقول دكتور "فيل" أن الشيء الذي لا نستطيع تغييره في حياتنا يجب التأقلم معه والاستفادة منه لصالحنا.
قد تكون حالتي التي عشتها وهي إغتراب في الوطن الواحد موجودة بين كثير من الناس وخاصة الذين ينتقلون للعمل في العاصمة، ولكن كيف إذا أجبرت ظروف الحياة القاسية للإنتقال للعيش في وطن آخر؟ وقد يجب عليك أن تغير من ملابسك ولغتك أو لهجتك وتغير من أسلوب حياتك القديم وتضع ماضيك جانبا لتتجه إلى العالم الجديد والحياة الجديدة وتندمج في مجتمع "قد" يكون غريبا عنك بعض الشيء خاصة إذا كان الإنتقال إلى بلد مختلف في حالته الاجتماعية والاقتصادية عن بلدك الحقيقي.
صديقي "خليفه" من أيام الدراسة في الإبتدائية كان يسكن في ولاية لوى في منطقة بعيدة جدا عن أية خدمات، فلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات صحية، وكانت عائلته تستخدم المولد الكهربائي الذي يعمل على الديزل لتشغيل الكهرباء ولمدة ساعات معدودة لا تساعد في تخفيف برد شتاء ولا حر صيف، وكان والده يأتي به للمدرسة بسيارته البيك أب القديمة. وبعد عدد من السنين قدّر لصديقي خليفة وعائلته أن يتمكنوا من الحصول على الجنسية الإماراتية والإنتقال للعيش في تلك البلاد. كانت نقلة صديقي من بيت لا كهرباء فيه إلى بيت جديد بكهرباء وماء وحياة كريمة في مدينة العين الرائعة التي بها كل الخدمات الضرورية والترفيهية. وتغيرت أحواله للأفضل وأشعر بسعادته أثناء كلامه عن أن لديه سياره جديدة أو عن وظيفته في الشرطة وأشعر بالسعادة لأجله لأننا تربينا في حبنا لدولة الإمارات كحبنا لبلادنا، وذلك للصلة العميقة في الأرض والقلب بين عمان والإمارات. ولكن بالرغم من انتقاله مازال خليفة يأتي لزيارة الولاية القديمة مسكنه الأول، ويذهب لزيارة بيتهم القديم المهجور في المنطقة النائية، وكذلك ليلتقي ببعض أصدقاء الدراسة القدامى وتبادل الأحاديث معهم.
والأغرب من ذلك أنه أحيانا يقطع تلك المسافة البعيدة فقط ليجلس في الولاية ساعتين وربما أقل من ذلك وبعدها يرجع لبيتهم في العين. أفهم طبيعة وسلوك صديقي لأنني أفعل مثله، فنحن نذهب للقرية لأخذ أكسجين الذكريات ثم الرجوع لواقعنا ولحياتنا الجديدة والتي اخترنا العيش فيها برغبتنا أو رغما عنّا. أحيانا يتكلم خليفة ويقول بأنه لا يحب المجيء للقرية لعدم وجود أماكن ترفيهية أو مراكز تجارية كالتي توجد في المدينة، ولكنه بعد فترة يتراجع عن كلامه في لحظة إحساس برائحة الطفولة الحاضرة ليستجيب لحب المكان وللأرض – رغم قسوتها عليه – مازال يعشقها. أفهم شعورك يا صديقي خليفة فأنا في مسقط وقلبي معلق في القرية ولكن لا أستطيع العودة إليها. لقد اندمجنا في ثقافة جديدة ونمط حياة جديد لا نرغب في مستوى أدنى منه، لا نستطيع تغيير ما لا يمكن تغييره سوى التأقلم معه ومحاولة الحفاظ على ذلك الماضي السعيد الذي عشناه حينا من الدهر.
نحن نعيش في أجساد تنقلنا إلى أماكن شتى ولكن قلوبنا راسخة بأوتاد من الذكرى تأبى الرحيل عن وطن وقرية، فهناك قد دفنت حكايتنا و"سرّنا" الصغير.
يقال أن الإنسان مهما تقدم به العمر وتفرقت به الأزمان لم ولن ينسى المكان الذي ولد فيه. ولطالما كان المثل الشعبي "طايح سرّه في (مكان)" والذي يضرب به المثل في حب الشخص للتواجد في مكان معين، كأنه المكان الذي وُلد ونشأ فيه.
وتدور أسطورة هذا المثل حول أن أي طفل يُولد ومعه جزء من الحبل السري في بطنه، وبعد أن ييبس هذا الحبل ويسقط من الطفل يقوم الأهل بدفن هذا الجزء الميت من الحبل السري، ويقال عند ذلك أن الطفل يحب المكان الذي دُفن فيه "سرّه"، سواء كان بيت أو قرية أو أي معنى للدلالة على المكان.
وأني لأوافق على هذا المثل وأؤمن به لأني اضطررت للبعد عن ولايتي التي ولدت ونشأت فيها وتعرفت على أصدقاء الطفولة، حتى بعد انتقالنا للعاصمة وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم في المكان الجديد الذي سكنت وعائلتي فيه، وكأن الطلاب الجدد الذين درست معهم الثانوية العامة من كوكب آخر أو أنا الذي كنت المخلوق الفضائي لديهم لإختلاف اللهجة والطباع وبعض السلوكيات. وبالرغم من هذا لازلت حتى الآن وأنا في الجامعة أعاني أحيانا بعض الصعوبات في التأقلم ولكن كما يقول دكتور "فيل" أن الشيء الذي لا نستطيع تغييره في حياتنا يجب التأقلم معه والاستفادة منه لصالحنا.
قد تكون حالتي التي عشتها وهي إغتراب في الوطن الواحد موجودة بين كثير من الناس وخاصة الذين ينتقلون للعمل في العاصمة، ولكن كيف إذا أجبرت ظروف الحياة القاسية للإنتقال للعيش في وطن آخر؟ وقد يجب عليك أن تغير من ملابسك ولغتك أو لهجتك وتغير من أسلوب حياتك القديم وتضع ماضيك جانبا لتتجه إلى العالم الجديد والحياة الجديدة وتندمج في مجتمع "قد" يكون غريبا عنك بعض الشيء خاصة إذا كان الإنتقال إلى بلد مختلف في حالته الاجتماعية والاقتصادية عن بلدك الحقيقي.
صديقي "خليفه" من أيام الدراسة في الإبتدائية كان يسكن في ولاية لوى في منطقة بعيدة جدا عن أية خدمات، فلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات صحية، وكانت عائلته تستخدم المولد الكهربائي الذي يعمل على الديزل لتشغيل الكهرباء ولمدة ساعات معدودة لا تساعد في تخفيف برد شتاء ولا حر صيف، وكان والده يأتي به للمدرسة بسيارته البيك أب القديمة. وبعد عدد من السنين قدّر لصديقي خليفة وعائلته أن يتمكنوا من الحصول على الجنسية الإماراتية والإنتقال للعيش في تلك البلاد. كانت نقلة صديقي من بيت لا كهرباء فيه إلى بيت جديد بكهرباء وماء وحياة كريمة في مدينة العين الرائعة التي بها كل الخدمات الضرورية والترفيهية. وتغيرت أحواله للأفضل وأشعر بسعادته أثناء كلامه عن أن لديه سياره جديدة أو عن وظيفته في الشرطة وأشعر بالسعادة لأجله لأننا تربينا في حبنا لدولة الإمارات كحبنا لبلادنا، وذلك للصلة العميقة في الأرض والقلب بين عمان والإمارات. ولكن بالرغم من انتقاله مازال خليفة يأتي لزيارة الولاية القديمة مسكنه الأول، ويذهب لزيارة بيتهم القديم المهجور في المنطقة النائية، وكذلك ليلتقي ببعض أصدقاء الدراسة القدامى وتبادل الأحاديث معهم.
والأغرب من ذلك أنه أحيانا يقطع تلك المسافة البعيدة فقط ليجلس في الولاية ساعتين وربما أقل من ذلك وبعدها يرجع لبيتهم في العين. أفهم طبيعة وسلوك صديقي لأنني أفعل مثله، فنحن نذهب للقرية لأخذ أكسجين الذكريات ثم الرجوع لواقعنا ولحياتنا الجديدة والتي اخترنا العيش فيها برغبتنا أو رغما عنّا. أحيانا يتكلم خليفة ويقول بأنه لا يحب المجيء للقرية لعدم وجود أماكن ترفيهية أو مراكز تجارية كالتي توجد في المدينة، ولكنه بعد فترة يتراجع عن كلامه في لحظة إحساس برائحة الطفولة الحاضرة ليستجيب لحب المكان وللأرض – رغم قسوتها عليه – مازال يعشقها. أفهم شعورك يا صديقي خليفة فأنا في مسقط وقلبي معلق في القرية ولكن لا أستطيع العودة إليها. لقد اندمجنا في ثقافة جديدة ونمط حياة جديد لا نرغب في مستوى أدنى منه، لا نستطيع تغيير ما لا يمكن تغييره سوى التأقلم معه ومحاولة الحفاظ على ذلك الماضي السعيد الذي عشناه حينا من الدهر.
نحن نعيش في أجساد تنقلنا إلى أماكن شتى ولكن قلوبنا راسخة بأوتاد من الذكرى تأبى الرحيل عن وطن وقرية، فهناك قد دفنت حكايتنا و"سرّنا" الصغير.
يظل هناك شيء يشدّنا للعودة ..يبدا يتقلص مع مرور السنين .. ولكنه لا يختفي
يظل موجود .. ولو بمقدار ذرّة ..
so wounder
Thank u