باديء ذي بدء، أحمد الله تعالى على أن وفقكم وبلغكم شهر رمضان. فوالله إنها لنعمة عظيمة تستوجب الشكر عليها
وذلك بإعمار هذه الأيام بكل ألوان الطاعات، والتزود للحياة الأبدية التي هي مصير كل حي.

ورمضان - يا أخوتي وأخواتي - مدرسة كبيرة تتضمن داخلها مدارس عديدة. منها مدرسة الإيمان التي تزود الصائم
في نهار رمضان بتلك الطاقة الرحمانية، والتي تشعره بالراحة والنشاط. وفيها مدرسة الصبر، التي تعلم المسلم الصبر على
المصائب والشدائد. ومدرسة الإحسان والكرم، فيتعلم المرء فيها سخاء اليد، وقدوته في ذلك الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد كان بأبي هو وأمي أجود ما يكون في رمضان.

فطوبى لمن بذل وقته كله، وسعى سعي المتوكل بالله تعالى ليتخرج من هذه المدرسة بتقدير (امتياز)، ويا خسارة فرد تخرج منها
ولم يكن حتى في قائمة المقبولين. ومن المعلوم أن طريق التميز صعب وشاق، ولكن في القمة ينسى الإنسان كل التعب لما يلقاه من حلاوة النعيم بعد هذا التعب والعناء.

ولتعلموا يا أعزائي، بأن الصوم سنة كونية، فكل المخلوقات تصوم. أذكر مرة أني قرأت مقالة - وعهدي بقرائتها بعيد - فيها بأن العلماء اكتشفوا بأن النباتات
والحيوانات والطيور والأسماك تصوم في موسم معين؛ لتطرح كل الفضلات التي في أجسادمها. فتخرج بعد الصيام أكثر حيوية ونشاطًا عن ذي قبل.

ولكن فضلنا الله عليها بأن جعل الحسنات تتضاعف في هذا الشهر الكريم، والخاسر من ودع رمضان ولم يغير عادة سيئة بأخرى حسنة. أو لم يترك معصية لطالما داوم عليها
في بقية أيام السنة. فهذة فرصة عظيمة للتغير الإيجابي.

ومن العجيب والغريب والمؤسف حقًا، أن نرى بعض الطلاب وهم يتكاسلون في دراستهم، ويهملون واجباتهم، وسبب ذلك كله (رمضان). فهذا عذر عاطل باطل، فما كان من زمن الصالحين
انهم كانوا في رمضان أكثر نشاطًا من بقية الشهور. ولكن ما يتميز به هذا الجيل - ولا ابريء نفسي منهم - انهم يسهرون ويطيلون السهر. فنهارهم نوم وكسل، وليلهم لهو وشراب وأكل.
فلا بصيام يتهنون، ولا بقيام يفوزون. فخسروا الليل والنهار.

فهذه دعوة صادقة بأن نجعل رمضان هذا هو ( شهر التغيير ). وسارع وسابق إلى الخيرات والأعمال الصالحة
وقل بصوت عالٍ (( لن يسبقني إلى الله أحد )).

اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا وتسلمه منا متقبلًا يا ذا الجلال والإكرام.