مضت مباريات المجموعات في بطولة كأس أمم أمريكا الجنوبية لكرة القدم المعروفة بكأس " كوبا أمريكا " بكثير من المعاناة لجماهير المنتخبات الكبيرة الشهيرة والمرشحة ، والمدججة بسلاح كبار نجوم العالم وعلى رأسهم ميسي ونيمار وفورلان ، ولئن كانت هذه المنتخبات قد استيقظت مؤخرا في الجولة الاخيرة، ليحصلوا علي الرصيد الكافي لتأهلهم إلي دور الثمانية ، فإن ذلك قد لا يكون مضمونا ، ليصل الكبار إلي ما كان مأمولاَ منهم ومن نجومهم .

التحفظ كان طابع اللعب في الدور الاول للبطولة بدليل انتهاء نصف المباريات بالتعادل، كما كان طابع التهديف ضعيفا بمعدل 25 هدفا في 16 مباراة حتى آخر مباراتين حينما تم تسجيل 12 هدفا أرتفع بها المعدل التهديفي، وتحسنت الصورة قليلا في الجولة الاخيرة ، وربما يرجع هذا التحفز والاندفاع التهديفي في تلك الجولة بسبب روح المغامرة واللعب بجرأة خشية الخروج المبكر من الدور التمهيدي، وربما زاد من عدم إشراق الصورة تراجع مستوي الاداء والنتائج لدي المنتخبات الكبري الثلاث البرازيل والارجنتين وأوروجواي الذين فشلوا في تحقيق أكثر من نتيجة التعادل في أول جولتين ،لأن النجوم الكبار كانوا بعيدين عن مستواهم الكبير، وربما الاكثر قبولا لتفسير ذلك، أن هؤلاء النجوم كانوا في حالة إرهاق وإنهاك واستهلاك وتشبع كامل مفعم بالنجاح - كما في حالة ميسي - أو الاحباط - كما في حالة هيجواين وجاجو- بعد موسم طويل على مستوي الاندية محليا وقاريا في اوروبا .. ورغم العروض والنتائج الطيبة لبعض المنتخبات الباحثة لنفسها عن تاريخ وانجازات مثل كولومبيا وتشيلي وفنزويلا، فإن أيا منها ، لم يحقق النقاط الكاملة وأكتفت كل من كولومبيا وتشيلي المتصدرتين, بفوزين وتعادل .

وعن المرحلة الحاسمة بداية من دور الثمانية والصدامات الكبري في البطولة الاعرق في تاريخ المنافسات القارية والعالمية ، فإن الكثير من الخبراء يميلون إلى استمرار استفاقة فريقي القمة في القارة، الارجنتين والبرازيل ، خاصة بعد صحوة التانجو بقيادة ميسي وفوزه بالثلاثة علي كوستاريكا وبدء مصالحة الجماهير ، وكذلك فوز السامبا البرازيلي على الاكوادور 4/2 ، وربما أميل بشكل أكبر إلى توقع مرور السامبا عبر الباراجواي إلى الدور قبل النهائي ، حيث تحسن الاداء كثيرا في المباراة الماضية ولان احصائيات البرازيل وخاصة علي صعيد التمرير تؤكد أنها الافضل في البطولة،حيث نجح لاعبوها في تنفيذ 1521 تمريرة مقابل 836 لباراجواي ، وإذا كانت باراجواي الاقرب كثيرا للفوز في مباراة الفريقين بالدور التمهيدي في المجموعة الثانية ، لولا أن خطف فريد هدف التعادل للسامبا في الدقيقة الاخيرة، فإن هذا الدرس وتلك الخبرة ستجعل البرازيليين الاقرب للفوزوالاحرص عليه في مباراة دور الثمانية وخاصة بعد وصول المهاجمين الابرز في الفريق باتو ونيمار إلى أفضل حالاتهما بدليل أن كل منهما سجل هدفين أمام الاكوادور.. وتتقارب احصائية معدل المحاولات الهجومية للفريقين في كل مباراة بمعدل 12 هجمة بتفوق طفيف للسامبا.

أما مباراة دور الثمانية الاخري بين الارجنتين وأوروجواي والتي تقام علي ستاد الجنرال لوبيز في مدينة سانتا في ، فلا أتفق بداية على أنها نهائي مبكر حسب ما يقول أغلب الخبراء لانها بين أقوي فريقين حسب تاريخ البطولة ولكل منهما 14 لقبا ويتساويان في المركز الاول ، وربما يقال هذا لامتلاك الفريقين مجموعة من النجوم العالميين وعلى رأسهما ميسي أحسن لاعب في العالم لهذا العام ، وفورلان أحسن لاعب في مونديال كأس العالم عام 2010 ، وما أراه أن التاريخ ليس معيار قياس قوة المنتخبات ، وكذلك لان النجوم في منتخبات أخري تفوق أوروجواي وأقصد منتخب السامبا بالتحديد.. وعن المؤشرات والرهانات الفنية حول المباراة، وتفاؤل الاوروجواي بإعادة معجزة " ماراكاناز" التي جرت من 61 عاما حينما استطاع منتخبهم قهر منتخب السامبا علي ملعبه الاشهر في العالم " الماراكانا " في نهائي كأس العالم عام 1950، ليفوزوا بالمباراة وبكأس العالم ، فأقول أن التاريخ ليس يمكن بالضرورة أن يعيد نفسه خاصة مع تغير الملعب والمنافس ، فالملعب هنا ستاد لوبيز الملقب بمقبرة الافيال الذي اشتهر أصحابه بقهر المنافسين الكبار وعلى رأسهم فريق سانتوس البرازيلي الشهير عندما كان قائده بيليه أمام الفريق المحلي كولون ، والمنافس هذه المرة هو فريق التانجو بقيادة ميسي الذي تحرر من النحس والشحن ووجد إيقاعه ليسكت المنتقدين والمشككين في وطنيته ، رغم أن الكثيرون لا يعرفون أن ميسي تلقى عرضا مغريا قبل كأس العالم للشباب بهولندا 2005 للعب بإسم منتخب اسبانيا ، ولكنه رفض وقد كان في هذا الوقت مجرد لاعب صاعد موهوب ولكنه كان مغمورا ، ويبدو ان الوطنية التي تحركت في عروقه جعلته يرفض العرض الاسباني ، ليخوض أقوي بطولة في حياته مع منتخبات بلاده ويكون صاحب نصف الانجاز في هذه البطولة التي ساعد منتخب بلاده على الفوز بكأسها ، بعد فاز بلقب الهداف ، وكا ن قد أحرز أكثر من نصف أهداف فريقه ، كما حصل على لقب أحسن لاعب في البطولة .

ولن أنسي السؤال الذي وجهته بنفسي في مقصورة ستاد مدينة أوتريخت إلى فرانشيسكو فيرارو مدرب الارجنتين في المؤتمر الصحفي عقب المباراة النهائية التي حصل فيها ميسي على ضربتي جزاء وسجل منهما هدفي بلاده لتنتهي المباراة بفوز الارجنتين علي نيجيريا 2/1 ، وقلت للمدرب ألا تدين بالفضل في الفوز بالبطولة وبالمباراة النهائية إلى النجم الجديد ميسي ، فرفض كلامي بعنجهية مشيرا أن الفضل للفريق ككل دون نجم بعينه ، وربما لم يوف هذا المدرب ميسي حقه من الشكر، ولكنه ماذا يقول اليوم والارجنتين كلها تعلق آمالها بميسي لدرجة أن جميع زملاءه في المنتخب يقولون : لو أن ميسي سيكون في حالته الفنية العالية ، فسوف نفوز في كل مباراة ونحرز لقب هذه البطولة .. وإذا كان ميسي قد وصل إلى الفورمة الكبيرة التي تلازمه ، فلا أظن أن الاوروجواي قادرة على أن تحقق معجزة جديدة في " لوبيززو" على طريقة " الماراكانازو" !!