بعد أن حطت الإجازة أوزارها، وابتدأ المشوار ذهابا وإيابا بين المنزل والمكتب، أجلس وحيدا أمام شاشة الحاسوب أفتش بين الأفكار عما يمكن القبض عليه لمقال اليوم التالي، هناك فكرة تمنح الشعاع الأولى منها، وأخرى تكاد تكون في نصف اكتمالها، بالحروف المتكاثرة ستعثر على النصف الآخر..

كوب الشاي فارغ، هناك في بقعة ما سيظل جافا نحو شهر من الزمان، لن يأتيني به ذلك الشاب، وهو يطلق كلمة صباح الخير مرفقة بكلمة أستاذ، والتي أتخيلها دائما تحيلني إلى محاولتي للدخول إلى سلك التدريس لولا أنني قبضت السلك بعد يوم من انتهاء التسجيل العام 1986 فانقطع بي لأتعلق بسلك الصحافة عمرا جميلا. أشعر بالعطش، اعتدت على الكتابة والماء بجانبي يروي جفاف الحلق، وصف زميل هذه الحالة بوجود مشكلة لدي تتعلق بـ"الرادييتر" أسوة بما يحدث في السيارات عندما تستهلك ماء لتبريد المحرك الملتهب. لا شاي ولا "ماي"..

أحاول اختيار فكرة بين جملة أفكار تطفو على السطح، المقال الأول أكتبه صائما هذا العام، محركات البحث في الدماغ اعتادت على المنبهات، والفم المسكون بالصمت يفتقد الماء والشاي والقهوة وغيرها من "الخفائف" اللازمة لتحريك قوة المحرك لتجميع الكلمات كي تتبع الأفكار، و"الفلتر" يبدو مشوشا في اليوم الأول.. أما المساء فلا يصلح للكتابة..

إذ تثقل المعدة ويصاب المخ بالكسل، يرتد كامل الدم إلى المعدة ليعينها على ما ألقي في كيسها من مؤن تكفي عائلة.. وخلال وقت قصير لا يمكنها استيعاب ما يحدث في المنطقة العلوية لها من أمطار تتراوح بين السكريات والنشويات، أشكالا ومذاقات تعددت مسمياتها.. والإلقاء في جوف المعدة.. واحد.

هذه الفكرة تكبر، تقترب المساحة من نهايتها المحددة، اليوم "الدوامي" قصير، أتساءل لماذا يجري تخفيض عدد الساعات في الشهر الفضيل.. ما الذي يتغيّر؟

حدثتني نفسي أن ثمة فارق بين ما نسميه وقت "الدوام"، حيث يمكن تخفيض ساعاته دون أدنى تأثير، إن لم يكن مفيدا، على مصالح المجتمع، وبين ما يطلق عليه وقت "العمل"، وكنا صادقين حينما أطلقنا على وظيفتنا الحكومية المفردة الأولى، حيث يمكن تأجيل عمل اليوم إلى الغد أو الشهر المقبل، أو حتى عودة الموظف أو المدير من إجازته السنوية. هناك، تحت أشعة الشمس، من يستحق أن يخفّض عدد ساعات عمله، أما الجالسون تحت هدير أجهزة التكييف، في الظل الظليل فليس هناك من حاجة لموسم التخفيضات الذي يجتاح كل شيء.. وصولا إلى واجباتنا "العملية" اتجاه مصالح مواطنين ووطن.

غلاء الأسعار، والأسماك، الإساءة للأطفال، قضايا أخرى تتمدد بين أمريكا المفلسة ومخاوف من أزمة مالية عالمية جديدة تتبع الضربة التي كانت قبل عامين.. الصحفي العربي الذي يدافع تلفزيونيا عن حرب تشنها حكومته على المدن بالدبابات وقناصة الموت، والعذر: العصابات المسلحة.. أفكار عديدة تستحق القبض عليها.. وللحديث بقية.