ينتظر بعض الناس شهر رمضان بشوق ليس للصيام والقيام، وإنما للخمول والكسل والتهرب من العمل، والنوم نهاراً والسهر ليلا في خيام اللهو والشيشة وكل ما يفسد القيم الرمضانية، فهذا الشهر العظيم الذي يساوي فيه الأجر ما يفعل من خير في ألف شهر. إن الله الرحمن الرحيم يُريد أن يلطف بعباده، وذلك بما يهيئ لهم من الفرص، فيعطيهم مقابل الحسنة عشر حسنات، وبدل أجر الشهر ألف شهر، ولكن ضعف الإيمان يجعل الناس يهملون كل أسباب الرحمة الواسعة من الخالق عز وجل، ويفضلون النزوات الوقتية على التوبة وطلب الغفران.
أما أصحاب المحلات التجارية، فتجدهم يعدُّون الأيام والليالي، انتظارا لمَقْدَم شهر رمضان، فتجدهم يجهّزون مداخل محلاتهم بعبارات الترحيب بشهر رمضان، والحقيقة هم يرحبون بقدوم أصحاب الجيوب الملأ بالريالات، فيصفون المداخل بالأطنان المختلفة من المواد الغذائية، ففي شهر الصيام يَدُّر عليهم دخلاً قد لا تدره عليهم بقية أشهر السنة، ففي بعض المتاجر الكبيرة قد لا تجد مكانا توقف فيه سيارتك، رغم سعتها المهولة التي أنشئت بفكر أصحاب تلك المتاجر، وليس بفرض من البلدية التي يغيب عن ذهنها حتى اليوم أهمية وجود مواقف كافية للسيارات، أما في الداخل ورغم استمرار حركة التسوق والتبضع، إلاّ أن من سبقوك إلى مناضد الدفع تجدهم في طوابير طويلة، وذلك مهما كان عدد مناضد المحاسبة التي تستخدم القراءة الآلية، إلاّ أن عملية قبض المبالغ قد خلق زحمة كبيرة.
ليس هذا القول من باب الحسد، وإنما السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا هذا التدافع على شراء المواد الغذائية عند اقتراب شهر الصوم، فالمواد التي يتم نقلها إلى المنازل تكفي الإعاشة في بلد مثل عمان لمدة عام كامل، وهو ليس للأكل بالطبع وإنما تبضع فيه إسراف وقد يدخله داعي التباهي والمزايدة، ومن لا يصدق ذلك يسأل المشرف على شاحنات نقل الزبالة، كم من الأطنان تنقل للمرادم البلدية يوميا ؟! وعندئذ سيعرف الجواب، لأنه من المؤكد لا يزيد عدد الأسر في رمضان، حتى وان كان كذلك فإن القادم لن يكون يحتاج إلاّ لرضعة حليب مجانية، ولا البطون يفترض أن تضيق لا أن تتوسع.
إن تغيّر نمط الحياة لا ينبغي أن يتبعه تغيّر كبير في العادات الغذائية، لأن المسألة ستتحول إلى أثر طردي في حياة الناس بين السمنة والتخمة، والأمراض التي يعالجها الصوم، أو السلوك الذي يهذب نفوس البشر، فقد انعكس الأمر إلى الضد .. لأن كل هذه المأكولات في غالبها ليست صحية، فهي بين الملونات الضارة بما تحوي من مركبات كمائية، ومعلبات ناقصة القيمة الغذائية، وأشياء كثيرة لا تعدو كونها مجرد حشو ليس أكثر ..