وجهة نظر ( هكذا نفهم العلمانية ) 2 ( الديمقراطية )
( عدد القراء في المعهد العربي للبحوث والدراست الاستراتيجة لهذا الجزء هو (3188) لغاية مساء يوم 9/6/2009).
( متابعة مع نماذج عن الديمقراطيات ) .
- إن المتابعة في موضوع الديمقراطية لايعني الخروج عن الموضوع الأساس
وأقصد ( العلمانية ) .* في هذا القسم وعبر محاولة القاء نظرة على بعض الديمقراطيات الغربية بقصد التعرف على تطبيقاتها ومحاولة فهم تناقضاتها ( في الثقافة والممارسة ) بحيث لايمكن أن نقع في نفس المطب ولكي لا نأخذ بها كمثال وقدوة بالمطلق أو كما هي عليه في واقع الحال كونها في كثير من جوانب تطبيقاتها تقدم أمثلة ضارة لنا كشعوب تحلم بالديمقراطية وترغب في اللحاق بركب الحضارة .. والقصد من بحث هذه الديمقراطيات وتطبيقاتها هو محاولة صياغة ديمقراطيتنا بحيث نتجنب السلبيات والألاعيب التي يمارسها زاعمي الديمقراطية في الغرب فلا نقع في نفس الفخ لنعود بعد عدة عقود ونندب أخطائنا على عادتنا .
- الديمقراطية البريطانية : على الرغم من أنها تعتبر متميزة ..ً فإن نظام الحكم فيها يعتمد صيغة الحن الرئيسيين حيث يصل الى السلطة بالأغلبية ومن دورة اقتراع واحدة وتشكل الحكومة من مجموع الأغلبية البرلمانية , السلطة الأساسية لرئيس الوزراء حيث أن الحكم بصيغته الأصلية هو ملكي بدون تأثير مباشر على السلطة وان كان الملك يملك حق الاعتراض في بعض الحالات . وهي توصف بأنها ديمقراطية برلمانية .
- هناك أمر جدير بالملاحظة والاهتمام وهو أن هناك لجنة انتخابية تقوم بانتقاء المرشحين للنيابة ومنحهم الثقة وقد تأسست منذ العام 1867على يد الليبرالي ( عضو حزب الأحرار ) جوزيف تشامبرلين ثم اقتدى به المحافظون وهي فكرة ممتازة ..ثم أصبحت تقوم بدورها على الصعيد الوطني عامة . وبقي الحزبان ( الأحرار والمحافظون ) يتناوبان السلطة حتى ظهرت أحزاب جديدة غيرت من هذه النمطية أو بالأصح شوشت عليها وأضافت اليها نكهة جديدة على يد ( اليانور ماركس ) ابنة كارل ماركس التي أسست عام 1881 أول حزب اشتراكي اطلقت عليه اسم ( الاتحاد الديمقراطي ) وفي العام 1884 ساهم ( جورج برنارد شو ) و(آل ويب) بايجاد المجتمع الفابي أو الفابية التي تدعو الى الاشتراكية الديمقراطية والى تشكيل حزب يستند على الحركة النقابية وفي العام 1889 دعا مجلس نقابات العمال المجتمعات والجمعيات الاشتراكية والتعاونية الى الانضمام اليه وكذلك النقابات لتطوير وتنمية التمثيل العمالي وزيادة عدد أعضاء حزب العمال في مجلس النواب وقد تشكلت لجنة تمثيل العمال وهي الشكل الأول لحزب العمال , وقد تميز بأن الانتسابات الجماعية اليه هي التي كانت مقبولة . وهكذا سيطرت النقابات على الحزب وفي العام 1906 أصبح رسمياً وبشكل نهائي حزب العمال labor party وهكذا حل مبدأ الأحزاب الثلاثة بدلا ً عن الحن . الا أن حزب العمال تمكن بمرور الوقت من الحلول محل الأحرار في لعبة تداول السلطة وبات يتداولها مع المحافظين . والواقع يؤكد أن الديمقراطية هنا تتكيء على الأغلبية وينتج عنها رئيس وزراء يكاد يكون منتخباً من الشعب وفق برنامج واضح ومحدد وملزم .الأمر الذي يوفر استقرار نظام يمكن تقييمه والحكم عليه بعد انتهاء ولايته .. مع ذلك فإن رئيس الوزراء ليس منتخباً تماماً من الشعب ولكن حزبه الذي فاز بأغلبية المقاعد هو الذي يختاره زعيماً له ليشكل الحكومة , وبهذا فإن الحزب يمكن أن يقيله في أية لحظة يراه فيها بات خطراً على الحزب من الناحية السياسية ( لاحظ ..مصلحة الحزب هي الأهم ) , وهكذا نرى أن رئيس الوزراء البريطاني يتمتع بالقوة لكنه ليس مطلق الصلاحية اذ أن مجلس النواب من جهة والمعارضة من جهة أخرى يعدلان ويحدان من سلطاته اضافة لحزبه , وهو يرأس الحكومة ويديرها كمؤسسة أما من الجانب السياسي فهو يرأس الحزب الذي يتمتع بالأغلبية .
- باختصار فإن الديمقراطية البرلمانية البريطانية توصف بأنها ديمقراطية تعتمد على الأغلبية فالرئيس مسؤول أمام أغلبيته , أي أمام حزبه , لأن الأغلبية تنبع من الشعب وتريد أن ترى بنفسها مؤكدة ومثبتة في السلطة وفي الحكم . وهكذا أنه في حالة الأزمات يتم القياس على الأوضاع السابقة , بدلا ً من الانخداع بامكانيات التكيف والقدرة على البقاء والاستمرار وحسب . وأكثر من ذلك فإن ديمقراطية الأغلبية البريطانية قد شكلت بطرق أخرى غير الاقتراع الذي يعتمد على الأغلبية بدورة واحدة مدرسة ً للديمقراطيات الأوربية الأخرى التي تحاول الاقتداء بها بما يسمى نمط ( ويستمنيستر ) أو النمط ( الأنكلو سكسوني ) .
• ( المصدر أوليفيه دوهاميل – كتابه الديمقراطيات ) .
على صعيد التطبيق تتميز بالتالي :
1- لايمكن أن يسجن أحد دون أن يحاكم قضائياً بصورة شرعية .
2- قوانين الطواريء مستحيلة التطبيق في زمن السلم .
3- لايجوز أن تكون العقوبات مبالغاً فيها ولاقاسية أو غير طبيعية . ( وهذا مستمد من ضرورة وواجب دراسة أسباب ودوافع الجريمة وفيما اذا كان المجتمع والأنظمة والقوانين مسؤولة ًبالاشتراك مع العادات والأنماط السائدة عن ظهور المجرم وانحرافه ).(يمكننا القول بتجرد أن هذا تطور في آلية الديمقراطية يحسب لبريطانيا في داخلها وكان يتوجب أن يأخذ الطابع الثقافي الحقيقي في التعامل مع الشعوب الأخرى إلا أن ذلك لم يتعدى حدود بريطانيا وقد عمل بعض الفلاسفة أمثال جورج برنارد شو على انتقاد هذه الازدواجية بحدة فاضحاً عقلية السياسة البريطانية الاستعمارية ).- قد تكون هذه الديمقراطية ملائمة ومريحة للمجتمع البريطاني ولكن.. مالذي فعلته على الصعيد العالمي .. هل تطابقت خارجياً مع ماتؤمن به وتطبقه في الداخل .. ماذا عن المستعمرات .. ماذا عن تجارة العبيد والعصف بحقوق الانسان خارج حدود بريطانيا .. ماذا عن دعم العنصريات والديكتاتوريات والاعتداء على حقوق الانسان ونهب ثروات الشعوب . ألم تقف خلف انشاء كيانات عنصرية هي الأسوأ تاريخيا ً (اسرائيل وبريتوريا ). اذا ً فغالبية الشعب البريطاني دعم حكوماته وأيد الديمقراطية في بلاده مقابل كل هذه الموبقات .. معنى ذلك أن الشعب البريطاني شريك بشكل أو بآخر .. ترى هل هي حالة شيزوفرانيا . ؟. أليس هذا نسفاً للديمقراطية على اعتبار أنها تعبير عن تراكم ثقافي في المجتمع .. الآن هم يحاولون تسويق الديمقراطية في الخارج .. ولكن .. كيف..؟ كيف يمكن للعالم أن يثق بهم وهذه الموبقات وقائمة طويلة من الجرائم البشعة بحقها ماتزال ماثلة ومايزالون يمارسونها عبر سياستهم ..؟ ترى هل يمكن أن تكون العلمانية ومتلازمتها الديمقراطية مفصلة على القياس فقط وذات وجهين وجه خاص بهم ووجه آخر قبيح يقدمونه للعالم .. على كل حال هم أبناء ثقافة ( د. جايكل ..و..مستر هايد ) . كيف يشجعون تشظية المجتمعات في الخارج ويدعمون السياسة الأمريكية في خلق كيانات طائفية وأثنية في منطقتنا بينما هم يرفضونها عندهم ..ماذا عن ايرلندا ..؟ أليس الايرلنديين ينتمون للطائفة الكاثوليكية بينما بقية المقاطعات البريطانية تنتمي للطائفة البروتستانتية .. اذا ليمنحوا الايرلنديين استقلالهم طالما أنهم ينادون في منطقتنا باستقلال الطوائف والاثنيات . . هذا اذا لم نتحدث عن بقية المقاطعات والاختلاف بينها ..؟!!- لنلقي نظرة على مايسمى بالنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية ونستعرض تطبيقاته وتجلياته ثم نحكم :
- جاء في مقدمة الدستور1787 مايلي :
( نحن شعب الولايات المتحدة , في سبيل تشكيل اتحاد أكثر كمالا ً ومن أجل إقامة العدالة , وتوكيد الطمأنينة الأهلية , وتأمين الدفاع الوطني المشترك والعام , وتحسين الأوضاع العامة , وتوفير نعم ومباهج الحرية لأنفسنا ولذريتنا , نضع وننظم هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية ) .
- يقولون عن الدستور الأمريكي أنه ( تاريخ بلاد لاتاريخ لها والدستور خلق أمريكا ) .- نظام رئاسي يخضع لمراقبة سلطات متعددة :
الرقابة الشعبية ( الانتخابات )
الرقابة القضائية ( المحكمة العليا ) .
سلطات أخرى منفصلة .
- في 4 تموز 1776 أعلن استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا وقد جاء في الاعلان مايلي :
- يولد جميع الناس متساوين , مستمتعين من قبل خالقهم ببعض الحقوق التي لايمكن انكارها أو تجريدهم منها , من بين هذه الحقوق , حق الحياة , والحرية والبحث عن السعادة , ويشكل الناس الحكومات لضمان هذه الحقوق , وتنبع السلطة الصحيحة والعادلة لهذه الحكومات من تقبل وموافقة المحكومين . وفي أية مرة يصبح شكل حكومة ما مخرباً لهذا الهدف , يكون للشعب الحق في تغيير هذه الحكومة أو بالقضاء عليها .- هذه مفاهيم ومباديء يمكن أن توصف بالرائعة قياساً لما هي عليه الحال أو الواقع الحالي .؟!!
ونسأل هل أن هذا حقيقة مايطبق على أرض الواقع .؟؟!!
- الولايات المتحدة دولة حديثة لاتملك أي تاريخ وهي تحاول أن تبتدع تاريخاً لمجموعات بشرية وصلت اليها من شتى بقاع الأرض واستوطنتها على حساب سكانها الأصليين الذين تعرضوا لأسوأ أشكال الإبادة التي لم يحصل لها مثيلا ً عبر التاريخ الانساني ..ففي التاريخ القديم حصلت حملات تهجير أو مذابح بحق مدن كانت تشكل دولاً لكنه لم يحصل ابادة لعرق أوشعب بكامله كما حدث في الولايات المتحدة وهذه هي من أهم الأسس التي تنسف شكل ومضمون هذه الحضارة التي يحاولون التباهي بها على العالم .. لقد كان البديل للهنود الحمر ( السكان الأصليين ) في البداية ..مجموعات من شذاذ الآفاق وقطاع الطرق والمغامرين الملفوظين من مجتمعاتهم الأصلية , قدموا اليها في وقت كانت الاغراءات كبيرة للغاية في أرض مفتوحة مليئة بالثروة ثم ومع بدء استثمار تلك الثروة استقدم اليها العبيد المخطوفين من افريقيا على يد القراصنة والنخاسين للعمل في الأرض مجاناً ثم جيء بالصينيين الذين كانوا يرزحون تحت نير الاستعمار البريطاني ( سيء الذكر ) ليستثمروهم كعمال يدويين في تمديد السكك الحديدية وشق الطرقات والعمل في المناجم , فيما كان قطاع الطرق قد بدأوا بتنظيم أنفسهم كنخبة لهذا المجتمع الهجين مسيطرين على الأرض والثروة بدءاً بمزارع القطن والتبغ وقطعان الماشية وانتهاء بالذهب والنفط وبقية المعادن .- هذه هي ثقافة المجتمع الأمريكي الحقيقية التي تتباهى علينا بديمقراطيتها مع أنها الآن وفي بعض الولايات مازالت تنظر الى السود أو الملونين نظرة فوقية على اعتبار انهم عرق أدنى لايستحق أن يتجاوز مرتبة الخدم ومازال هناك حنين لمرحلة عصابات الكوكلوكس كلان التي كانت تطارد السود وتضطهدهم وتقيم لهم المحارق , هذا على الرغم من صدور القوانين التي تحظر التمييز العرقي وتفرض المساواة لكنها بالحقيقة مساواة على الورق في كثير من الأحيان بسبب وجود مايشبه الثقافة المتجذرة في وعي من يطلق عليهم بالنخبة , والواضح أن هذه الثقافة
( ثقافة الكاوبوي والقرصنة والتعالي ) نراها واضحة بشكل فاقع من خلال تعامل نظامها على الصعيد الدولي وفي نظرتهم للشعوب الأخرى .
- ماأوردته أعلاه كان من باب القاء نظرة على تلك المجتمعات وكيف بدأت بداية (ديمقراطية).؟! وكيف تطورت هذه الحالة بمرور الوقت مع مايشوبها من انحرافات لكنها تبقى ديمقراطية وقد تستمر في حالة من التجاذبات لغاية الوصول الى أساليب جديدة متطورة في ممارسة السلطة تصل الى حال أفضل مما هي عليه من منظورنا كشعوب تتحمل الآثار السلبية للممارسة المنحرفة لتلك الديمقراطيات من خلال سلطاتها .
- السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل بامكاننا الدخول في الممارسة الديمقراطية وهل نحن مؤهلين لها ..؟ - إن تلك الشعوب عندما بدأت لم تكن بحال أفضل منا لكنها دخلت الباب من خلال حراكها ..بمعنى أنها دخلت بالقوة وليس بالتوافق والاتفاق مع مايسمى برموز المجتمع السابق .. لقد كانوا يملكون تراثاً طويلاً من المعاناة ربما كان أسوأ مما نحن عليه بكثير وقد أنتج الظلم البشع الذي كانت تمارسه السلطات المطلقة للملوك وبالتحالف مع القوى المتشددة دينياً ذلك الضغط الهائل الذي فجر كل شيء وأطاح بكل شيء لتبدأ التحولات بالظهور على أيدي رموز الثقافة الجديدة التي ساهمت في هذا الحراك العنيف ( الثورة الفرنسية ) ومااستتبعها من تمدد لهذا الحراك خارج حدود فرنسا ليشمل القارة الأوربية تدريجياً وإن لم يكن بمثل عنف الثورة الفرنسية وعلى الرغم من التحالف الدولي المضاد للثورة الفرنسية الا أن رياح التغيير كانت قد هبت ونشطت وانتهى الأمر ليظهر التحول التدريجي في مفاهيم وثقافة تلك الشعوب ويتمدد ويتجذر بحيث اكتسح كافة القوى التي حاولت مقاومة التغيير على الرغم من الوقت الطويل الذي استغرقه هذا التغيير والتجارب الفاشلة ومحاولة ركوب الموجة من قبل القوى القديمة وظهور قوى انتهازية ذات طموحات خاصة الا أن كل ذلك تمت الاطاحة به لمصلحة الافكار الحداثوية على الرغم من أن ذلك قد انتج حروب متعددة ( حروب نابليون .. الحرب الأهلية الأمريكية ثم الحربين العالميتين الأولى والثانية ) .- فهل نحن بحاجة لكل تلك المراحل لكي ندخل في الحالة الديمقراطية .؟!!. لاأعتقد بالتأكيد ..نحن الآن نتعامل مع نتائج التجارب العالمية وخلاصة ماوصلت اليه البشرية.. بنفس الوقت فإننا كشعوب نملك الكوادر المثقفة من الباحثين والمتخصصين والفلاسفة والمنظرين وكذلك القواعد المتعلمة والمتخصصة وكافة أشكال وأنواع الخبرات الأخرى كما أن ثورة الاتصالات وتقنيات التواصل قد أتاحت لنا المجال واسعاً لاستقراء واقعنا بصورة أفضل واجراء المقارنات اللازمة والضرورية مستفيدين من الحصيلة والنتائج التي وصل اليها العالم .. كما أن رقعة الوعي والتعليم تتوسع عندنا باستمرار بل أن بعض البقع العربية ( سوريا مثلا ً ) تكاد تقضي تماما ً على الأمية , معنى ذلك أننا بتنا مؤهلين تماماً للحراك المنطقي والعلمي السلمي ويمكننا أن نناقش حاجاتنا الايجابية وسلبياتنا بشكل مريح دون خشية من ردات فعل متخلفة وغرائزية الا في الحدود الدنيا والتي لاتشكل خطراً على المجتمع .لكن مشكلتنا الحقيقية تكمن في النخب المؤهلة لقيادة هذا التغيير , هذه النخب يجب أن تخرج من قلب الشارع وتبقى فيه لاأن تقبع في حضن الخارج لتصبح رهينة توجيهاته .. نحن بحاجة لنخب تقوم بدورها الحقيقي في توعية الشارع وتنظيمه لاأن تتركه نهب تجاذبات القوى المتشددة التي تسخف وعيه وتعكس صورة بشعة مغرقة في التخلف عنه وفق نمطية القرون الوسطى الأوربية .
في رأيي أنه ليس هناك من حاجة لمزيد من الأمثلة عن الديمقراطية الغربية كالفرنسية والإسكندنافية فهي لاتعدوا كونها شكل من أشكال التطبيقات المشابهة تقل أو تزيد نسبيا ً هنا وهناك . . لكنها كلها ومن خلال تعاملاتها الدولية نكتشف أنها ذات وجهين فالتعامل مع الداخل غير التعامل مع الخارج .قد يفسرها البعض اقتصاديا ً وينسبها الى حالات تضخم انتاج وحاجات التصريف حفاظا ً على الدورة الاقتصادية والحفاظ على رفاهية مجتمعاتها .. هذا تفسير قديم متجدد و لايبرر لمن يزعم اتخاذ العلمانية بتطبيقاتها الديمقراطية منهجا ً .. ومع ذلك أنها وحتى في الداخل سوف نكتشف أنها مزيفة بشكل هائل .. ( لنتابع ) .
تعالوا لنستدعي صورة تتكرر على مستوى العالم باستمرار ... في لعبة كرة القدم .. هناك فريقان يتواجهان وهناك حكام يقررون النتائج ويراقبون وهناك جمهور يجلس على المدرجات فيشجع هذا أوذاك الى حد الاصطدام وتبادل الشتائم والضرب أحيانا ً ليخرج هذا الجمهور دامياً . . في واقع الأمر أن من يقرر سير المبارة هم اللاعبين وحسب حرفيتهم ومهاراتهم التي تشد الجمهور اعجابا ً أو استنكارا ً .. هذا الجمهور لاعلاقة له بمصير المبارة وإن اعتقد في نفسه ذلك عبر تشجيعه .. هناك المدربين الذين يضعون الخطط ويبدلونها حسب سير المباراة .
كيف وصل اللاعبين الى الملعب .. أليس عبر مدربين أشرفوا عليهم لغاية أن أصبحوا قادرين على دخول المباريات والمنافسة . ( نتابع أيضا ً ) .. نتائج المباراة والفوز تحقق فوائدا ً وارباحا ً قد تكون هائلة في بعض الأحيان .. كيف توفرت هذه الأرباح ..؟ بالطبع هي قد خرجت من جيوب الجمهور الذي دفع ثمن التذاكر فحضر وتحمس وتبين فيما بعد أنه الخاسر الوحيد فقد خرج وقد أذل واهان بعضه البعض وتبادل الضرب وربما خسر الضحايا . . وهو لم يشارك أو يساهم ولا علاقة له بتقرير مصير اللعب إلا من الجانب الوهمي ولا بكيفية اللعب .. والواقع أن هناك قوى بعضها منظور وبعضها غير منظور هي التي تخطط وتبرمج وتوجه وتشرف على التنفيذ وتحصد النتائج والأرباح وهم من يضع اللاعبين في الواجهة الذين لايملكون من كل هذا سوى بذل الجهد وتنفيذ الخطط الموضوعة .. ويخرج اللاعبين أبطال يحملهم هذا الجمهور البائس على الأكتاف .
هذا هو واقع الأمر في الديمقراطيات الغربية وان اختلف الأمر نسبيا ً ففي دولة مثل السويد التي يمكننا أن نصفها أنها الأكثر تواضعا ً وقربا ً من الجمهور ( حسب معلوماتي ) نجد نسبة من الشفافية في الإداء أفضل بكثير من غيرها . لكن واقع الأمر في الغرب و الولايات المتحدة أن القوى الأقوى ماديا ً ( الشركات الكبرى .. التروستات النفطية وصناعة الأسلحة وصناعة الأدوية يضاف اليهم مافيات المخدرات والرقيق الأبيض والبورصة والمصارف ) هي من يتحكم في اللعبة الديمقراطية هذه موظفة امكانات هائلة للغاية لضمان سيطرتها وتوجيهها اللعب واللاعبين ..ولقد انتجت فريقان قويان وأساسيان يتبادلان الأدوار ويتنافسان أمام هذا الجمهور الذي ينغمس في اللعبة ولادور له سوى الاحتفال بتسليم الكأس لهذا أو ذاك ( الديمقراطيون والجمهوريون ) في الولايات المتحدة .. ( العمال والمحافظون ) في بريطانيا ..
( الاشتراكيون والجمهوريون ) في فرنسا .. وهكذا دواليك . ويمكننا أن نلاحظ وجود أحزاب صغيرة بعضها يعمل لتغيير هذا الواقع والدخول في منافسة لكن قدراتها محدودة فتذهب الى التحالف مع هذا الفريق القوي أو ذاك . . صحيح أن هذه القوى المالية بامكاناتها الضخمة هي من ينفق ويقدم ويوفر ماكينات اعلامية تستهلك مبالغا ً خيالية .. لكن وفي حقيقة الأمرهي تستعيد من هذا الجمهور الساذج كل مادفعته بأشكال عدة .. معولة بالنتيجة على الأرباح التي توفرها حصيلة تحكمها وتطبيق سياساتها المحلية والعالمية .. عبر انتاج أزمات عالمية وحروب توفر لها تصريف انتاجها والسيطرة على مقدرات الشعوب الأخرى اضافة لتحكمها بمقدرات شعوبها .. لقد تحولت الديمقراطية هناك الى ديمقراطية القوى المالية المستغلة
( بكسر اللام ) فيما بقي الشعب مجرد مشجع لهذا أو ذاك ولا دور آخر وإن اعتقد بنفسه أنه هو من يقرر والحقيقة أنه لاأحد يقرر سوى من سيحكم في هذه الدورة أو تلك ويتنقل بين الفريقان الأساسيان الذين وإن اختلفا اعلاميا ً ودعائيا ً لكنهما متفقان تماما ً على الخطوط العامة والأهداف مع بعض التغيير في منهجية اللعب . هذه هي حقيقة الديمقراطية في الغرب وهي ديمقراطية مزيفة .خادعة ومخادعة يتحكم بها مجموعات من المحتالين والنصابين الدوليين فالتطبيق والترجمة الحقيقية لها تختلف تماما ً عن الدساتير والقوانين الناظمة في بلدانها . وهي تملك آلة إعلامية هائلة تضخ بروباغندا قادرة على تقديم أسوأ الشياطين على أنها ملائكة .. أما مانراه منها هنا وهناك من تغيير وحجب ثقة واسقاط لهذا المسؤول أو ذاك وتوجيه انتقادات حادة .. ليست سوى رتوش تكمل الديكور وتجمل الوجه القبيح الحقيقي لها .. والواقع أن سياستها العالمية هي أفضل تعبير عن حقيقتها القبيحة وتناقضاتها الفاقعة .ويبقى الصراع بين المستغَل والمستغِل يتخذ أشكالا ً واقنعة مختلفة .في واقع الأمر أن مايحصل هناك هو ليس ديمقراطية بالمعنى الصحيح لهذه التسمية وحقيقة الأمر أن مايحصل هو تطبيق ( للنظام البيلوقراطي ) أي تحالف قوى الاستغلال والاحتكارات الرأسمالية بمواجهة الشعوب .. وهو نظام يفرض على الفرد بامكاناته المحدودة جدا ً ولاتذكر بمواجهة قوى تملك المال وتتحكم بلقمة عيشه وكل أسباب الحياة وتحتكرها وتتحكم فيها وفي توزيعها فتخدعه ببعض الألوان والديكورات الزائفة بحيث يعتقد أنها شكلا ً من أشكال الحرية والرفاه في الوقت الذي تستنزف فيه جهوده وعرقه حتى آخر قطرة ثم تلفظه بلا أية قيمة .. ولقد لاحظنا في الأزمة الاقتصادية الحالية التي تتفاعل تصاعدا ً بشكل خانق كيف عادت هذه القوى واستولت على أرصدة الأفراد ومساكنهم ولقمة عيشهم وتركتهم يعانون الأمرين سوى من بعض الجرعات التي يضخونها بين الفينة والأخرى مترافقة مع وعود زائفة غايتها تنفيس الاحتقان وتأخير انفجار هذه المجتمعات ثم الوصول الى الكارثة ولم يبق هناك من مخرج سوى الاتجاه باتجاه حروب أكبر مما يحصل الآن لكي تغسل هذه القوى أيديها من الجميع وتجعل من يتبقى بحاجة ماسة لما تجود به فتنقلب الى قوى خير حسب تصوراتها .
هناك تساؤل يفرض نفسه وهو ..: هل أن مانراه من حكومات ورؤساء أو حكام في واجهة تلك الدول هي التي تقرر مع أنها هي التي تتحمل غضب الجمهور وشتائمه . ؟؟ . لقد أشرت في معرض هذا المقال الى تلك القوى وهي لاتظهر في الواجهة اطلاقا ً والحكومات ليست أكثر من فريق اللاعبين في ملعب كرة القدم وهي التي تنفذ الخطة الموضوعة فقط .. في واقع الأمر أن من يقرر هي القوى التي قدمت الفريقان المتباريان الى الملعب ..وهذه القوى لامصلحة لها في أظهار نفسها ويبدو دورها واضحا ً جدا ً في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وقد مدت أيديها مؤخرا ً الى الساحة الفرنسية والايطالية لتفعيل دورها هناك .. وهذه القوى متمثلة في مجموعة من العائلات المالية الصهيونية أبرزها ( روتشيلد وروكفلر) من أصل خمسة عائلات وهي التي تتحكم منذ القرن التاسع عشر في صناعة الأسلحة وتجارة العبيد في حينه الآن تحولت الى ( تجارة الرقيق الأبيض) وتجارة الأفيون والمخدرات والذهب والألماس وأندية القمار واحتكارات التبغ والسكر وطباعة العملة في الولايات المتحدة وادارة البورصات والتلاعب بها والسوق المصرفية العالمية .
وهي التي تقف خلف كافة الأزمات التي تعصف بالعالم . وهي التي تتحكم برئيس الولايات المتحدة إذ أنه لايمكن أن يصل الى الرئاسة إلا من يزور احدى نوادي هذه العائلات أو منظمة الإيباك ويحصل على مباركتهم . وقد اتضح دورها الكبير في انشاء المنظمات الإرهابية ومن بينها بعض المنظمات المتشددة والتكفيرية وهي التي تحرك المنظمات النازية العنصرية في أوربا الآن وبنفس الوقت تزعم دعم مكافحة الإرهاب في الوقت الذي تكون الضحايا فيه بريئة ولاعلاقة لها بالأمر والقصد هو تسعير الصراع الطائفي والمذهبي الذي أطل على العالم في العقد الأخير بشكله البشع فأشهر المنظمات الإرهابية في العالم الآن وحسب أجهزة الدعاية والبروباغندا الأمريصهيونية هي منظمة القاعدة .. التي تأسست ودربت بإشراف وكالة المخابرات الأمريكية ( C.I.A ) بزعم محاربة النفوذ السوفياتي ( الملحد ) في افغانستان وتزعم الآن محاربة النفوذ الأمريكي في حين أن عائلة بن لادن مؤسسها وابنائه يعيشون في الولايات المتحدة ويتحركون بحرية وهم شركاء نفطيين لعائلة بوش التي رفعت لواء محاربة الإرهاب ..؟!! ومن هذه المنظمة تم تفريخ المزيد من امثالها توزعت على مساحة المنطقة الغنية بالنفط وهي تعمل بالتنسيق التام مع أمريكا على إشاعة عدم الاستقرار في المنطقة وفي أواسط آسيا وصولا ً الى الصين .. والبحث في هذا المجال يطول .
بالمناسبة يحضرني هنا هذا الرد على أحد رجال الدين .الذي نحترم على اعتبار أنه من بين الملتزمين بالخط الوطني المعادي للقوى الصهيوامريكية . وقد أدلى بتصريح غاضب ضد بعض العلمانيين الذين أساؤوا مباشرة للدين .- في هذا المجال أقول له وبكل احترام أنه ليس كل من نسب لنفسه العلمانية هو علماني حقيقة ً كما أنه ليس كل من زعم الايمان والتدين هو مؤمن حكما ً . هناك متشددون قد أعماهم التشدد هنا وهناك هنا من أساء فهم العلمانية وحولها من مفهوم الى مايشبه العقيدة وقد يكون سيء النوايا أو جاهل كما أن هناك من أساء فهم الدين .. وكما فهم البعض الدين بشكل خاطيء فحرفه وحاول استغلاله لمآرب مشبوهة فإن هناك البعض ممن يزعمون العلمانية قد فهموها بشكل منحرف عما هي عليه حقيقة ً قد أساؤوا لها وحاولوا استثمارها لمآرب دنيئة لذا فإن مجتمعاتنا ليست بحاجة الى أية خلافات من نوع جديد .
- لقد أشرت في البداية أن العلمانية تحترم كافة العقائد والأديان وليست ضدها على الاطلاق ولكنها .. ضد تحريف الأديان واستغلالها والمتاجرة بها واتخاذها وسيلة لخداع الناس والتحكم في شؤون حياتهم وابعادهم عن واقعهم وتقسيم المجتمعات .
إن العلمانية في الواقع تتعرض لأساليب خبيثة ومقصودة من بعض ذوي النوايا السيئة الذين يريدون وضعها في موقع التصادم مع الدين وهي ليست كذلك وإن تصادمت مع المنحرفين من رجال الدين أو زاعمي التدين .
العلمانية ترفض الدولة الدينية وطغيان طيف على بقية أطياف المجتمع .. العلمانية ترى في المواطنة السقف الذي يتحرك تحته الجميع بكل حرية وعلى قدم المساواة مع احترام حرية الرأي والمعتقد وكافة أشكال الحرية وضمان حقوق الانسان كاملة بالتلازم مع المنظومة الأخلاقية .
قد يكون العلماني ملتزماً بواجباته الدينية وفق فهم صحيح وحقيقي ومتطور للدين وأخلاقياته وسعة أفقه وهذه لاتشكل أي شكل من أشكال التعارض مع مفهوم العلمانية , وهي باختصار توجه الانسان لحسن التعامل مع واقعه وكيفية تطوير هذا الواقع والخروج من دائرة التخلف والجهل والعبودية والاستغلال والمفاهيم الغيبية التي ابتدعها قسم كبير من رجال الدين عبر التاريخ ولغاية الآن , فهل في ذلك مخالفة للدين وتعارضاً معه إلا إذا كان رجال الدين يرون بأنفسهم أنهم الدين كله وانهم يحملون تفويضاً الهياً في عودة الى المفاهيم الجاهلية وتعدد الأرباب والآلهة , من الممكن أن نتفهم أن رجل الدين يقوم بمهمة توضيح أهداف الدين النبيلة والنابعة من المنظومة الأخلاقية بعيداً عن الروايات المتعارضة مع النص أو التأويل الغير مطابق للنص ويحرفه عن معناه الحقيقي وأن يوضح أحكام الدين والعبادات لمن أراد ويرى أنه بحاجة لذلك وبكافة الأحوال أن يأخذ دور الموجه والمرشد لكيفية الالتزام بالأخلاق وتمتين لحمة المجتمع بعيداً عن أي تعصب أو تشدد أو ضخ الكراهية بين الأديان والمذاهب المختلفة .. هذه يمكن أن يتفهمها الجميع , أما أن يتدخل رجل الدين في كيفية حكم المجتمع ونظامه وابتداع قوانين هي في حقيقتها تشوه معنى الدين وتسيء لإنسانية الإنسان وتتدخل في تفاصيل حياته ..كيف يعمل ويأكل ويلبس ويسكن ووصل الى حد التدخل في غرفة النوم وتحت اللحاف والزامه بوجهة نظره وبما يراه من شؤون السياسة وخاصة مايخالف منها الخط الوطني كما يفعل الآن العديد من رجال الدين على مختلف طوائفهم لقاء مكاسب مادية ومعنوية من قوى خارجية مشبوهة ومعروفة بارتباطاتها المعادية للوطن والمجتمع وأن يزعم احتكار الحقيقة فيما بقية المذاهب والأديان والأطياف كفارا ً فهذا حكماً أمر مرفوض بالمطلق وحتى من وجهة نظر الدين نفسه .ولاأعتقد أن المجتمع بمجمله يوافق عليه ماخلا بعض المغرر بهم والذين سيعون الحقيقة عاجلا ً أم آجلا ً . والمطلوب الأهم من رجال الدين الحقيقيين أن يقفوا بوجه كل من ينتحلون هذه الصفة ويختلقون افتاءات تتسبب بالمجازر واهدار الدماء البريئة كما يحدث الآن في العراق وكما يحاولون فعله في لبنان أو كما يحدث في الجزائر وأن يعيدوا الدين الى سكته الأخلاقية الصحيحة . أن يظهر الايمان كحالة وطنية متينة ..صلبة.. في مواجهة العدوان .. هو المطلوب .. وأن يبرز الوجه المتسامح الواعي المتفهم ..الانساني ..النبيل .. المتطور ..الحضاري ..هو المطلوب وليس الغرق في التفاصيل ونسج تفاصيل تنتج تفاصيلا ً جديدة بمتوالية لانهاية لها على أيدي كل من هب ودب ففي هذا تشويه للدين يمارسه زاعمي التدين قبل الأعداء الذين يضخون الحقد والكراهية وكافة أسباب الشرذمة للمجتمع .
في عودة الى مناقشة مفهوم العلمانية وباعتبارها مفهوماً يستند الى قواعد منطقية علمية واقعية وليست آيديولوجية أو نظرية كما سبق وأوضحت .
- لقد تم تداول مفهوم العلمانية في منطقتنا العربية تحديداً على أنها مضاد فكري وسياسي للدين حتى أصبح مصطلح العلمانية يقود اوتوماتيكيا ً الى مصطلح
( الإلحاد ) هذا ليس دفاعاً فالعلمانية ليست بحاجة للدفاع عن نفسها .. إن وصم العلمانية بالالحاد هو تهمة لاأخلاقية على الإطلاق وتقف خلفها القوى االمتشددة من زاعمي التدين الذين يمتطون صهوة الدين لتحقيق غايات ومآرب دنيئة أقلها استثمار الدين للتحكم بأكبر حجم من شرائح المجتمع ودعم القوى الظالمة المتخلفة لتستمر في حكم المجتمع على خلاف الأهداف الحقيقية للرسالات السماوية .- تعتبر فرنسا هي الدولة الأولى في التاريخ الحديث التي اعتمدت مصطلح العلمانية في دستورها , ولم تعني اطلاقاً أنها قد تحولت الى دولة ملحدة فقد استمر الدين على حاله وبقيت الكنيسة تمارس نشاطاتها بالشكل الطبيعي ولكن دون أن تمارس أية سلطة على حياة الناس , ومن قرأ التاريخ قبل الثورة الفرنسية يطلع على حجم الموبقات التي ارتكبها رجال الدين فيها وحجم الظلم الهائل الذي مارسوه وساعدوا سلطة الملوك والكونتيات على التمدد والطغيان بلا رحمة الى الحد الذي لايمكن تصوره .
- ولو عدنا الى المفاهيم والمصطلحات الفرنسية لتبين لنا أن كلمة علماني هي ترجمة لكلمة (لاييك ) الفرنسية .وهذه الكلمة تعود في أصلها الى اليونانية
( لايكوس ) وتعني كل ماينتمي الى الشعب وهي مقابل كلمة ( كليروس ) أي رجال الدين . .. ويوضح ذلك المفكر الفرنسي ( جان لاكروا ) قائلا ً ( إن فكرة اللاييكية أو اللاييك .. ليست المقابل المعارض لفكرة الدين ) ولكنها تستدعي على الأقل التمييز بين ماهو دنيوي , واقعي , وماهو غيبي ..إنها تفترض أن جانبا ً من الحياة البشرية لايخضع لقبضة التعاليم الدينية أو على الأقل يقع خارج سلطة رجال الدين ) .. وأضيف هنا موضحا ً : أن لايخضع لقبضة التعاليم الدينية التي أنتجها رجال الدين .[/B](أقتبس التالي بتصرف) وهو أكيد ومنطقي : ( لقد طرح مفهوم العلمانية أول ماطرح في العالم العربي , في أواخر القرن التاسع عشر وفي بلاد الشام تحديدا ً , ولم تعرفه معظم الأقطار العربية الأخرى إلا متأخراً , وجاء طرحه بالموازاة مع شعار الاستقلال عن الترك , أو بمعنى آخر نفي الرابطة الدينية مع الأتراك كمبرر لقبول احتلالهم في مقابل موضوعي لضرورة الانفتاح على العلم والارتكان الى العقل واحترام حقوق الأقليات وهي حاجات معقولة وضرورية ولاتتعارض بالضرورة مع الدين والتدين , على الأقل جوهريا ً ).. إن هذا يقودنا الى بحث آخر وهو رفض أن يصبح الدين شعاراً ويطلق عليه وصف ( أمة ) كما يفعل اسلاميوا اليوم الذين ينادون بالأمة الإسلامية والأصح هو الشعوب الإسلامية لأن استدعاء مفهوم الأمة عبر الدين يستدعي معه الإقرار بمفهوم الأمة اليهودية القائمة على أساس الانتماء الديني وهذا ماطرحه الصهاينة مؤخراً وطالبوا العالم بالاعتراف بإسرائيل على هذا الأساس وهكذا يتم إخراج عرب الثمان وأربعين من أراضيهم والموافقة على توطين اللاجئين في أماكن اللجوء وعلى هذا الأساس أن نتخلى عن العرب المسيحيين وهم من أهم المكونات الحضارية في أصل المنطقة لاسيما وأنهم في أصولهم عرب أقحاح ( الغساسنة والمناذرة ) ولا يحق لنا أن نزاود عليهم في الأصل والوطنية والانتماء . ثم لنتصور العالم مقسما ً على هذا الأساس ( الأمة الإسلامية , الأمة المسيحية , الأمة البوذية , الأمة اليهودية ) كيف سينقسم العالم ومن سوف يتحالف مع من ..؟!! وبكل أسف فقد تم تداول هذه المصطلحات حالياً من قبل الصهاينة أو يهود التلمود والإسلاميين التكفيريين أما بالنسبة للمسيحيين فيقول البعض ( بالعالم المسيحي ) . هذه أساساً تتوافق والعقلية الصهيونية التي تدفع بالعالم الى حروب دينية وضعت سيناريوهاتها مسبقاً وهي تضخها منذ أكثر من قرن ( المزامير الملحقة ببعض طبعات الأناجيل الأمريكية التي تضخ الكراهية والحقد ضد الكنعانيين وبالطبع المقصود العرب - تنبؤات نوستراأداموس – بروتوكولات حكماء صهيون ) والكثير من النشرات والمراجع الصهيونية المنشأ وبعض المطبوعات والدعاوى الصادرة عن جهات مشبوهة تدعي الإسلام وبعض القوى العنصرية التي عادت تطل من الغرب بشكل علني .إن الغاية من هذه الطروحات هو القضاء على الفكر العلماني و القومي المتطور وقطع الطريق على تجديده لأنه الأقدر على الوقوف بوجه العولمة المتوحشة خاصة وأنه قد تمكن من تفهم العلمنة والعلمانية وبدأ يتفهم الأسس الديمقراطية السليمة وقناعته التامة بنظام يقوم على أساس المواطنة وفق قوانين تحفظ حقوق مواطنيه بالتساوي التام على مختلف تنويعاتهم وهذا مايفرض على النخب القومية العربية أن تبدأ بإعادة تقييم تجاربها السابق والاشارة بشجاعة إلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها عبر ممارسة ساذجة أوقعتها ربما في جرائم بحق هذه المجتمعات وأساءت لها بدلا ً من أن تكون دافعاً لنهضتها وتطورها . والواضح أن هذا التقويم قد بدأ وانطلق من دمشق/ سوريا فإذا كتب له الاستمرار فإنه قد يخرج بنتائج وتقييمات رائعة تستوعب كافة التنويعات المجتمعية بشكل متطور قد يسبق الغرب بوقت قياسي اذا ماتمكنت النخب من الخروج بدراسات وأبحاث منطقية قابلة للقوننة . وأن تتفهم هذه النخب أن الاحترام الأول والأساس هو لحرية الفرد( الإنسان ) ويتوجب عليها أن تقدم مفهوماً متكاملا ً لهذه الحرية وبالطبع مع الديمقراطية يستفيد مما سبق من أخطاء وارتكابات في الوقت الذي يستفيد فيه أيضاً من التراث الصحيح والسليم للرسالات السماوية الى جانب التجارب الانسانية في امكنة أخرى من هذا العالم بعيداً عن التقليد الأعمى الذي سبق ووقعت فيه بالنسبة للاشتراكية والوحدة فكانت النتيجة ابتعاد المجتمع عنها وادارة ظهره لها ولكافة قوى اليسار والعلمانية والتحرر والتطور وحتى للقوى الدينية السليمة التي حاولت استقراء الدين أو المقدس بشكل منطقي أقرب مايكون الى الدقة والموضوعية . . كل ذلك تم لحساب التشدد والتطرف الديني ليدخل المجتمع في دوامة الفعل وردة الفعل وتمت التغطية على قوى المقاومة الوطنية ومحاولة الغدر بها بتحالف واضح مابين هذه القوى المتشددة وقوى الليبرالية المنحرفة في منطقتنا وهذا مانراه يحدث في لبنان وفلسطين والعراق
[b]إن أي زعم بوجود خلاف وصدام بين الدين والعلمانية هو زعم لاأخلاقي كاذب سواء جاء من هنا أو هناك ... الغاية منه قطع الطريق على تطور المجتمع وترك الساحة مفتوحة أمام القوى المعادية للمنطقة كلها بالتعاون مع عملائها من المتشددين التكفيريين والليبراليين العولميين المنحرفين الذي يزعمون العلمانية بقصد الإساءة لها وتقديم المبررات لقوى التشدد الديني ومن كافة الأديان .
- يتبع .