وجهة نظر ( هكذا نفهم العلمانية ) الديمقراطية/ 3
( عدد قراء هذا الجزء في المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية هو (2259) لغاية مساء 10/6/2009 )
قبل المتابعة مع موضوع الديمقراطية .. يجب علينا أن نناقش واقعنا وثقافتنا الموروثة والتي مهما حاولنا القفز فوق سلبياتها لابد وأن نتعثر بها لنفاجأ بأننا لم نغادرها تماما ً( أقصد السلبيات ) ذلك أنها مزروعة في أعماق الذاكرة بحكم التربية والبيئة التي أسس لها وارساها النظام السياسي العربي بموبقاته التي قسمت المجتمع يستحضرها العقل من ساحة اللاشعور .. هذا واقع لايجوز المكابرة عليه لأن هذه المكابرة والتعامي هو مجرد دفن للرأس في الرمال بينما بقية الجسم معرض لكافة أشكال الأخطار . . ولاأقصد هنا أن نختبيء منها بل أقصد استحضارها ومواجهتها .. مواجهة موروثنا الثقافي بكل مافيه من سلبيات ونجلس كلنا بكافة أطيافنا لتنقيته وفرز مايمكن من الايجابيات واستبعاد السلبيات .
لن أذهب بعيدا ً في عمق التاريخ مع أنه لابد من استحضاره لأن ثقافتنا الحقيقية تعود لأكثر من عشرة آلاف عام لابل إلى أول ظهور للتجمعات الإنسانية على سطح هذا الكوكب .. من هنا خرج أول تجمع سكاني منظم ..ومن هنا خرج اكتشاف النار واختراع الدولاب والحرف وصناعة الألبسة وركوب البحر .. ويمكننا أن نقول بملء الصوت ..نحن من أسكن الإنسان وصنع له عنوان .. من هنا انطلق الأجداد الذين ركبوا البحر متسلحين بالعلم والمعرفة ليبنوا المدن على كافة شواطيء المتوسط لتظهر المدينة الدولة ثم الدولة بمعناها الحقيقي والمعروف وذلك بعيدا ً عن أكاذيب من أسموا أنفسهم علماء الآثار وأنكروا صلة الحضارة الإغريقية ومؤسسيها الذين هم أجدادنا .. ولايزالون يزعمون الحيرة فيقولون أنها ظهرت فجأة وكأنها هبطت من الفضاء .. وإنه حتى ولو كان هناك هبوطا ً من الفضاء فنحن من هبطنا بمهمة واحدة وحيدة وهي تنظيم هذا الكوكب وإعماره .
كيف نقبل القول أن أول من ركب البحر كانوا تجارا ً وماحاجتهم للتجارة طالما أنهم كانوا الوحيدون الذين يعيشون في مجتمعات منظمة ..؟!! إن من بنى أول مدينة في تلك الأرض التي كان استغلالها صعبا ً بسبب شواطئها الصخرية ( اليونان الحالية ) تلك المدينة هي ( إتيكا ) أو (العتيقة) وهي الآن مجرد منطقة أثرية في قلب العاصمة اليونانية آثينا .. حتى تسمية آثينا أطلقها فيما بعد أولئك الأجداد على المدينة بعد تطويرها تيمنا ً بالآلهة آثينا آنذاك .( راجع تاريخ سوريا الحضاري – المركز ) د.أحمد داوود .
من هناك عرف العالم معنى كلمة ديمقراطية المتداولة حاليا ً وهي في أصلها كلمتين ( ديموس ) و( كراتيس ) ولو أعدنا اللفظ الى أصله العربي يصبح
( قرطاس الأديم ) .
ديموس = أصلها أديم بالعربية
كراتوس = قرطاس بالعربية .. وهو سجل كان يضم طبقة النبلاء وأبائهم وهم من أصول سورية أبا ً وأما ً .. أما الذين كانوا مهجنين ( أب سوري وأم محلية ) فقد أطلقوا عليهم اسم ( اغريكوس ) أو اغريق .. وتعني في وقتها ( البناديق ) أي ليسوا من أصول صافية حتى ولو كان الأب سوري الأصل ..ولم يكن يحق لهم ادراج اسمائهم في هذا السجل وبالتالي لايحق لهم انتخاب ممثلي السلطة أو أن يحوزوا على أية صفة مميزة .
هناك كانوا يصفون هؤلاء الذين علموا السكان الأصليين كيفية تنظيم أنفسهم في مجتمعات بعد أن كانوا يعيشون في المغاور والغابات وعلموهم كيف يلبسون ويكونون عائلات لها أسماء وكيف يبنون المنازل والقراءة والكتابة وصناعة الفخاريات .. السادة .. المعلمين .. الآلهة وأبناء الآلهة . ومن هنا جاءت تسميات السيد المسيح بالسيد والمعلم فيما بعد وكان التنقل بين الشواطيء السورية وبين بقية شواطيء المتوسط بين مد وجزر خاضعا ً لتقلبات الأحوال .
هذه الأقوام التي هي أجدادنا أصلا ً الذين عاشوا في هذه المنطقة وبنوا الحضارة في أرجائها من اليمن ( حمير وسبأ ) والبحرين حيث حوض جنة دلمون صعوداً على مجرى ملتقى النهرين الى حوضي دجلة والفرات وتغلق الدائرة على الشواطيء السورية شرقي المتوسط حيث لم يكن هناك فلسطين ولبنان الحالية وهذه الشواطيء تصل الى ملتقى البحر الأسود .. هذه الحضارة التقت مع حضارة وادي النيل في نفس المرحلة الزمنية وكان هناك تبادل حضاري وهذه هي النقطة المذهلة في التاريخ
الأمر الذي يعيد الأمور الى نقطة مشتركة لم يجرؤ أحد على ملامستها بعد ولم يضع كافة الاحتمالات المنطقية .. مع العلم بأن هذه المنطقة والتي أطلقوا عليها
( الشرق الأوسط ) هي أول بقعة على سطح هذا الكوكب كانت صالحة لسكن الإنسان في أواخر العصر الجليدي . ( نفس المصدر السابق ) .
هذا يؤكد حقيقة الثقافة الإنسانيبة الطابع لهذه الشعوب المنفتحة في حضارتها وتاريخها بالرغم من أنها وبمرور التاريخ وقعت تحت السيطرة لأعظم قوتين في التاريخ ( هما الفرس والرومان ) لغاية اطلالة الامبراطورية العربية على صفحات التاريخ .
إن كل التاريخ السابق هو عبارة عن عتبات حضارية تطورت مرحلة بعد أخرى
هناك من يقول ان الإسكندر المقدوني قد جاء غازيا ومستعمرا ً ..ولكنه مقدوني ( المنطقة نفسها ) التي سادها أبناء المنطقة .. ألا يمكن أن يكون قد اجتاح المنطقة بغية توحيدها واستعادة قوتها بعد أن تقسمت الى ممالك متصارعة .. هذا احتمال لم يناقش وبنية سيئة من الباحثين الغربيين الذين يريدون فصل حضارة ماأطلقوا عليه ( الإغريقية ) عن جذورها وكل التسميات التي أطلقت على شعوب المنطقة ( آشوريين – سريان – كنعانيين ) ولا تحضرني الآن بقية التسميات هي في الحقيقة تعود في أصولها الى جذر واحد .. حتى في ظل الحكم الروماني والذي هو في أصله يعود الى المنطقة نرى أن أبناء المنطقة هم من حكم الامبراطورية الرومانية في مراحل عدة من تطورها وكانوا يضيفون على أسمائهم لقب العربي لاضافة مزيد من الاحترام على الموقع الذي يشغلونه
( قيليب العربي ) . ( جوليا جمنا الحمصية ) وأسرتها .
في نفس الوقت فقد كان هناك تمازج وتبادل حضاري مع الفرس المشتركين في العراقة الحضارية لهذه المنطقة وقد تجلى ذلك في عهد الامبراطورية العربية التي اعتمدت على عراقتهم في تنظيم الدولة وبرز الكثير من العلماء والباحثين من كافة التخصصات من أصول فارسية .
هذا التمازج الحضاري الروماني , الفارسي , العربي لم يكن وليد الصدفة بل كان يعود في أساسه الى عمق تاريخ هذه المنطقة وماأفرزته شعوبها من تطورات
حاءت الامبراطورية العربية كآخر مرحلة تطور للتاريخ القديم وكان من المقدر لها أن تطور في الثقافة والمفاهيبم وهي بدأت كذلك ( مرحلة الرسول الأكرم ولغاية نهاية المرحلة الراشدية ) التي أسست لدولة العدالة واكمال الرسالة الحضارية باعتبارها آخر الحلقات لكنها انتهت نهاية مأساوية وبدأت المأساة باغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بتخطيط من كعب الأحبار ( الحاخام اليهودي التلمودي الذي زعم الإسلام ) مؤسسا ً لكافة الفتن التي حصلت فيما بعد ومعه من تسلل من اليهود بقصد حرفها عن مجراها الطبيعي , خاصة وإن دستورها ( القرآن الكريم ) يضم بين دفتيه كافة الأسس والقواعد والمنظومات التي يمكن البناء عليه واعتمادها كمرجعية لتكون دافعا ً قويا على السلم الحضاري بحيث تحقق قفزات انسانية كبيرة ورائعة تنظيما ً وعلما ً وثقافة ً .
لكن كل ذلك انحرف عن مجراه الطبيعي وأخصي تماما ً .. كيف ..هذا ماسنتابعه
• لنرى ونتابع مع القرآن الكريم :
• أليست الحرية هي أهم أسس العلمنة والديمقراطية وهي أساس التطور .. ؟ إذاً لنرى ماهي الحرية في القرآن الكريم :
(الحرية في القرآن الكريم)
________________________________________

فــــي مواضع كثيرة من القرآن الكريم, يتخذ من النبي الكريم نموذجا يخاطب من خلاله البشرية في تركيز واضح على الأسلوب الأمثل للحوار مع الآخر كائنا من كان هذا الآخر, مشددا على الحرية في القبول أو الرفض لمن يريد أن يؤمن بهذه الرسالة أم لا, دون تهديد أو وعيد, بل بكل لين ورفق ومحبة وحسن خطاب.
إن كافة أشكال القسر والإلزام مرفوضة قطعا كما نص عليها القرآن الكريم ويضرب الأمثلة حتى في التعامل مع الطغاة, ففي مثال التوجيه للنبي موسى وشقيقه هارون ( عليهما السلام) ورد النص التالي:
الآية .( اذهبا إلى فرعون انه طغى. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )[/ 43-44 طه.
هذا هو نمط التبشير وأسلوب الدعوة وهذه هي طريقة الحوار( القول اللين) ان هذا موجه للبشرية جمعاء ولكل من أراد أن يتبوأ موقعا اجتماعيا وسياسيا ودينيا وذلك من خلال الإيحاء بالتوجيه إلى النبي الكريم.
هذا النمط من التوجيه نراه في أماكن كثيرة من القرآن الكريم بحيث لاتكاد تخل’ سورة منه, فضرورة الأخذ بالموعظة الحسنة وإبلاغ الدعوة بالحسنى والحوار المقنع وعدم وجود وصاية لأحد على الآخرين ورفض أي شكل من أشكال العنف في هذا المجال أو غيره والأخذ بكل مايكرس منطق الحرية والتأكيد على احترام الرأي الآخر, كل ذلك ورد بصيغة الأمر تشديدا على هذه الحرية واحترامها وإلزاماُ للنبي الكريم وجميع المؤمنين بهذه الأوامر. خلافا لكل القواعد التي بني عليها النظام السياسي العربي فيما بعد وخلافا لكل افتاءات فقهائه عبر مالا يقل عن أربعة عشر قرنا, وخلافا لكافة تفسيرات غالبية هؤلاء الفقهاء المنحرفة والشاذة للقرآن الكريم ) دستور الرسالة الإسلامية المحمدية, المكتوب والموحى به ( ومنهجها الذي طبق من قبل النبي الكريم .فقد أعطى القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم الثابتة والمطابقة للقرآن الكريم الحرية ) سواء كانت فردية أم على صعيد المجتمع , هالة من الاحترام بلغت حدود القداسة , مشددا على حمايتها واحترامها ومنع المساس بها من قبل أي كان وحتى من النبي الكريم ., ولا تكاد تخل ُ سورة من سور القرآن الكريم من التذكير بهذا الحق المقدس.. أليست الآيات مقدسة .؟
فالنبي الكريم هو
رسول الله العلي القدير, وهو بشير ونذير ولا يحق له تجاوز ذلك بأي شكل من الأشكال فيكره الناس على الإيمان برسالته والمطلوب منه فقط أن يشرح ويوضح ويدعو معتمدا بذلك على أسلوب الحوار العقلاني المهذب والمنطقي واللين الذي يصل بالنتيجة إلى الإقناع المبني على الفهم والاستيعاب.
أما القسر والإلزام ومصادرة حرية وقناعات الآخرين وقمعهم بزعم نشر الإيمان وحماية الدين فهي أمور محرمة ومرفوضة قطعا بكافة أشكالها وأوجهها وبالنص الحرفي ., فالإيمان يجب أن يبنى على قناعة ذاتية من المتلقي تنبع من أسس عقلانية منطقية كي يترسخ ويندمج مع حقائق الحياة بتناغم يزيد من ترسيخه لدى المؤمنين بهذه الرسالة , وهذا ماشدد عليه القرآن الكريم وأوضحه , على عكس مانهج النظام السياسي العربي وبنى عليه أسسه القائمة على القوة والفرض والقسر والإلزام .هذا النظام الذي حمل لواء الرسالة فيما بعد زاعما الإيمان بها ومطبقا كل مايلائم استمراريته بشكل قسري وعنيف منذ ظهوره للعلن كإمبراطورية وحتى الآن وفي كافة بؤره .
هذا النظام الذي اعتمد قراءة مقلوبة من قبل أعمدته وفقهائه عبر التاريخ ونظر إلى نصوص القرآن الكريم بعيون محدودة الرؤية, قصيرة النظر مستندة على خلفيات ماكرة خبيثة ونوايا سيئة وذلك لطمس الحرية ومفاهيمها الصحيحة تعزيزا لطموحاته في السيطرة, متكئاً بذلك على وصايا فقهائه وآرائهم وفتاويهم التي تبرر كل سلوكيات السلطة والسلطان.
هؤلاء الفقهاء الذين تشبهوا تماماً بحاخامات التلمود ونهلوا منهم, تدعمهم بذلك قواعد شاذة أطلق عليها فيما بعد صفة (الأصولية) زورا ً وبهتانا ً والأصولية منهم براء لأنها تعني العودة للأصول والمنبع الرئيسي أي الالتزام بالمنظومة الأخلاقية قولا ً وعملا ً وليس دفنها لحساب الشكليات المزيفة والمنافقة .
إن الله عز وجل يخبرنا ويذكرنا في أكثر من مقام ومقال وحسب نصوص(آيات) القرآن الكريم أنه قادر على أن يجعل الناس جميعا أمة واحدة مؤمنة, لكنه ومن خلال الحرية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد وإسباغ هذه الهالة من الحماية عليها والتي قاربت حد القداسة, أفسح المجال واسعا لكل إنسان في استعمال هذه الحرية كي يكون الإيمان نابعا من قناعة ذاتية وكذلك أية قناعة أخرى معاكسة كانت أم متوافقة وإلا كيف يمكن تطبيق مبادئ الحساب من ثواب أو عقاب على قدر التقى والإيمان أو الكفر والإنكار ومخالفة حقائق الطبيعة والكون . وكيف يمكن لنا أن نلمس أثار الالتزام بقواعد الحياة من عدمه وهذا ماسينسحب بآثاره على الفرد والمجتمع على حد سواء,وكل على قدرعمله.
إذاً فبدون تحقق شرط الحرية لايمكن مناقشة موضوع الإيمان ولايمكن الحديث عن الحساب.
{ ولنستعرض هذه الآيات كما وردت في القرآن الكريم }
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير ) 13 الحجرات
( فمن شــاء فليؤمن ومن شــاء فليكفر ) 29 الكهف
( ولو شــاء لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام
( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) 118 هود
( ولو شاء الله ماأشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) 107الأنعام
( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى ) 15( الإسراء
) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام
) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ماأشركنا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين 148 - 149 الأنعام .
* ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين *99 * يونس
* لااكـــراه في الدين قد تبين الرشد من الغي * 256 البقرة
*وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أء سلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين والله بصير بالعباد * 20 آل عمران.
* وما أرسلناك عليهم حفيظاًأن عليك إلا البلاغ * 48 الشورى
* وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * ) 56 الفرقان
* أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) 43* الفرقان
* إن أنا إلا بشير ونذير لقوم يؤمنون * ) 188 الأعراف
* إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل * 12 هود
*قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) 49 * الحج
* إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) 50 * العنكبوت
* إنما أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) 119 * البقرة
* وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 105* الإسراء
* إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) 45* الأحزاب
*وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28* سبأ. هكذا يتضح تماما مفهوم الحرية كما كرسها القرآن الكريم فكيف بعد ذلك كله نجد من ينصبون أنفسهم أوصياء ووكلاء على الناس ويوزعون الكفر والإيمان في كافة الاتجاهات ويفتون بتكفير الغير أفرادا وشعوبا مبررين القتل والمجازر وكافة انتهاكات حقوق الإنسان , أليس الله عز وجل هو الوكيل على الناس ( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل * الآية أعلاه . ومع ذلك هناك من جعلوا من أنفسهم وكلاء على الرغم من أن هذه الوكالة حرمت على الرسول .
صحيح أن كل شيء يخضع لمشيئة الله عز وجل ولكنه تعالى يخبرنا بالنص أنه قادر على أن يجعلهم كافة مؤمنين أو مشركين .. فلماذا لم يفعل ذلك ويجيب (عزوجل (إن لله الحجة البالغة في ذلك ) كما رأينا في الآيتين 148 - 149 من سورة الأنعام .
وهنا تتضح الغاية التي ألمحنا إليها وهي أنه ( تعالى ) لو جعلهم يؤمنون جميعا أو يشركون جميعا كيف يتأتى بعد ذلك تطبيق مبادئ الثواب والعقاب وأين نذهب بقاعدة ) ولاتزر وازرة وزر أخرى ( ثم والأهم ماهو دور العقل الإنساني في مناقشة مايعرض على الإنسان ليتوصل الى استيعابه وتكوين قناعته الذاتيه .
والواضح هنا بشكل جلي إن مبدأ العقاب والثواب يستند إلى حرية الاختيار واتخاذ القرار والإرادة الحرة الواعية في ذلك , وهكذا ذهبت القوانين الوضعية وإلا فما الحاجة إليها أصلا إذا لم يكن للإنسان يد في تصرفاته وسلوكياته أو مكتوب عليه ارتكابها منذ الأزل كما ذهبت إليه بعض الاتجاهات الفكرية الدينية , إذاً لأصبحت حتى القوانين الوضعية تدخل في خانة الكفر والإلحاد لأنها وفق هذا المنطق مخالفة لمشيئة الله .
من جانب آخر فان النص كما رأينا يؤكد أن الله تعالى لم يفوض أحدا بمن فيهم الأنبياء والرسل بإلزام الناس في اعتناق الرسالات والإيمان بها , فلا إكراه في الدين بعد أن تم توضيح الخطأ من الصواب والحق من الباطل والرشد من الغي , وعلى الإنسان أن يختار أي من النجدين وبالتالي فهو المسؤول أمام الله تعالى عن هذا الاختيار وهو الذي يتحمل نتائج خياراته لوحده دون غيره .
إن فرض احترام الحرية إلى هذا الحد يقطع الطريق على أي كان البحث في قضايا الكفر والإيمان لأن هذا من اختصاص الله تعالى وحده والفصل فيها محصور به تعالى ولا يوجد تفويض لأحد بذلك.. و ( هلا شققت على قلبه ) .؟
والواضح أن قضية الكفر والإيمان مرتبطة بالعلم والجهل, لذا فإننا نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحرض العقل الإنساني على التفكير والبحث والاستقصاء, وبالتالي فانه يتوجب على الإنسان الفرد وحده أن يقرر موقفه بكامل حريته واختياره. . هلا لاحطنا التشديد على حرية الإنسان الفرد قبل كل دساتير العالم الحالي بما يزيد عن اربعة عشر قرنا ً
مع ذلك ووضوحه وضوح الشمس في رابعة النهار, فقد صودرت الحرية تماما وتعطلت الإرادة والتي هي أساس الحياة وأساس رقي المجتمعات وتطورها وحجر على العقل تماما, بأيدي من وصفوا بالفقهاء ( أقصد فقهاء السلطات الظالمة ) الذين نحوا كل هذه النصوص القرآنية الملزمة بإحترام الحرية جانبا تحت زعم الكفر والإيمان وحماية الدين من الضلال والكفر شاهرين تهم التكفير والزندقة بوجه كل من حاول استعمال العقل والمنطق والتمسك بحقائق الحياة وقواعدها الثابتة واختلف مع منطقهم المخالف للعقل وللنص ومع تفسيراتهم المنحرفة والشاذة ومع سلاطينهم سلاطين الجور والظلم, مصححين لله ورسوله الكريم بما افترضته أطماعهم ونزعة خدمة السلطان الجائر وتبريرا ً لكل سلوكياتهم المنحرفة للتأسيس لإمبراطورية قائمة على الفتح المسلح ونهب ثروات الشعوب واستعبادها تحت شعار نشر الإيمان !!! وأي إيمان ؟؟؟
إيمان السلاطين وآلاف الجواري والإماء والعبيد والخصيان وتكديس الثروات والذهب وتوزيع الاقطاعات على قادة الجند وبناء الأمجاد الشخصية إنتقاماً., والتي ارتدت على الأمة أحقادا وردود أفعال وتقسيم جرى فيما بعد إنتقاما وحصدتها الأجيال اللاحقة., فعندما سنحت الفرصة لهذه الشعوب ولهؤلاء الخصيان المستعبدين ارتدوا على مستعبديهم السلاطين ليسيطروا على الإمبراطورية ثم اجتاحوها انتقاما , ولو كان هؤلاء الفقهاء وسلاطينهم مؤمنين بالرسالة التي رفعوا لوائها زورا وبهتانا لتابعوا نشرها وفق أسلوب رسول الله (ص) المبني على الحوار الذي يؤدي إلى الإقناع والاقتناع باللين والمحبة
( ولدخل الناس في دين الله أفواجا ) برضا وقناعة دون الحاجة للفتح المسلح فالناس تهتم بما تراه من نموذج التطبيق على أرض الواقع وسلوك المؤمنين بهذه الرسالة فان كان مطابقا لمضامينها ومنها مضمون منظومتها الأخلاقية أخذوا بها وأسرعوا إليها فاتحين قلوبهم , أما الفتح المسلح فانه قد يخضع الشعوب لبعض الوقت, لكن هذه الشعوب ستنتظر الفرصة السانحة للاقتصاص والانتقام من خلال الانقضاض على الإمبراطورية وهذا ماحدث فعلا ً.
إن المدقق في التاريخ عبر مايقارب الأربعة عشر قرنا يلمس هذا الانحراف الرهيب عن مضامين الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية بحيث أن الابتعاد والانحراف كان يزداد بخط تصاعدي مع مرور القرون , ففي الوقت الذي كان يجري فيه دفن أسس هذه الرسالة وأهدافها النبيلة ومنظومتها الأخلاقية التي بنيت عليها كما حفظها لنا القــرآن الكــريم , كان هناك فكر بديل منحرف, مشوه يتنامى ويجري ترسيخه برعاية سلطة الإمبراطورية وفقهائها التي نشأت تحت عباءة الرسالة ورفعت لوائها زورا وبهتانا.
هذا الفكر المنحرف اعتمد أساسا على إعطاء الشعائر الأهمية القصوى دون المضمون وأضاف وابتدع شعائرا ً أو تفصيلات معقدة لهذه الشعائر جرى نسجها بكل صبر وأناة بأيد ٍ ماكرة ..مجرمة ابتدعت المزيد من التجزئة لها مترافقة بوجهات نظر جديدة تثير الجدل العقيم مع كل تجزئة تظهر وهكذا دواليك بمتوالية هندسية لانهاية لها.
إن الخلافات وتعدد وجهات النظر حول أساليب تطبيق الشعائر قد أسس لخلافات أعمق وأبعد تأثيرا كانت كلها بفعل السلطة وتخطيط فقهائها, سميت فيما بعد مذاهبا وألصقت بأسماء لاعلاقة لها بها وهذا ماسنراه فيما بعد.
( يتبع )