وجهة نظر ( هكذا نفهم العلمانية ) 4
( عدد القراء لهذا الجزء في المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية بلغ حتى مساء 10/6/2006 ( 5740 ) .
*****************
مع اضطراري لتأخير البحث في مفهومنا للديمقراطية مفسحا ً المجال لفهم العلمانية وفق منطوق الدين ( النص المقدس ) في عملية تبادلية وكما قلت في الجزء الثالث فإننا ومن خلال البحث في العلاقة بين العلمانية والدين ( أقصد الدين الصحيح والسليم ) وباعتبار أن القرآن الكريم هو دستور الرسالة المحمدية الإسلامية فإن ضرورة البحث تقتضي منا محاولة قراءته بالشكل المنطقي اعتمادا ً على فهم اللغة العربية دون الاتكاء على مرويات سابقة وحوادث لاندري مدى دقتها هذا اذا لم تكن مختلقة ..دون الخوض في تأويلات ومرويات ألبست في السابق ثوب القداسة بمستوى القرآن الكريم والكثير منها هي قصص ومرويات جادت بها العقول في حينه ضمن حدود الوعي المتوفر ( ولسنا ملزمين سوى بقصص القرآن الكريم واستنباط الحكمة والهدف منها ) أما تلك المرويات التي أدرجها بعض الفقهاء لاتلزمنا في العصر الحالي بعد أن قفز الوعي قفزات واسعة جدا ً وهذا الكم من المكتشفات العلمية وأدوات البحث والتقصي والاثبات المتطورة والمتيسرة .عذرا ً من القاريء لوجود تكرار في بعض الفقرات مع (اشارات تاريخية عامة )لابد منه لنتمكن من متابعة الموضوع بترابط متسلسل ومنطقي ( ملاحظة مهمة ) إن التوسع في الجانب المقدس يلزمنا به البحث لتأكيد علاقته بمفهومنا للعلمانية وربما اكتشفنا أن العلمانية الصحية كامنة في رحم المقدس بعيدا ً عن تعصب عنا وتشدد هناك .. وعلى من يريد أن يفهم المقدس وخاصة
( القرآن الكريم ) أن يخرج نفسه من أية حالة مسبقة الصنع ( مذهبية أو طائفية أو أية آيديولوجية أخرى ..متسلحا ً باللغة وقواميسها ثم يبدأ بمحاولة التعامل من النص القرآني والأفضل حسب تسلسل نزول سوره .
(العلمانية والدين ..الحامل والمحمول ).
لو تمكنا من تعرية الدين من الشوائب وإعادته إلى أساسياته كما ظهرت في البدء لتبين لنا أنه مجموعة من القيم الأخلاقية ذات البعد الإنساني بالمطلق مستنبطة من الواقع السائد في حينه بشكل تنسف أسس ذاك الواقع وتؤسس لنقله إلى مستويات حضارية مفتوحة وهذه الأخلاقيات هي ( المنظومة الأخلاقية ) المشتركة بين كافة الرسالات والفلسفات ذات البعد الإيماني بإنسانية الإنسان واحترامه وإن أخذت في بعض الأحيان أشكال طقوس وشعائر ظاهرة وشكلية كتعبير عن تسليم بحقيقة هذه المنظومة وأحقيتها , لكن الغرق في الشكليات والطقوس بمرور الوقت أبعد رفع سوية الإنسان من حيز التداول لحساب استعباده واسترقاقه باسم الإله الذي لايمكن (لقاؤه) ليحل رجال الدين والسلطة والمستبدة مكانه بتفويض مزعوم .
هنا ودون الخوض في التفاصيل التي طرقها الكثيرون منذ عشرات بل ومئات السنين يمكن القول بأن أي زعم بوجود تناقض بين الدين والعلمانية هو قول لاأخلاقي كاذب غايته إبقاء المجتمع تحت سيطرة القوى الانتهازية سواء كانت دينية متشددة أو ليبرالية منحرفة زيفت العلمانية ومفاهيمها وظهرت بمظهر المستجيب لاستفزازات القوى الدينية المتشددة فاختارت ردة فعل شاملة طالت الدين بكل مافيه ولاأعتقد أن هناك علماني يفهم العلمانية بشكلها السليم قد يقف أي موقف سلبي من الدين بالمطلق لأن الطرفان ينشدان العدالة والرقي بالإنسان بصفته الكائن الأرقى والأسمى على وجه الأرض .
إن الوقوف بوجه انحراف بعض رجال الدين وربما غالبيتهم لايعني الوقوف بوجه الدين
ولكنه في حقيقة الأمر يعتبر دفاعاً عن النهج السليم للدين والحفاظ عليه ضمن بوتقته الأخلاقية الإنسانية . أما إظهار الموقف من رجال الدين على أنه من الدين كله فهذا يعني بالتأكيد الإعتراف باستيلاء رجال الدين على الدين وهذا غير صحيح . إن هذا ما يجب توضيحه وإفهامه للشارع حتى لا يبقى ضحية الخداع والنفاق والانتهازية التي يمارسها مستغلي الدين ..أي دين .. وبالتالي الاستغلال والاستعباد الذي ما انفكوا يدفعون به إلى البقاء تحت مظلته واستغلال مشاعره .
إذا اتفقنا مع المتدينين المتشددين على وجود نص مقدس فإنه يتوجب أن يكون هو المرجع والحكم لاستنطاق ممارسات رجال الدين وطريقة تعاطيهم مع النص , وبالتالي فإن كل تأويل سابق لهذا العصر للنص قد لا يتطابق مع حقيقة وروح النص وتصبح محاولة فرضه على المجتمع في هذا العصر هي عملية فرض لمفاهيم وتصورات إنسان عاش قبل عدة قرون ودمج مفاهيمه التي تنبع من مصالح خاصة أساسها ممالأة السلطة وتبرير استبدادها وظلمها الأسود .
أقول دمجها مع النص بتأويله الغير صحيح والمتخلف عن مفاهيم العصر الحالي وتطور المجتمع وبالتالي يكون قد خلق اله جديد يفرض على المجتمع وهكذا تتعدد الآلهة ( التي حظرها الدين ) ويمهد هذا القديم الذي يحمله الجديد على ظهره ليفرض نفسه على الناس كإله مستنسخ عن ذلك القديم وبلباس قد يكون جديداً.
هذه هي الحقيقة التي تطل علينا في هذا العصر وبشكل مكشوف وقبيح تريد أن تحل محل التطور والتفاعل مع مستجدات العصر وعلى الأخص الايجابية منها قاطعة الطريق عليها أو معرقلة لوصولها قدر الامكان .
عندما يتبنى مثقف ما أو فئة متعلمة أية مفاهيم للمقدس بالمطلق سابقة على هذا العصر ومغرقة في القدم ثم يحاول إعادة ضخها مجددا ً معنى ذلك أنه لم يعمل العقل في محاولة فهمها والتفكير بها مجددا ً وفق ما وصل إليه من ثقافة وسعة إطلاع فهو وفي هذه الحالة يقف ضد التطور المنطقي والايجابي للمجتمع كما إنه ينتظم ضمن صفوف مجموعات انتهازية تريد أن تفرض نفسها على المجتمع متوسلة مفاهيم متخلفة عن المقدس وإن اتكأ على العلمانية في بعض الجوانب , وهو الأمر الأسهل .- في العودة إلى المقدس يتأكد لدينا أنه طرح كل شيء للنقاش وطالب بالفهم الصحيح كخطوة أولى نحو الإيمان ولم يتشدد المقدس إلا في الجوانب الأخلاقية ضماناً لتطور المجتمع الايجابي , لأن المنظومة الأخلاقية إذا اعتمدت كأساس لأية نظرية أو مفاهيم سياسية واقتصادية وثقافية من شأنها دعمها وتوفير القبول بها بين الناس كون الإنسان بفطرته يميل إلى الالتزام بالجانب الأخلاقي للحياة وما هذا الانحراف الذي نراه إلا بسبب نمو النزعات الأنانية وتعقيدات الحياة المادية وسيطرة الشكل على المضمون والواقع أن كل انحراف وقيم سيئة معادية للأخلاق لا تظهر إلا في محيط من التشدد والظلم والقهر وفرض إرادة الغير ( سلطة أم مجموعات أم أفراد ) ومفاهيمهم على المجتمع بالقوة .
إن القهر والظلم بأي شكل جاء ينتج القيم الدونية الساقطة وعلى رأسها الانتهازية والنفاق بدافع البحث عن السلامة والحفاظ على الحياة وتصبح الأقوال عن الأخلاق والمنظومة الأخلاقية لديه مجرد شكليات ونفاق وتعبير عن حالة نقص . أما المجتمع أو الفرد الذي يعيش مناخ الحرية الصحيحة المتلازمة مع التعليم فإن الميل لديه يكون واضحاً باتجاه القيم الأخلاقية النبيلة .
إن الفرد الحر الذي يعيش ضمن مجتمع يضمن له هذه الحرية ويضمن له حقوقه
(في ظل قوانين تتشدد في صيانة هذه الحقوق) , هذا الفرد وان أخطأ وانحرف نجد أن لديه القدرة للعودة التلقائية باتجاه الحياة الأخلاقية واستعداد تلقائي لدفع ثمن خطأه وانحرافه بحق المجتمع . هنا بالتحديد يمكن دراسة حالته الفردية التي تسببت بهذا الخطأ والانحراف دون البحث في المبررات واتهام المجتمع ككل مع احتمال وجود خطأ ما في القوانين وفي المجتمع , وهذا مانجد الحرص على بحثه ودراسته في المجتمعات العلمانية الحرة . على العكس فان الخطأ والانحراف في المجتمعات المتشددة والأنظمة القاهرة , الظالمة . قد تجد له لائحة طويلة من المبررات تبدأ من ميل هذا المجتمع إلى اتهام الإله وإسناد الانحراف إلى قدر مكتوب وذلك بقصد الهروب من المسؤولية ورفع التهمة عن المتسبب الحقيقي ( النظام والمجتمع ) ومع ذلك يحاسب الفرد بقسوة من قبل الأكثر انحرافاً وصانع الانحراف تحديداً الذي يتحكم بالمجتمع .هذا واقع أكيد يفرض علينا كمجتمعات أن نعيد قراءة كل شيء بعقل واع متفهم ونظرة سليمة لعلنا نتمكن من فرملة انحدارنا المريع هذا والذي أصبح أمثولة العصر .
عندما يُقرأ الدين بالشكل الصحيح وعبر المقدس نرى أنه يقودنا إلى الحياة الأخلاقية بكافة جوانبها ولم نرِ فيه أي تشدد في تطبيق الشكل وقد اعتمد الشكل والشعائر في الأديان بقصد الحفاظ على سلامة الحياة الأخلاقية والتذكير بها واستمرار إبرازها حية لدى الناس بحيث لا تغيب عن الذهن لحظة واحدة واقترانها بحرية الإنسان في الإيمان من عدمه دليل أكيد على إمكانية فهم التطورات التي تطرأ على المجتمعات ورؤية مسبقة لهذه التطورات الحضارية في حينه وما تستتبعه من نمو الوعي الإنساني . إلا أن التشدد في تطبيق الشعائر قد قلب الآية وأضاع المفاهيم والمضامين الأخلاقية .( الشكل على حساب المضمون ) . ولما كانت علمنة المجتمع مرحلة متقدمة من مراحل الوعي فإنها لايمكن أن تتعارض مع الدين , ولكن استعمال قوى السلطة عبر العصور للدين بالتحالف مع رجال الدين هو الذي استدعى المطالبة بإبعاد رجال الدين عن فرض طريقتهم في حكم المجتمع ودمج مفاهيمهم بالقوانين وتبين أن ذلك يوفر الحفاظ على نقاء الدين وسلامته وليس العكس كما يشيع الديماغوجيين والميكافيليين المتشددين من رجال الدين .
• السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل دخلت العلمانية في صراع مع الدين في منطقتنا أو في العالم الإسلامي ..؟
- من الواضح أن العلمانية بمفاهيمها ومضامينها لم تدخل على الإطلاق في أي صراع مع الدين ومفاهيمه الحقيقية ولكن رجال الدين وتحديداً المتخلفين والمتشددين والانتهازيين المنافقين منهم هم من دخل في هذا الصراع لدرجة أنهم شخصنوه بمواجهة أي علماني .. لأن العلمانية لم تقترب إطلاقا من الدين بحقيقته ومضامينه في أي خلاف لابل أنها حمت مفاهيمه الأخلاقية وأبعاده الإنسانية وشجعت على إبرازها وتنقيتها من الشوائب التي أهالها عليها التشدد الغبي أو الخبيث والانحراف المقصود . . وبهذا يثبت هؤلاء المتشددون أنهم أعداء الدين السليم على حقيقته ولم يكونوا في يوم من الأيام معه أو مدافعين عنه ..متسترين بالشكليات والشعائر التي بالغوا فيها عن قصد لتشويه الدين والحلول محله ومحل الأنبياء والإله .. وهذا ما نلمسه من خلال صفات الرهبة والتقديس التي ينتحلونها ويسمون أنفسهم بها . . ولجوئهم في الكثير من الأحيان إلى العنف لإسكات الأصوات الشريفة والصادقة والتي تملك المقدرة على الإضافة لوعي المجتمعات وتسريعه وتوسيع أفقه . الأمر الذي يضر بمصالحهم وجشعهم ومصالح الأنظمة التي تستخدمهم كمخلب القط في الكثير من الأحيان وبمواجهة العلمانية التي هي في حقيقتها تعبيرا ً عن الوعي المتقدم .
في الجزء الثالث تحدثت عن الحرية كما جاءت في القرآن الكريم موردا ً آيات ثابتة وواضحة من غير الجائز الخروج عن فهمها السليم جريا ً وراء تأويلات لايقبلها المنطق والعقل أو تنقيبا ً في بطون الكتب الصفراء بما حوته وفق وعي زمنها الذي دونت فيه والتي أثبت الزمن وتطورات العصر مجافاتها لوعينا الحالي واشباعها بالخرافة والجهل بالعالم المحيط .
إن الحرية هي أهم الأسس التي يبنى عليها أي فكر متقدم ومناخ الحرية هذا هو الذي يفرز النظريات الانسانية الطامحة للتقدم بالانسانية نحو عتبات أكثر تطورا ً
هذه الحرية التي يقدسها الاسلام بحسب نصوص أو آيات القرآن الكريم .. هي نفسها التي ترفعها العلمانية الى مستوى المقدس وتحرم المساس بها وتقف حارسة لها . • إن العلم هو وليد العقل الإنساني الذي يتساءل ويبحث وينقب ويستقصي ويكتشف وبدون مناخ الحرية فإن هذا العقل سوف يتعطل ويختنق معه الإبداع والقدرة على فهم الحياة بكل مافيها من تنوع والبيئة والمحيط والكون . وهو تمام ماهدف إليه القرآن الكريم ضمانا ً لترسيخ الايمان والدفع بالانسان الى مستويات متقدمة بشكل دائم ومستمر .
• لنرى .. ماهو وضع العقل في القرآن الكريم وكيف تعامل معه النص المقدس كون العقل بدون مناخ الحرية يصبح بلا أية قيمة .
( القرآن الكريم وخطاب العقل )
كما أشرت سابقا فان قضية الكفر والإيمان مرتبطة بالعلم والجهل, لذلك فإننا نلاحظ أن الكثير من الآيات القرآنية تحرض العقل الإنساني على التفكير والبحث والاستقصاء, منتهية بعبارات مثل:
(يعقلون, يتفكرون, يتدبرون ) نورد قسما منها على سبيل المثال لا الحصر:
( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) الروم 24 كذلك الرعد 4
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) 24 محمد
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) 42 الزمر كذلك الروم21
( والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) 12 النحل.
( ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ) 35 العنكبوت.
( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) 28 الروم
( وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ) 5 الجاثية.
( والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) 2 البقرة.
( ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) 191 آل عمران .
( يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) 3 الرعد.
( لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) 44 النحل
( فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) 69 النحل.
( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) 21 الحشر.
( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.190 – 191 آل عمران. *********
( لاحظ كيف يتم الربط بين الآيات أو (الأدلة والبراهين ) وبين العقل وواجب البحث والاستقصاء أو التفكر والتدبر ). مع ذلك هناك من حجر على العقل واستهان به ومنعه من التدبر والتفكر كما أمر النص المقدس .. (مفسحا ً في المجال لتخاريفه هو لكي تحتل مكان المقدس ) . هذا واقع مازال التشدد يتمسك به في أبشع أنواع المخالفات من ضمن مخالفاته الكثيره لحقائق الحياة والكون والوجود والنص الذي يزعم الإيمان به .
إنه خطاب واضح لأصحاب العقول (أولي الألباب) وكل الناس كي يستعملوا عقولهم جيدا ويتعاملوا بشكل سليم مع حقائق الكون والطبيعة والمجتمع ودراسة القواعد العلمية التي أوردها القرآن الكريم إن تلميحا ً كان أو تصريحا ً . وليس كما فعل فقهاء السلطة على مر العصور فانتحلوا لأنفسهم صفة العلماء وغرقوا في انتاج أحكامً ولوائح طويلة من الحرام والحلال والحسن والمكروه ومكروهات الوضوء والصلاة ومستحباتها بحيث فاقت في حجم ماكتب فيها أضعاف مضاعفة بما لايقاس من القرآن الكريم وكلها من ابتداعاتهم ومن خارج النص المقدس ثم حشروها ضمن معاني النص وباجتهادات ماأنزل الله بها من سلطان تجنح باتجاه الخرافة وأهوائهم وسلاطينهم بعيدا ً عن العلم المطلوب ( فلسفة – طب – رياضيلت – فلك – قوانين الفيزياء ) ..الخ ووصفوا هذا النوع من العلماء بالزنادقة على عكس مانهج عليه القرآن الكريم وبعد أن انتحلوا لأنفسهم صفة العلماء والراسخون في العلم ..ثم حجروا على العقل الانساني وحاصروه بحدران سميكة من رؤيتهم المخالفة لأبسط البديهيات ليرسموا صورة مرعبة عن الإله الذي أظهروه وكأنه يتصيد أخطاء البشر ليذيقهم أهوال العذاب بما تفتقت عن رسمه عقول سادية منحرفة متجاوزة على الغفور الرحيم الذي يحب الانسان ويكرمه على سائر مخلوقاته وحصروا كل الآيات ضمن هذا المحيط .. صارت الآخرة مجرد تعليق من الأقدام والأثداء وتغطيس في القار المغلي وسمل العيون . وصار الموت مرعبا ً ورسمت صورة أكثر بشاعة ً عن عذاب القبر وكأن الملكان هما من عسس السلطة ومحققيها وجلاديها..الخ تماما ً كما فعل الحكام بمعارضيهم وهكذا تمكنوا من اخصاء سلسلة تطور الوعي الطبيعي وقطع العلاقة مابين جذور ثقافتنا والتي كانت الرسالة الإسلامية بقواعدها الراقية النبيلة هي المحطة والقاعدة الأخيرة المهيأة للقفزة الانسانية المطلوبة على درب الرقي والحضارة . نعم لقد برز علماء في كافة فروع العلم في أوج قوة ورفاهية امبراطورية النظام السياسي العربي قدموا انتاجا ً للبشرية أسس لانطلاقتها لكن هؤلاء وكما قلنا كان فقهاء السلطة يرون فيهم مجرد زنادقة وكان النظام يريدهم من خلاله .
قد يقول قائل أنك ترسم صورة سوداء وتتنكر للإيجابيات وهنا نسأل ( أليست النتائج وليدة المقدمات )..؟ ماهي عليه حالنا اليوم ..؟ لطفا ً لاتنظروا الى القذى في عيون غيركم وتتناسوا القشة في عيونكم .. وإذا لم نقر بسلبياتنا فإن انتقالنا خطوة واحدة إلى الأمام يصبح عاشر المستحيلات وليس رابعها . نعود للمتابعة مع عنوان هذا الجزء فأقول .
أنه من البداهة المنطقية أن نفهم وكما سبق وقلت أن المعنى المقصود بلفظة (الآيات) هو
( الأدلة والبراهين ) والدليل والبرهان لايمكن استحضارهما إلا لفهم كيفية حصول وقائع مادية محددة محسوسة وملموسة تأكيدا ً على صحتها ودقتها. والأهم من ذلك في هذا المجال أن القرآن الكريم وقبل ماينوف عن أربعة عشر قرنا ً قد حدد بدقة وقبل أن يعرف العالم أية معلومات عن الكون المحيط بنا أن لكل من الكواكب والأجرام والمجرات مدار محدد لا يحيد عنه :
[COLOR="DarkOrange"]* والشمس والقمر كل في فلك يسبحون * 33 ألأنبياء
[COLOR="DarkOrange* ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون * 40 يس . [/color]أليس في هذا تحريضا ً على دراسة قواعد وقوانين حركة الكواكب .
إن الوصول إلى الحقيقة في هذه الحالة وتطبيق الدليل على الواقعة أو الحدث المطلوب إدراكه ليتحول إلى دليل أكيد ( آية ) يتطلب عملية عقلية معقدة متسلسلة ومنطقية تصل إلى النتيجة التي هي الواقعة الموجودة بين أيدينا وبذلك يتيسر فهمها والبرهنة عليها مجددا ثم الانتقال نحو وقائع أكثر تعقيدا وهكذا دواليك .
إن صانع الحدث أو واضع قوانينه أو مكتشفه في الواقع هو الأكثر قدرة في البرهنة على النتائج التي حصلت والموجودة بين أيدينا إلا أن المعلومة السهلة المنال تسقط أو تضعف دافع البحث فيها أو حتى التفكيربأسسها وقواعدها ( وهذه حالة إنسانية معروفة ) , وهنا يكون المطلوب عكسيا كما في القرآن الكريم فإن فهم الحدث وتتبع أسبابه تؤدي للوصول إلى صانعه وقدرة صانعه أو على الأقل تفهم القاعدة التي بني عليها الحدث وهذا هو المطلوب تماما من إيراد عبارات تحريضية مثل ( ألا يتفكرون , ألا يعقلون) ...الخ
وهنا نتساءل: طالما أن القرآن الكريم يبين لنا أن كيفية النظر إلى كل شيء تكون بعقل علمي منفتح وبتسلسل منطقي ومتدرج يقودنا بسلاسة الى فهم الواقعة أو الحدث أو النتيجة وخاصة في الكون المحيط بنا وحقائق الحياة والطبيعة والمجتمع وفهم قوانين الفيزياء والكيمياء ومبادئ الجاذبية وقوانينها وقوانين الحركة .. وحركة الأجرام السماوية واكتشاف دوران الأرض وكيفية تعاقب الليل والنهار وتبدل الفصول وكل مايتعلق بالكون والمجرات وذلك منذ ماينوف على الف واربعماية عام, فما الذي منع من الاستمرار في درا سته في حينه وفق هذا المنطق العلمي ومتابعة تطوير هذه الدراسات ؟؟؟ ولو تمت المتابعة منذ ذلك الوقت لوصلنا إلى الإجابات الدقيقة عن كل ذلك قبل كافة الأمم ولوصلت البشرية إلى مراحل مذهلة في الكشف فاقت ما هي عليه الآن بمراحل بعيدة لايمكن تخيلها. ولكن الذي حدث أن كل ذلك قد انقلب رأسا على عقب , فلماذا حدث ذلك ؟ وماهو السبب .؟
يجب ألا نستغرب الآن رؤية من يقلب يديه تعجبا ويكتفي بترداد عبارة سبحان الله , وكفى !! , دون أن يعي لماذا يرددها , وربما ما يزال عقله يرفض الاقتناع بغزو القمر والمريخ ووصول المركبات الفضائية إلى أعماق الكون .
إن المقصود في القرآن الكريم يصبح واضحا جليا, فكلما تعمق الإنسان بمفاهيمه العلمية واستعمل عقله بشكل منهجي كلما اقترب أكثر من الخالق أو صانع الحدث وواضع قوانينه , أو الاقتراب من (الحقائق والقواعد الناظمة لها) التي تدفع به للإنتقال الى مراحل أعلى في البحث والتقصي وصولا ً إلى النقطة المركزية التي يدور حولها الكون عبر تساؤلات لاتنتهي والقرآن الكريم لم يترك صغيرة أو كبيرة في كافة مجالات الحياة وجوانبها ( الأخلاقية, الإنسانية الاجتماعية, العلمية والعملانية ) إلا وتطرق إليها مشيرا إلى أساليب التعاطي معها (موضحا حينا وملمحا آخر) إلى الحلول والسبل لفهم ما أشكل منها والأهم في كل ذلك هو التحريض على استعمال العقل بشكل سليم في البحث والتقصي والدراسة , محذرا في الوقت عينه من مغبة مخالفة القواعد المحكمة لحقائق الحياة والطبيعة والكون, كما ترك القرآن الكريم المجال لكثير من الجوانب توضحها مراحل التطور الإنساني . [/B]( هذا يقودنا الى قاعدة القضاء والقدر ) وهي حقيقة لاعلاقة لها بالمفهوم السائد كما فهمتها وسنبحثها فيما بعد
إن كل من اطلع على القرآن الكريم بعقلية منفتحة علمية, مهما كان انتماؤه ومايدين به سيكتشف مذهولا في هذا العصر كيف أن القرآن الكريم قد وضع قبل أكثر من أربعة عشرقرنا وبضعة عقود أسس الحقبة العلمية الحالية والمستقبلية في ذلك الوقت ( حين كانت البشرية غارقة في الجهل وكان بينها وبين مرحلة التنوير مسافة زمنية بعيدة جدا ) وكيف تحدث عن قواعد ومراحل خلق الإنسان والكون ونظرياتها, وبالمناسبة فإننا نتساءل عن معنى الآية الكريمة.
( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) 47 الذاريات .
يمكننا القول بإطمئنان وسندا ً الى مكتشفات العصر أن المعنى واضح فعبارة (أيد) تعني لغةً ً القوة والإمكانية أما عبارة (لموسعون) فلا تعطي أي معنى هنا غير الاتساع والتمدد. واللام هنا للتأكيد وتعني أن العملية مستمرة , وهكذا يحق لنا التساؤل: أليست هذه الآية اختصارا دقيقا لنظرية الانفجار العظيم "BING BANG" والتي تم اكتشافها واعتمادها في العقود السابقة الأخيرة والتي تتحدث عن تمدد الكون المستمر والدائم وكيفية بدء تشكل الكون .( وإنا لموسعون ) ( هذا ماكنا نناقشه منذ حوالي عقدين مع بعض المتشددين ولكن بلا فائدة ). كذلك تحدث عن حركة الشمس والقمر ودوران الكرة الأرضية من خلال تعاقب الليل والنهار وحركة الرياح والسحب وقواعد كيفية تشكلها ..الخ , واعتماد حركة الشمس والقمر في احتساب الزمن وتبدل الفصول .. كل ذلك والبشرية كانت ماتزال بعد تقف متسائلة خائفة أمام قوى الطبيعة وحركتها .. وكانت حساباتها غير مكتملة وتفتقر الى القواعد الثابته .
حتى حماية البيئة ومخالفة قوانينها التي تنعكس على استمرار الحياة على ظهر هذا الكوكب والتي نبحثها في هذه الأيام وتنشر عنها الدراسات والأبحاث ا لمطولة ..... أوضحها لنا القرآن الكريم محذرا :
[COLOR="DarkOrange"]( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) الروم 41. [/color] ألم تكن في حينه رؤية مستقبلية للتطور الإنساني المنحرف في هذا الجانب أو ذاك . وهذه ليست نبوءة أيها السادة ..هي تعني بكل بساطة أن تطور الإنسان سوف يصل الى هذه النتيجة عند تلاعبه بقوانين التطور .
والمنطق يمكننا من أن نتوقع ماسيحدث بعد عشرات ومئات السنوات القادمة اعتماداً على وعينا وفهمنا الدقيق لقواعد المجتمع والبيئة والحياة . . ولكن ووفق القرآن الكريم نعثر على قواعد موضوعة في وقت كانت فيه البشرية متخلفة وشبه عمياء .
ونضيف تساؤلات لاتنتهي .. ترى كم من الشروط التي تحدثت عنها ( سورة التكوير ) قد تحققت حتى الآن ( أعيدوا قراءتها بتمعن واعتمادا ً على فهم جيد لمعاني لغتنا وقواعدها ) وسترون أن نسبة لابأس بها قد تحققت .. لطفا ً ولكن بعيدا ً عن تخاريف فقهاء الشكليات والتفاصيل والزامنا بقال فلان ورأى فلان قبل خمسة قرون أو عشرة .. والذين لم يروا العالم كما نراه الآن وبالشكل المحسوس . وأقصد اننا نحن الأحق بالقراءة والتفسير الآن .. ولايجوز أن نسلم عقولنا لمن لو تم إحياؤه الآن لاعتقد أن الخليوي والتلفزيون والكومبيوتر يسكنهم الشياطين ..ولقد أتحفنا أخيرا ً بعضهم بشيطنة الكومبيوتر .
الأهم من ذلك كله هو ( الإنسان ) في القرآن الكريم الذي كرمه الله على كل المخلوقات وحتى الملائكة مؤكدا بذلك على صيانة حقوقه كاملة والحفاظ على كرامته وتقديس حريته التي أكد عليها كما بينا ورسخها النبي الكريم في سلوكياته وتعاطيه مع المجتمع آنذاك .
إن هذا لايعني على الإطلاق أن يكون من حقنا مع كل اكتشاف القول بأنه من القرآن الكريم وبالتالي هو لنا أو التحدث عنه ووصفه ( وكأن العالم بحاجة الى ترخيص منا كي يتابع قفزاته العلمية واكتشافاته ) ..إذا ً لماذا لم نسبق نحن الى هذه الكشوف والاختراعات بدلا ًمن حرف العلم عن وجهته والذي ظهر على أيدي العقول العربية في حينه.؟. سيقولون القوى الطامعة والاستعمار .. نعم ..نوافق .. ولكن ماالسبب أو الأسباب .؟.أليست الأسباب كامنة فينا .؟!.
لماذا نسعى للهروب من مسؤولياتنا ومسؤولية النظام الذي حكمنا طيلة هذه القرون ولماذا لا نواجه أنفسنا .؟؟. والأهم لماذا تاريخنا مقدس بكل منحرفيه وجزاريه وظالميه .. ؟ كلنا يعلم مايقال تحت الطاولة على لسان أولئك المتشددين الذين يرون أن العالم مدين لهم وأن ماعليهم سوى العبادة في تفسير شاذ للآية ( وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ِ ) 56 الذاريات . لقد فهموا أو أرادوا أن يفهموا أن العبادة تعني الاكتفاء بالشعائر وليس استعمال العقل في فهم الإله وقواعده وقوانينه التي تتطور الحياة وفقها والعمل عليها وهذه غير الحدود التي تشددوا فيها أيضا ً وحولوا الحياة معها الى جحيم .. ثم التمتع بحصيلة جهود البشرية تماما ً كما يقول الصهاينة عن أنفسهم في التلمود .!!. أليس الالتزام بالقواعد الواردة في القرآن الكريم والعمل عليها في عملية تطوير متحركة ودائمة هي من شروط الإيمان وأسس العبادة ..أم أنهم يرون ان العبادة تقتصر على الصلاة والصوم واداء بقية الشعائر التي تلاعبوا بها وجزأوها فقط . على كل حال فإن (للتلمود بحث آخر ) .
* لقد رأى النظام السياسي العربي وبكل غباء وحماقة لاتغتفر له إن ذلك كله يتعارض تماما مع عقليته الطامحة إلى الأمجاد الشخصية وبناء إمبراطورية بالقوة القاهرة إثر انهيار أكبر امبراطوريتين في حينه
( الومانية والفارسية ) أمام الفكر الجديد وبالتالي السيطرة الشاملة المطلقة القائمة على كافة أشكال الاستبداد والعنف والعسف والظلم. وبالتالي فإن الرسالة على حقيقتها تفتح وعي الناس ومع تفتح وعي الناس سوف تطرح تساؤلات جديدة لاالنظام ولا فقهائه قادرين على الرد عليها . وان القوى الجديدة الواعية التي ثقفتها الرسالة سوف تتسع وتقطع الطريق على طموحاته فكان الحل والمخرج الوحيد أمام ( النظام السياسي العربي ) الطامح لإنشاء إمبراطوريته التي بدأت ملامحها في التكون والظهور يكمن في الانقضاض على الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية السمحاء بكافة جوانبها النبيلة ليجيرها لمصلحته وخدمة طموحاته .. ( لطفا ً وبدون تشدد يعمينا عن رؤية الحقائق ) .
هـــذا النظام الذي لولا الرسالة الإسلامية المحمدية لما تسنى له الظهور وإشغال أي صفحة في التاريخ ولا حتى تكون ملامحه , فكان أن اتكأ على الرسالة رافعا رايتها في نفس الوقت الذي أمعن فيها تحريفاً وتشويهاً ودفناً لقيمها النبيلة والإنسانية الحقة , وتقزيمها لتتلاءم والطموحات الشخصية ., لكن وجود شهود الرسالة الذين عايشوا النبي الكريم وتلقوا منه مباشرة وكلفوا بنشر مبادئها والإشراف على تلقينها للناس وتوعيتهم الى غاياتها النبيلة واهتمامها بشؤون حياتهم وحقوقهم خاصة وانه لم يكن قد مضى على غياب الرسول الكريم تلك المدة الطويلة , كانوا حجر عثرة أمام طموحات النظام السياسي العربي فالتفت إليهم يغتالهم واحدا اثر الآخر مطاردا لمؤيديهم ليتخلص منهم قتلا وتشريدا وتغييبا في ظلمات السجون والزنازين .
هكذا فان أول ما يفاجيء الباحث المنصف هو أن النظام السياسي العربي قد تأسس على أسوأ أنواع الغدر والعنف فلم يوفر أقطاب الرسالة دون خجل أو حياء . وهكذا نرى بداية ً..إن هذا النظــام قد فقد أهم القيم التي يمكن أن يبنى عليها أي نظــام ســياســي.
كانت الخطوة التالية لهذا النظام تكمن في إيجاد الكاد ر البديل الذي يقوم بتبييضه أمام الناس ويسبغ عليه مواصفات القداسة تمهيدا لنشر وإرساء مفاهيمه الخاصة وقيمه المتعارضة مع قيم الرسالة وباسم الرسالة فخلق طبقة من رجال الدين أو فقهاء السلطة المستعدين دائما لشرعنه كل مايأمر به النظام مهما كانت مخالفاته فجة لقيم وأهداف الرسالة , ولي عنق الحقيقة على وضوحها مهما كانت واضعين سدا ً منيعا ً بينها وبين العلم والحقيقة ..حقيقتها .
هكذا بدأ هؤلاء ممارسة مهامهم بكل همة ونشاط لايفتر مختلقين أحاديثاً وشهوداً ماأنزل الله بهم من سلطان وتأويلات ألصقت ظلما وعدوانا بالقرآن العظيم والنبي الأكرم , كل ذلك مترافقا مع ضخ كم هائل من الأكاذيب والمرويات والتفسيرات الشاذة للقرآن الكريم , وطالما أن الشهود غائبين أو مغيبين فلم يعد هناك من يتجرأ ويرد على طوفان الأكاذيب هذا والتلفيقات المخالفة للقرآن وسيرة وسلوكية النبي الأكرم
وتخالف المنطق بكافة أوجهه لأنه سيتهم بالكفر والمروق ويهدر دمه ودماء كل من يلوذ به ومن يتورط في الدم كمن يتحالف مع الشيطان .. لاعودة له .
لقد بدأ هؤلاء بمسح كل الأهداف النبيلة والمعاني الأخلاقية الإنسانية للرسالة من أذهان الناس مرسيين بذلك أسس ثقافة منحرفة متشددة لاعلاقة لها بالرسالة مطلقا ., و هكذا أيضا بدأ التأسيس لمظاهر التعصب الغبي التي تطورت عبر مراحل التاريخ . هذا التعصب في حقيقة الأمر كان منبعه أصــــول جاهلية مرتبطة بحالات من العداوات العشائرية وتسريبات تلمودية نفذها حاخامات زعموا الإسلام تم إلباسها قسرا لباسا دينيا مع مرور الوقت.
كما ترسخت ظاهرة الفعل ورد الفعل في العلاقات داخل المجتمع لتبرز اثر ذلك أحقادا يصعب إزالتها خاصة وان القسم الأعظم من الأمــة فيما بعد بات غير قـادر علــى فرز مازرعه النظام السياسي العربي عبر فقهائه عن جوهر الرسالة النبيل وقد استمر هذا الخلط المذهل بين الشاذ والصحيح ليصبح موروثنا أكثر من معيب وأكثر من مخجل مليء بالخرافة والشذوذ عن المسيرة الإنسانية وتطورات العقل .
كل ذلك وكما أشرنا بقصد تبرير ممارسات وسلوكيات السلطة المنحرفة الظالمة متكئين في أغلب الحالات على تأويلات غريبة عجيبة للقرآن الكريم وعلى ما تشابه منه دون المحكم مخالفين تماما وبوقاحة النص القرآني الذي حذر من ذلك .
( وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات , فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ). 7 آل عمران . ثم طمسوا بعد ذلك على أوامر رسول الله بعرض حديثه على القرآن فما تطابق يؤخذ به وما اختلف يضرب به عرض الحائط . وكأني به (ص) يرى بأم العين هؤلاء الرواة الكذبة المتفقهين الذين سيظهرون بعده , يشوهون ويستبدلون ويصنعون ويغيرون ويحرفون الرسالة عن وجهتها الحقة التي أرادها الله ورسوله لها , ويحشون أدمغة البسطاء بشتى الأكاذيب والترهات والأساطير والخرافات المتناقضة تماما مع العقل والمنطق . , ولقد ذهب بعض هؤلاء المتفقهين ( فقهاء السلطة ) إلى الزعم بأنهم هـم المقصودين بعبارة ( الراسخون في العلم ) فذهبوا في افتاءاتهم نحو إنتاج التضييق الزائد والمزيد منه بمرور الوقت طال عامة الناس في أدق تفاصيل حياتهم اليومية وهكذا تجرأ الكثير ممن لاعلاقة لهم بالفقه والدين إلا من باب الشكل ليدلوا بدلوهم في مجالات كثيرة فاختلط الحابل بالنابل وقلبوا اليسر كما في القرآن الكريم إلى عسر شديد , في حين أن الرسوخ في العلم يشمل كافة مناحي الحياة والقدرة على فهم الحقائق والنظريات العلمية ويسهل على الناس معايشهم وشؤون حياتهم ويرتقي بهم , وعلى هذا بدأت تظهر التخصصات العلمية في أوج قوة الإمبراطورية العربية وفي مراحل توفر فيها هوامش من الحرية للمجتمع نتيجة ظروف الرفاهية .. لتلمع أسماء
( كابن سينا والخوارزمي والكندي )... الخ إلا أن هذه المرحلة العلمية لم تستمر طويلا بما يكفي وكانت مجرد بقع مضيئة في هذا التاريخ الأسود سرعان ما انطفأت لأن النظام أرادها من خلاله ولأن فقهاء السلطة قد حاربوهم . وهناك سبب آخر وهو بدء تشرذم الدولة العباسية ودخولها مرحلة الانهيار التي انتهت بتجزئة الإمبراطورية على أيدي الخصيان والمماليك ثم سقوطها النهائي مع بداية الفتح العثماني والذي يعتبره البعض امتداداً للنظام .
[b]علــى كل حال ليس من حقنا أن نصرخ مدللين على حضارتنا التي قمنا بإخصائها بأيدينا التي تنفذ أوامر النظام السياسي العربي بشكل متعارض مع ماأراده الله تعالى لنا ..؟ !!! فالقرآن الكريم رسالة عالمية والعلماء في أي مكان من هذا العالم هم الأكثر قدرة على اكتشاف عظمة الخالق وحقائق الكون والحياة والقواعد الناظمة لها والدلالة عليها وعلى إعجاز القرآن الكريم وليس فقهاء التفاصيل والشكليات والشعوذة الذين تزخر بهم مجتمعاتنا وليحشروا أنفسهم في ثوب ليس لهم بقصد التجارة بالدين واستخدامه لتحقيق مطامع وطموحات شخصية لهم ولذاك الحاكم شريك الإله وبديله ومنتحل صلاحياته تتسبب في تقسيم المجتمع وتجهيله وتقضي على مستقبل أجياله . • يتبع .
__________________