لم أعلم أن رحيلها سيكون سريعا ..."

لم أعلم أن رحيلها سيكون سريعًا هكذا .. لم ينبأني قلبي بهذه المصيبة ..كل الطرق أمامي بدأت تظلم و توصد أبوابها في وجهي .. ريم ..كيف رحلتي ؟ كيف أملأ كل هذه الفراغات بدونك ..كيف سأمنع آهات الحنان و الشوق من الدخول إلى قلبي ..كيف أملأ هوامش الورق بحروفك ؟
لا منفذ للنور بعدك يا رفيقة دربي ..حتى الشجر رفض أن يرقص فرحا مع تغريداتك البريئة ..سافرت سريعًا ؟ ..بالأمس كنا نتسامر و نضحك ..نستمتع بشبابنا الرائع ..نجري وراء العلم بشوق و لهفه ..
كيف هربتي لذلك العالم و تركتني وحيدة هنا ..أصارع الحزن وحدي ..و أعتصر الدموع بنفسي ..أتذكرين أشجار الليمون ..كنا نتسابق لقطف ثمارها ..أين أنت الآن هيا سنذهب مرة أخرى ؟..لن أضايقك ..عودي إلي أريد أن أستنشق نداك الساحر ..و أضمك إلى حناني ..و أخبرك عن أحزاني .. هيا لنعود للفرح مرة أخرى ..
يا حبيبة قلبي ..
لازالت تلك الكتب التي اشتريناها معا في الخزانة ..يغطيها الملل ..و تكفنها الأتربه ..رحيلك حكم عليها بالموت .. كل زاوية تفتقدك ..كل الحنايا تشتاق لكلماتك ..غربان الشؤم قررت المكوث في قلبي ..كيف سيعود لي السرور مرة أخرى ..كيف أعشق الحياة بدون حروف اسمك ..أتعلمين؟ لدي من الخوف ما يكفي أمة بأكملها ..قفي قليلا.. و انظري إلى حالي! و كأني عجوز في التسعين ..تكسيني تجاعيد الألم .. أستعد لذلك اليوم الذي يحملني فيه الرجال إلى بيتي الشخصي ..إلى حفرتي لتبدأ لي حياة أخرى .. كيف يكون ذلك ؟..أواجه الحياة وحيدة يلفني الشوق بين أحضانه النتنه ..
ريم ..القمر اليوم لم يبتسم لي كعادته ؟..إنه يفتقدك كذلك ..ألن تأتي لتلوحي له ..و تنثرين الأمل في أحشائه ..؟
يا زمن! يكفي .. إرحمني رجوك ..إرفق بحالي ..في لمح البصر يقف كل شي تقف الحياة عن الاستمرار أمام مقلتي ..إختفت ريم ؟؟؟؟..و أنا ..تركتيني أحارب لوحدي في معركة القدر ..و أنت تكتفين بتلك الراية التي تلوحيها معلنة السلام في العالم ..
أين صوتك الرنان ؟؟أذني في شوق إليه ؟ ..ريم ! ..أسَبَق و أن أخبرتك بأن اسمك في منتهى الروعة ..أتدرين ؟..لا أعلم كيف سأنام بدون أغنيتك الطفولية الرائعة..لم أعد أحس بأناملك الرقيقة تربت على كتفي ..قلبي يشتعل بل يموت ..ما أصعب أن أتعلم حروف الحياة بدونك ..آه يا دنيا ..
كيف أجد معنى للحياة في الوقت الذي أشعر فيه بأن أكواخ الحب التي بنيناها بدأت بالأنهيار ..بحثت في كل القواميس ..اجتهدت بما فيه الكفاية لأجد معنى جديد للحياة و لكن دون جدوى ..
شظايا الفراق بدأت تخترق أظلعي الرقيقة ..أنهكني البعد ؟.ماأصعبه و أقساه ..يعذبني البكاء متى بكيت ..
حناني لازال يصارع أمواج البحر العاتية ..يتوق الى احتضانك ..و تقبيلك ..و شم رائحتك ..ماذا بعد ؟ ريم ذهبت ؟
ريم ..كنا معا ندون مثل هذه الكلمات في دفترنا الماسي ..أما الآن فأنا أحاول أن أدفع قلمي للكتابة ..حتى الحروف أبت أن تسقط على السطور بدون أن تبحلق فيها مقلتيك ..
صدر الحكم مبكرًا ..كيف يحدث ذلك ؟ لم أحضر محكمة القدر ..فمكانها ليس بيننا نحن البشر ..
ريم ..لازلنا في عمر الزهور ..لم نتجاوز الثامنة عشر بعد .. لم تكملي معي دراسة سنتنا الأولى في الجامعة ..لم نجوب أجمل بلدان العالم مثل ما خططنا ..لم نستمع هذا اليوم لأغاني فيروز الصباحية ..و ندندن فرحا بالحياة ..
رحلتي بدون استأذان لتكوني أحد ضحايا الطرق ..رحلتي لتعلني للعالم بأن "الطرق "سبب في موتك ..سبب في حرمانك من الحياة التي حلمتي بها ..
أحلامنا الوردية تبخرت ..منذ ذاك الصباح البآئس الذي نقشناه بالدموع ..
و زيّناه بالنحييب و الألم ..
رفضت الطبيعة السكون ..موتك كان فاجعه ..مصيبة ..كارثة ..
كيف لي أن أرجع صباحاتنا النشيطة ..و آمالنا البريئة ..و أمنياتنا الكبيرة ..كيف لي أن أعيد ليالي السمر في أيام السنة الحالمة ..دوى صوت القدر لأن نفترق ..و كلتينا قررت أن تبني لها مملكة أخرى ..
كيف لي أن أنسى طيش ذلك الشاب ..حينما مزق أوراق مذكراتك ..و أعلن إنتهاء "حياة ريم "..شاب طائش إرتوى من التهور ما أشبع هدفه ..في ثواني فقط ..في سرعة البرق ..الموت أخذ عائلة ريم ..و أخذ ريم! ..
يا حروفي دوني ذاك الاسى ..ذاك الألم ..
الدموع لا ترجع الأموات ..و ليتها تفعل ..
ماذا بقي بعد ..بل ما الذي لم يبقى؟ ..أغلقت ديوان الوجود ..مسحت كلمات القدر ..و صرخت أمام النقاط ..لأسقط بعدها على آخر السطر ..
رحل الأحباب عني ..غرّت الدنيا شباب الموت ..في طرق نهاية الأمل ..
كيف لي أن أواجه أسوأ يوم شهدته عيني ..و أقشعرت له خلايا جسمي ..كيف لي ان أرى ريم و هي تودع حياتنا اللازوردية الرائعة .. خلاياي اعلنت الحرب ..و كونت الكتائب ..و وزعت الأدوار ..لتشن هجوم صارخ أمام "حوادث الطرق "..
ريم ..سيناريو الأحداث يعيد عرض نفسه في عيني كل لحظة ..عندما يغطوك بذاك الكفن ..يحملوك الرجال على أكتافهم ..تبكي الورود لرحيلك ..و تصرخ الأشجار في وجه غرور ذلك المتهور ..غره شبابه ليعزف سيمفونيات متقنه لمجتمعه المسكين .. تهور على أنغام بيتهوفن ..ليغلق بيانو حياته ..
ريم ..عندما يرمون التراب و يغطيك شيئا فشيئا .. عندما أبكي أنا .. في جفن الموت ننوح ..و في دموع الأحباب نغرق ..
و هم ..و جميع من يحب ريم ..كل هذا حدث في ثواني فقط ..بل لحظات .. لم أستطع فهم الحياة حتى الآن ..
كيف تحكم الطرق للبشر بالموت المحقق ..و تبني على جدران بيوتهم معنى الأسى ..و ترفرف حمامات الشوق لضحاياها ..
لم أعلم أن رحيلها سيكون سريعا هكذا ..بل لم أعلم أننا افترقنا بعد ذاك الحب للحياة ..فتشت في صناديق الذكريات ..و لم أعلم أن رحيلها سيكون بهذه السرعة ..


بقلم سما ..