الإهداء ْ /
لـ خواء ٍ تركته خلفي وأنا عائدةٌ لأرضِ الوطن !
[ لا تتبعني .. ]!
.
.
لم يكن الانتماء للوطن ِ وحده مَن جعل من سَفري / سِفرا ً آخر
للألم ، ولم يكن لرائحة ِ الوطن وحدها الأثر الأكبر في اشتياقي
لمعانقة ِ الوجوه التي ألفتها فيه !
كان شعورا ً مختلفا ً للغاية ، شعور ٌ برغبتي لأعانق كل ما كنتُ أعرف
ومَن كنتُ أعرف ، لأطبع َ على أرواحها قُبلة أخيرا ً / فلربما كانت فعلا أخيرة.
على مقعد الطائرة ، أتأمل المسافرين ، اقرأ في وجوههم فرحةَ الذهاب
والتحليق ِ في سموات ِ الله ، واقرأ في وجهي / عبر مرآتي الصغيرة
شيئاً من قلق / ربما هو القلق من مجهول ٍ أشعر أنه يمدّ إليّ أطرافه
ليعانق أصابعي ، ويرحل بي حيث لا وجود !
.
.
و ... وصلت !
.
.
في الجهة ِ اليمنى من غرفتي في ذلك المشفى المملوء بالصمت
كانت غرفة ٌ خاوية ٌ جدا ً ، كل روّادها يحملهم الموت ويذهب !
كنتُ أتساءل / كيف يكون للموتِ مكانا ً محددا ً يهرع الناس إليه
دون أن يدركوا حقيقة َ أن لا مكان للحياة ِ فيه !
مذ أن خطت قدماي أرض َ القسم الذي سأبقى فيه ِ ليال ٍ لا اعرف عددها
وأنا اشعر أن رائحة الموتِ تفوح من تلك الغرفة ، لكأنما بقيَ هنالك طويلاً
طويلاً جدا ، يبحث عن جسد ٍ آخر يذوي ليستسيغ خطفه !
لم يكن الموت ُ بالنسبة ِ لي كائناً جديراً بالخوف ِ منه ، لكنه في صورته ِ الأخرى
كائن يخطِف وجهك َ / جسدك / عينيكَ / وحتى ذاكرتك ويرحل بها ولا يعود!
ما يزعجني في فكرةِ الموت ، أني لن أبقى في وجوه ِ الكائنات بعده
ولن أغزو ذكريات ِ الشجر / الطير / والبحر كما كنتُ أفعل ، بافتخار العائد من حرب ٍِ
وانتصر !!
لم يكن قريباً بما يكفي ليلمس أطرافي بصقيعه ، ولم يكن بعيدا ً بما يكفي لأتنفس بحرية
لكنه كان خائفا ً للغاية حين أتى من أمامي ورحل ملوّحا ً لي بأن لقاءنا لم يكن مقدّرا ً هذه المرة
رحـل ، ولم يترك عنوانا ً آخر له ، ولا مكانا ً يستعيض به عن ما فاته ، ولا حتى وجها ً آخر يستعيره من البشر الآخرين !
تركني ، و تركتُ المكان َ بعده ، لأتساءل في كل خطواتي
ترى أي مكان ٍ سألتقيه ، وعلى أي زمان ٍ سنقفز المرة المقبلة ..!!
يتردد الصدى
لا تتبعني
لا تتبعني
لا ت ت ب ع ن ي!