في حقيقة الأمر لستُ من المعنيين ولا المتابعين للأمور السياسية، مذ أن ضاعت القدسُ بين ممرات الاتفاقيات ،ومذ أن بقيت في قصائد نزار ودرويش ،عليهما الرحمة ، ولا تزال باقيةُ في قصائد تميم البرغوثي الذي يحاول_وأخال أنه نجح_ في إبقاء القدس قضيّة سامعي الشعر الحقيقي في أصقاع الأرض من متكلمي العربية، وفاهميها، كما أنني لا أفقه الكثير في المسميات السياسية للسلوك الإنساني ، فهذا معادٍ للسامية، والآخر مناهض للعولمة، والأخير إرهابي ، في حين أنها جميعها مسميّات تخضع لا للقوانين العامّة بل للقوانين الأمريكية في الدرجة الأولى ، فكل مَن يختلف مع السياسة الأمريكية أو الإسرائيلية فهو معادٍ للسامية ، وكل مَن يرفض أمركة وأسرئة القوانين والمفاهيم ،فهو معادٍ للعولمة، وكل مَن يدافع عن وطنه ضدّ السيطرة السياسية الأمريكية فهو إرهابي، فحزب الله بؤرة إرهاب في حين أنه لم يفعل أكثر من الدفاع عن جنوب لبنان، وطنه ، وسوريا إرهابية لان جولانها تم تحرير بعضاً منه من أيادي الإسرائيليين ، وإيران إرهابية لأنها تتسلّح للدفاع عن أرضها ضد أي تهديد يقوده الزمن اللامضمون ، كلها مفاهيم لا أستطيع في الحقيقة استيعابها خصوصاً وأنها تتضارب والمفاهيم الإنسانية العامّة ، والتي تسير على أساسها الحياة من تقسيمات الخير والشر .
كل ما أعلاه / كان مجرّد محاولة لأبرئ نفسي من الدخول في متاهات السياسة، لأؤكد للقارئ أن المقال لا يدخل في جيوب السياسة مطلقاً .
دخولاً للموضوع/
الإرهاب كمفهوم إنساني، لا يدخل في منظومة العِرق والنسب والسياسة، بل هو فعل إنساني بحتْ،إذ أن الإنسان الذي يتعمّد إيذاء أو قتل نفس بشرية أخرى بلا سبب حقيقي وبلا ذنب حقيقي لتلك النفس يٌعدّ إرهابا إنسانيا بالدرجة الأولـى ، فتفجير البرجين منذ 2001 وحتى السيارات المفخخة في أفغانستان تُعد إرهابا حقيقياً كما أراها بعينيّ، وأفهمها من منظومةِ الإنسان الذي أعتقد أني أعي جيداً صورته، إذ أنّ المتضررين بمعظم تلك السلسة لم يكونوا جنوداً يحملون رشاشات تصوّب فوّهاتها على الأطفال والعزّل، وليسو سياسيين قادوا حملات الحرب لحيّز التنفيذ، بل كانوا مواطنين حالهم حال الآخرين وُجِدوا في المكان والزمان الخاطئ، ولهم مِن الأهل مَن ثُكِلوا عليهم لاحقاً بلا ذنب.
ما يدعوا للاستغراب في الحقيقة هو التفكير الشائع لدى البعض لدرجة تصل بهم للإيمان والمجاهرة بها
كون الذي يحمل في جسدهِ حزاماً ناسفاً ويفجّر جسده قبل الآخرين وبينهم إنما هو شهيد له الفردوس الأعلى، دون أن نتفكّر قليلاً حول نقطة قتله للأبرياء الذين أوجدهم القدر مصادفةً في طريقه إليهم هناك والقاعدة الإسلامية تقول [ مَن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ] فهل نتجاهل هذه القاعدة الواضحة لأجل مفهوم سياسي خاطئ؟ ، خصوصاً وأنه كُثر الحديث من قِبل بعض عُلماء الدين بخصوص هؤلاء المفجرين باعتبارهم شهداء ولهم جنان الخُلد ، في زمنٍ أصبحت السياسة تحرّك الدين إلى منطقتها ويسيّـر الخطاب الإسلامي بما يتوافق والسياسة الخاصة بالبلد دون الالتفات إلى أننا شعب يقدّس الشخوص لا الأفعال ويلعن المخالفين لا أفعالهم، فحديث عالم الدين فوق كل منطق، وأفعاله منزّلةً من السماءِ مع ملائكةِ الله،دون أدنى حق لنا كبشر عامّة للمناقشة والاختلاف المحمود،أو حتى السؤال المشروع عن وسيلة إقناع حقيقية للعقل الذي يتساءل عن شرعية القتل هذه، ولذلك فإن البعض يستغلّ جهل العامّة بهذا الشأن ويسيّرون عقولهم كما يفعل لاعب الشطرنج بجنوده.
حين النظر لمفهوم الإرهاب الإنساني وخصوصاً الآتي من جهةِ الشرق من عربٍ ومسلمين فإننا قد ، نفسّر هذا الفِعل البشري بأن الحِقد والذل هما المحرّكان الأساسيات لمثل هذه الأفعال ، لأنه قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة كان العرب والمسلمين أسياد العالم، تركع الشعوب الأخرى تحت إمرتها،ولها مُلكُ الأرضِ وسيادتها
فقد يبدو غضبهم كغضب الحاكم الذي تم تبديد حكمهِ على يدِ مناهضيه وأصبحَ خاوياً من السلطةِ والجبروت، فيتملّكه الحقد ويزأر، إذ أنّ الغضب طاقة هائلة للغاية حينما تتفجرّ ، وللأسف كثير منا لا يقوده غضبه إلا للهدم، رغم أن البناء هو الأولى ، فلو قادنا الغضب المتراكم في النفوس مذ أن مررنا بأحقاب الذل والاحتلال والانحناء والرضوخ لسنين طويلة منذ الوجود الإسرائيلي وحتى سقوط بغداد وما يحدث في أفغانستان والسودان والصومال وسوريا وإيران ووووووووو ، لو أننا فقط وجّهنا هذا الغضب للبناء وتطوير الذات، محاولين أن نتخلّص من عباءة العالم الثالث وعالم التخلّف لكنّا الآن حاملي راية السلام رافعي الرؤوس ومحرّكي كرة السياسة ومتطلباتها، لكن لم تكن النتائج يوما بالتمني، لأن تعاطينا معَ الأحداث لم يكن إيجابياً مطلقاً كل ما نستطيع فعله هو ما يفعله الطفل عادةً حينما يُغضبه أبواه ، فيصرخ ويبكي ، وربما يكسر بعضاً من متعلّقات المنزل والذي عادةً سيعاقب على كسرها لاحقاً مرةً أخرى ، دون أن يملك الوعي الكافي لاستغلال الغضب في تطوير ذاته أو انجازٍ يترك الأثر الكبير على محيطه.
ما يحدث في المحيط الخارجي يثير الانزعاج ، خصوصاً كلما ذهبنا للدراسة أو للسياحة أو الاستجمام في بلاد العم سام، فإن ذوي البشرة السمراء والعيون الغامقة غير مرحّب بهم في كثير من الأحيان وكثير من الأمكنة على اعتبار أنهم بؤرة الإرهاب واللانسانية ، ولأنهم معروفين هناك بسبب الإعلام وتحوير الأحداث والقصص، بأنهم يملكون عداءً واضحاً وقاتلاً في معظمهِ على الوجوه البيضاء والعيون الزرقاء، دون أن نتمكّن في أكثر الأحيان من تصحيح هذه الصورة ، فالعربي أيضاً يذهب إلى هناك حاملاً في رأسه مفهومه الخاص حول الكره الدفين الذي يكنه الغربيّ له ، فينزوي وتبقى الفكرة هي، كما تريد لها السياسة بل وأسوءْ!
على أي حال ، كل ما تحدثتُ عنه لم يكن مثيراً لدرجة أن يستفزني لكتابة هذا المقال في هذا الموضوع تحديداً ، لكن ما استفزّني حقيقةً خبر قرأته قبل فترة حول حمار إرهابي !!!!!!
هذا الحمـار فجّر نفسه في منطقةٍ مليئة بالبشر الذاهبين للسوق والعائدين منه من كبار وشباب ٍ وأطفال
وأتساءل حقيقةً هل انتقل الغضب وعدوى الانتقام للحمير أيضاً؟؟؟؟؟؟
هذا الخبر كان كالفاجعة، إذ أنه أسوء مثال حقيقي للإرهاب الإنساني، حينما كان يفجّر الإرهابي نفسه كنتُ أقول في نفسي ، على الأقل كان يحمل اقتناعاً وإن كان خاطئاً ، كان مؤمنا بقضية ما ولولا هذا الإيمان الكامل لما ضحى بنفسه لأجله ، لأن الموت لأجل قضيةٍ ما من أسمى علامات الإيمان،حتى وإن كانت القضية في معظَمها غير واضحة الأهداف أو فُهِمت بمفهومٍ خاطئ، إلا أن الإيمان يشفع لهم الخطأ
لكن حينما يقوم البشريّ بوضع متفجرات في كائن غير عاقل ليستعيض به للتفجير ، ويضحي الحمار بدل عنه لقضية لا يفقه عنها الحمار شيئاً فإنه لأمر مثير للاشمئزاز والشفقة على العقول التي تتناسل بيننا، إذ بلغ بها الحال أن أصبحت تستعين بكائنات لاحول لها ولا قوّة لتدافع عن قضيّة هم مخترعوها وأكاد أجزم أنهم لا يملكون قضيّة إلا اللهو بالموتِِ والتلذذ برؤية الأشلاء والدماء، أو ليثبتوا لأنفسهم أنهم حاملي قضية، رغم عدم وجودها في الأساس، وإلا فما ذنب الطفل الذي يساعد والده في حمل أكياس الخضار من السوق، وما ذنب الشيخ الذي يبيع الملابس ليقتات لأجل يومه ، وما ذنب المرأة التي كانت في السوق لأجل ملابس طفلتها؟ما ذنب هؤلاء لنعاقبهم بالموتِ لمجرد زعزعة ِ أمنٍ أو حقدٍ على حكومة.؟
أخالهم يعانون من عقدٍ نفسية ، هم أقرب للخبل منهم للإيمان.لأن المؤمن بقضيةٍ ما يستنفد طاقاته جميعاً في تحقيقها بأبهى صورها، وما تعلّمناه عن النبي الأكرم في تعامله مع أعداءِ الله إلا أكبر دليلٍ على كيفية الإيمان بقضيةٍ ما والذودُ عنها بالسبل المتاحة فالقاعدة ِ تقول / لا ضرر ولا ضرار!!
ما يزعجني في الأمر هو هذا الفعل اللامسؤول من هؤلاء البشر، وكيف استطاعت فطرتهم أن تسمح لهم بتقييد حيوانٍ لا عاقل بحزامٍ ناسف؟ ليتفجّر وهو في حقيقته لا يعرف لم تفجّر ولأي قضيةٍ يموت؟ حاله كحال الضحايا الآخرين الذين أخالهم يتساءلون بعد الموتِ فيمَ قُتِلوا !!
ما أستخلصه من هذا الفعل هو أنّ فاعليه ليسوا بحالة عقليةٍ متّزنةْ ، وأنهم في حقيقتهم البشعة غير قادرين على إثبات ذواتهم بالطرقِ المشروعة، أن الموت بالنسبة لهم لعبةٌ أخرى وأن الدماء والأشلاء ما هي إلا لوحةٌ فنيّة يعتقدون أنهم راسموها،دون أن يدركوا حقيقةً أن ما يحدِثونه ما هو إلا إثباتٌ واضح على غياب العقل من رؤوسهم ،وتأكيدٌ على فراغٍ يملأ جماجمهم.
مشكلة الوعي والتعاطي المنطقي للأحداث نعانيها كثيراً في مجتمعاتنا العربية، التخلّف السلوكي والفكري أيضاً مشكلة نحاول إخفاءها والتغاضي عنها وفي المقابل نتعرّض لسخرية الآخرين في كل محفلٍ ومناسبة.
الفكر الإسلامي فكر جداً غنيّ بكل مقوّمات النجاح والتفوّق إلا أننا تركناه في المساجِد وعلى المصاحف المركونةِ في غرفِ النومِ ورفوف المكتبات.
حينما أسمع عن غربيّ يرتكب جريمة لا إنسانية بأبشع صورها فإنني أتساءل ما الذي حدثَ لفكره الإنساني وكيف انحرفت فطرته؟، إلا أنني في المقابل أركّز على مسألة غياب التغذية الدينية والروحية لهؤلاء خصوصاً وأن الفراغ الدينيّ يؤثر سلباً في سير الفطرة واستمرارها في النفس، لكن حينما يفعل ذلك بشريّ نشأ على الدين وفقهِ أركانه ، فإنني أصاب بالدهشة، إذ كيف استطاع تخطّي حدود الدينِ والإنسانية ليصل لمثل هذه الممارسات؟ إذ أننا محاطون أكثر بعوازل حقيقية تمنع انغماسنا في الخطيئة أو على الأقل تقلل من حدّة وقوعنا عليها أو فيها.
الأمر يشبه في فرضيّته عينتين من الطعام ، إحداهما مفتوحة للهواءِ و متاحةُ لجميع ملوّثاته، والأخرى مغطاة بمواد عازلة وحافظة، فتلوّث الأولى وتعفّنها شيء جدا طبيعي ومتوقّع ، أما الثانية إذا ما تعفّنت بذات سرعةِ الأولى ، هنا يثمر الاستغراب وتبدأ الحيرة مِن / أين يكمن السبب .؟!
على أي حـال /
ما أريد التوصل إليه هو أننا بحاجة لفهم المعايير الإنسانية الحقيقية التي يعرّفها لنا الله ، ونتلمّس الطريقَ للصواب بكل حواسنا،لأننا نملك ما لا يملكون ، كما يجب أن نوظّف فكرة / أن لا يرهبنا الموتُ في سبيل الوطنِ والحرية / توظيفاً جيداً وقادراً على إثبات أهدافنا بطريقة واضحة وناجحة .
لأننا دُعاةُ الإنسانية لا مدمّروها ، هكذا علّمنا الله ، وتعلمناه منه .
نشر في ملحق مرافئ
[/SIZE]
الإرهاب كمفهوم إنساني، لا يدخل في منظومة العِرق والنسب والسياسة، بل هو فعل إنساني بحتْ،إذ أن الإنسان الذي يتعمّد إيذاء أو قتل نفس بشرية أخرى بلا سبب حقيقي وبلا ذنب حقيقي لتلك النفس يٌعدّ إرهابا إنسانيا بالدرجة الأولـى ، فتفجير البرجين منذ 2001 وحتى السيارات المفخخة في أفغانستان تُعد إرهابا حقيقياً كما أراها بعينيّ، وأفهمها من منظومةِ الإنسان الذي أعتقد أني أعي جيداً صورته، إذ أنّ المتضررين بمعظم تلك السلسة لم يكونوا جنوداً يحملون رشاشات تصوّب فوّهاتها على الأطفال والعزّل، وليسو سياسيين قادوا حملات الحرب لحيّز التنفيذ، بل كانوا مواطنين حالهم حال الآخرين وُجِدوا في المكان والزمان الخاطئ، ولهم مِن الأهل مَن ثُكِلوا عليهم لاحقاً بلا ذنب.
ما يدعوا للاستغراب في الحقيقة هو التفكير الشائع لدى البعض لدرجة تصل بهم للإيمان والمجاهرة بها
كون الذي يحمل في جسدهِ حزاماً ناسفاً ويفجّر جسده قبل الآخرين وبينهم إنما هو شهيد له الفردوس الأعلى، دون أن نتفكّر قليلاً حول نقطة قتله للأبرياء الذين أوجدهم القدر مصادفةً في طريقه إليهم هناك والقاعدة الإسلامية تقول [ مَن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ] فهل نتجاهل هذه القاعدة الواضحة لأجل مفهوم سياسي خاطئ؟ ، خصوصاً وأنه كُثر الحديث من قِبل بعض عُلماء الدين بخصوص هؤلاء المفجرين باعتبارهم شهداء ولهم جنان الخُلد ، في زمنٍ أصبحت السياسة تحرّك الدين إلى منطقتها ويسيّـر الخطاب الإسلامي بما يتوافق والسياسة الخاصة بالبلد دون الالتفات إلى أننا شعب يقدّس الشخوص لا الأفعال ويلعن المخالفين لا أفعالهم، فحديث عالم الدين فوق كل منطق، وأفعاله منزّلةً من السماءِ مع ملائكةِ الله،دون أدنى حق لنا كبشر عامّة للمناقشة والاختلاف المحمود،أو حتى السؤال المشروع عن وسيلة إقناع حقيقية للعقل الذي يتساءل عن شرعية القتل هذه، ولذلك فإن البعض يستغلّ جهل العامّة بهذا الشأن ويسيّرون عقولهم كما يفعل لاعب الشطرنج بجنوده.
حين النظر لمفهوم الإرهاب الإنساني وخصوصاً الآتي من جهةِ الشرق من عربٍ ومسلمين فإننا قد ، نفسّر هذا الفِعل البشري بأن الحِقد والذل هما المحرّكان الأساسيات لمثل هذه الأفعال ، لأنه قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة كان العرب والمسلمين أسياد العالم، تركع الشعوب الأخرى تحت إمرتها،ولها مُلكُ الأرضِ وسيادتها
فقد يبدو غضبهم كغضب الحاكم الذي تم تبديد حكمهِ على يدِ مناهضيه وأصبحَ خاوياً من السلطةِ والجبروت، فيتملّكه الحقد ويزأر، إذ أنّ الغضب طاقة هائلة للغاية حينما تتفجرّ ، وللأسف كثير منا لا يقوده غضبه إلا للهدم، رغم أن البناء هو الأولى ، فلو قادنا الغضب المتراكم في النفوس مذ أن مررنا بأحقاب الذل والاحتلال والانحناء والرضوخ لسنين طويلة منذ الوجود الإسرائيلي وحتى سقوط بغداد وما يحدث في أفغانستان والسودان والصومال وسوريا وإيران ووووووووو ، لو أننا فقط وجّهنا هذا الغضب للبناء وتطوير الذات، محاولين أن نتخلّص من عباءة العالم الثالث وعالم التخلّف لكنّا الآن حاملي راية السلام رافعي الرؤوس ومحرّكي كرة السياسة ومتطلباتها، لكن لم تكن النتائج يوما بالتمني، لأن تعاطينا معَ الأحداث لم يكن إيجابياً مطلقاً كل ما نستطيع فعله هو ما يفعله الطفل عادةً حينما يُغضبه أبواه ، فيصرخ ويبكي ، وربما يكسر بعضاً من متعلّقات المنزل والذي عادةً سيعاقب على كسرها لاحقاً مرةً أخرى ، دون أن يملك الوعي الكافي لاستغلال الغضب في تطوير ذاته أو انجازٍ يترك الأثر الكبير على محيطه.
ما يحدث في المحيط الخارجي يثير الانزعاج ، خصوصاً كلما ذهبنا للدراسة أو للسياحة أو الاستجمام في بلاد العم سام، فإن ذوي البشرة السمراء والعيون الغامقة غير مرحّب بهم في كثير من الأحيان وكثير من الأمكنة على اعتبار أنهم بؤرة الإرهاب واللانسانية ، ولأنهم معروفين هناك بسبب الإعلام وتحوير الأحداث والقصص، بأنهم يملكون عداءً واضحاً وقاتلاً في معظمهِ على الوجوه البيضاء والعيون الزرقاء، دون أن نتمكّن في أكثر الأحيان من تصحيح هذه الصورة ، فالعربي أيضاً يذهب إلى هناك حاملاً في رأسه مفهومه الخاص حول الكره الدفين الذي يكنه الغربيّ له ، فينزوي وتبقى الفكرة هي، كما تريد لها السياسة بل وأسوءْ!
على أي حال ، كل ما تحدثتُ عنه لم يكن مثيراً لدرجة أن يستفزني لكتابة هذا المقال في هذا الموضوع تحديداً ، لكن ما استفزّني حقيقةً خبر قرأته قبل فترة حول حمار إرهابي !!!!!!
هذا الحمـار فجّر نفسه في منطقةٍ مليئة بالبشر الذاهبين للسوق والعائدين منه من كبار وشباب ٍ وأطفال
وأتساءل حقيقةً هل انتقل الغضب وعدوى الانتقام للحمير أيضاً؟؟؟؟؟؟
هذا الخبر كان كالفاجعة، إذ أنه أسوء مثال حقيقي للإرهاب الإنساني، حينما كان يفجّر الإرهابي نفسه كنتُ أقول في نفسي ، على الأقل كان يحمل اقتناعاً وإن كان خاطئاً ، كان مؤمنا بقضية ما ولولا هذا الإيمان الكامل لما ضحى بنفسه لأجله ، لأن الموت لأجل قضيةٍ ما من أسمى علامات الإيمان،حتى وإن كانت القضية في معظَمها غير واضحة الأهداف أو فُهِمت بمفهومٍ خاطئ، إلا أن الإيمان يشفع لهم الخطأ
لكن حينما يقوم البشريّ بوضع متفجرات في كائن غير عاقل ليستعيض به للتفجير ، ويضحي الحمار بدل عنه لقضية لا يفقه عنها الحمار شيئاً فإنه لأمر مثير للاشمئزاز والشفقة على العقول التي تتناسل بيننا، إذ بلغ بها الحال أن أصبحت تستعين بكائنات لاحول لها ولا قوّة لتدافع عن قضيّة هم مخترعوها وأكاد أجزم أنهم لا يملكون قضيّة إلا اللهو بالموتِِ والتلذذ برؤية الأشلاء والدماء، أو ليثبتوا لأنفسهم أنهم حاملي قضية، رغم عدم وجودها في الأساس، وإلا فما ذنب الطفل الذي يساعد والده في حمل أكياس الخضار من السوق، وما ذنب الشيخ الذي يبيع الملابس ليقتات لأجل يومه ، وما ذنب المرأة التي كانت في السوق لأجل ملابس طفلتها؟ما ذنب هؤلاء لنعاقبهم بالموتِ لمجرد زعزعة ِ أمنٍ أو حقدٍ على حكومة.؟
أخالهم يعانون من عقدٍ نفسية ، هم أقرب للخبل منهم للإيمان.لأن المؤمن بقضيةٍ ما يستنفد طاقاته جميعاً في تحقيقها بأبهى صورها، وما تعلّمناه عن النبي الأكرم في تعامله مع أعداءِ الله إلا أكبر دليلٍ على كيفية الإيمان بقضيةٍ ما والذودُ عنها بالسبل المتاحة فالقاعدة ِ تقول / لا ضرر ولا ضرار!!
ما يزعجني في الأمر هو هذا الفعل اللامسؤول من هؤلاء البشر، وكيف استطاعت فطرتهم أن تسمح لهم بتقييد حيوانٍ لا عاقل بحزامٍ ناسف؟ ليتفجّر وهو في حقيقته لا يعرف لم تفجّر ولأي قضيةٍ يموت؟ حاله كحال الضحايا الآخرين الذين أخالهم يتساءلون بعد الموتِ فيمَ قُتِلوا !!
ما أستخلصه من هذا الفعل هو أنّ فاعليه ليسوا بحالة عقليةٍ متّزنةْ ، وأنهم في حقيقتهم البشعة غير قادرين على إثبات ذواتهم بالطرقِ المشروعة، أن الموت بالنسبة لهم لعبةٌ أخرى وأن الدماء والأشلاء ما هي إلا لوحةٌ فنيّة يعتقدون أنهم راسموها،دون أن يدركوا حقيقةً أن ما يحدِثونه ما هو إلا إثباتٌ واضح على غياب العقل من رؤوسهم ،وتأكيدٌ على فراغٍ يملأ جماجمهم.
مشكلة الوعي والتعاطي المنطقي للأحداث نعانيها كثيراً في مجتمعاتنا العربية، التخلّف السلوكي والفكري أيضاً مشكلة نحاول إخفاءها والتغاضي عنها وفي المقابل نتعرّض لسخرية الآخرين في كل محفلٍ ومناسبة.
الفكر الإسلامي فكر جداً غنيّ بكل مقوّمات النجاح والتفوّق إلا أننا تركناه في المساجِد وعلى المصاحف المركونةِ في غرفِ النومِ ورفوف المكتبات.
حينما أسمع عن غربيّ يرتكب جريمة لا إنسانية بأبشع صورها فإنني أتساءل ما الذي حدثَ لفكره الإنساني وكيف انحرفت فطرته؟، إلا أنني في المقابل أركّز على مسألة غياب التغذية الدينية والروحية لهؤلاء خصوصاً وأن الفراغ الدينيّ يؤثر سلباً في سير الفطرة واستمرارها في النفس، لكن حينما يفعل ذلك بشريّ نشأ على الدين وفقهِ أركانه ، فإنني أصاب بالدهشة، إذ كيف استطاع تخطّي حدود الدينِ والإنسانية ليصل لمثل هذه الممارسات؟ إذ أننا محاطون أكثر بعوازل حقيقية تمنع انغماسنا في الخطيئة أو على الأقل تقلل من حدّة وقوعنا عليها أو فيها.
الأمر يشبه في فرضيّته عينتين من الطعام ، إحداهما مفتوحة للهواءِ و متاحةُ لجميع ملوّثاته، والأخرى مغطاة بمواد عازلة وحافظة، فتلوّث الأولى وتعفّنها شيء جدا طبيعي ومتوقّع ، أما الثانية إذا ما تعفّنت بذات سرعةِ الأولى ، هنا يثمر الاستغراب وتبدأ الحيرة مِن / أين يكمن السبب .؟!
على أي حـال /
ما أريد التوصل إليه هو أننا بحاجة لفهم المعايير الإنسانية الحقيقية التي يعرّفها لنا الله ، ونتلمّس الطريقَ للصواب بكل حواسنا،لأننا نملك ما لا يملكون ، كما يجب أن نوظّف فكرة / أن لا يرهبنا الموتُ في سبيل الوطنِ والحرية / توظيفاً جيداً وقادراً على إثبات أهدافنا بطريقة واضحة وناجحة .
لأننا دُعاةُ الإنسانية لا مدمّروها ، هكذا علّمنا الله ، وتعلمناه منه .
نشر في ملحق مرافئ