حينما يسقط الضوء على الكائنـات والجمادات الواقعة تحتَه ، فإنه يكشف لنا عالما ً لامتناهيا ً من الألوان والأشكـال المختلفة ، فيُكسِب ُ ما حولنا خصوصيّة شكله ولونه ، فنرى البحر انعكاساً واضحاً لزرقة السماء التي تواجهه وجها ً لوجه ، ونرى للجبال لونا ً بنيّا عميقاً في الصلابة ، وللرمل اصفرارا ً موحياً برقّة ٍ ونعومة ٍ مميّزة ، كما أن الضوء يكسي ملامح الجمادات حولنا ، فهذا كوب ٌ أزرق ، وتلك مفارش حمراء ، وذلك دولاب ٌ مائلُ للسواد ، أيضاً الملابس التي تستر عريّنا ، يكسبها الضوء لونها المتناسق
حيث تصبح الأشياء أكثر بهاء ً ، وحيوية بوجود الألوان التي تميّزها عن عتمةِ الأبيض ِ والأسود حيث لا وجود إلا لعالمين لا يمكن خلالها المرور بحالة ٍ وسط.
في تجربة للارتحال عبر عالم الألوان ، نحاول خلالها اكتشاف سر العالم الملوّن وعلاقته الحقيقية بشخصية الإنسان الساكن مع كل تلك المعطيـات ، وتأثيرها _ أي الألوان _ على نفسيّة البشر ، وتعاطيهم مع الأمور
فمع كل لونٍ قصة ، وخلف كل قصّة تناقض واضح بين بشريّ وآخر ، هنالك لون ٌ يشعرني بالسعادةٍ الحقيقية ، وذات اللون قد يشعرك َ بحزنٍ مدقع ، وهذا ما يجعل الألوان قضية متناقضة الأطراف ، لا يمكن الحديث عنها بشكل قطعي ّ ، إذ أن التناقض كائن آخر من كائنات هذا الكون المحفوف باللانهائية ، بعض الألوان تحمل في مفهومها الخير بعمومه ، والبعض الآخر يمثل الإثم بمطلقه ، ومن هنا ندرك حقيقة َ اللامطلق في عالم الألوان .
في معرض الحديث عن اللون ، فهو يعرّف على أنه ظاهرة بصرية ، أو بالأحرى إدراك بصري ، يستطيع من خلاله الإنسان التمييز بين الأشياء المحسوسة حوله ، ابن الهيثم العالم العربي أخرج لنا النظرية القائلة أن الضوء يخرج من الأشياء وأن العين لا دخل لها في رسم اللون ، لكني أتساءل هنا لماذا أحيانا أتجادل أنا وصديقتي حول لون القلم الفسفوري الذي كنّا نستخدمه ؟
كانت تقول أنه أخصر ، وأقول انه أصفر !!
أينا رأى اللون أوضح ، وأي العينين أصابت لون الحقيقة ؟!
خروجا ً من الخروج أعلاه ، أعود لأقرّ أنه لو لم تكن هنالك ألوان لما استطعت التمييز بين قطعة تفاحة ، وقطعة كمثرى مثلا ً أو لن نستطيع التمييز بين البرتقال والسفرجل ، أو بين القلم الأزرق والقلم الأسود أو بين البيضة ولمبة الإضاءة !!
إذن فاللون يعتبر معنى من معاني الحقيقة ، إذ أن الحقيقة لا يمكن رؤيتها إلا بالألوان !
بعد أن توصلنا لحقيقة أن الألوان تتداخل مع الحقيقة المطلقة في هذا الكون ، فما علاقة الإنسان بالألوان ، أو تحديداً ما أثر الألوان على بني البشر ..؟
كما يدرك غالبيتنا ، أو للألوان تأثير حقيقي وملاحظ على النفسية البشرية ، ولها تأثير واضح في حياة الإنسان اليومية ، فضلاً عن علاقة الألوان بالفن والرسم والموضة ، التجارة والسلع ، وحتى الحياة العاطفية.
فمثلاً / منذ زمنٍ بعيد كانت الألوان : الأحمر والبرتقالي والأصفر والبني تعتبر ألوان ساخنة / مثيرة
بينما الأزرق والأخضر والرمادي تُعد ألوانا ً باردةْ. من هنا يمكننا القول أن اللون الأحمر يثير الإنسـان ويجعل مستوى الأدرينالين في جسده مرتفع بشكل قد يكون واضحاً في أحيان كثيرة فهو يثير البهجة والشهية وقد تدفع الإنسان للعدوانية إذا ما تشاركت معطيات أخرى بالإضافة إلى اللون، بينما يستخدم الأزرق والأخضر والرمادي لإعادة الهدوء والاتزان العاطفي والنفسي للإنسان المرتبك أو الثائر ، لذا فأحيانا تستخدم مثل هذه الألوان لخفض معدّل الأدرينالين ، وتنشيط النورادرينالين في جسد الإنسـان معطياً للجسد شعوراً بالسكون والهدوء .كما أنّ اللون الأسود ارتبط منذ القدم بالحزن واليأس والكآبة ، لذا فالإنسان يستخدمه لإظهار الحزن والأسى ، كما نلاحظ في بلداننا العربية حيث ترتدي الأرملة الثوب الأسود حدادا ً على زوجها المتوفى ، وأحيانا يعلّق شريط أسود على صورة المتوفى تعبيراً حقيقيا لمقدار الأسى والحزن عليه .ورغم عموم هذا التفكير اللوني لدى البشر في أماكن عدّة إلا أنه لا يمكن بعد الجزم المطلق بهذه المعاني ، إذ أنها متفاوتة بين البشر ، ونسبية جدا ، فمثلاً أنا أحب الأسود كثيرا ً ولا يشعرني بالكآبة مطلقا ً في حين أنّ الأصفر يشعرني بالراحة النفسية بل ويحرّضني على النوم في أحيان كثيرة ْ!
ومع ذلك ، فإن اختلاف المعطيات مثل السن والحالة المزاجية ، والجنس ، وأحيانا المناخ يؤثر بشكل مباشر على الإدراك اللوني ، فمثلا نحن في عُمـان نعشق اللون البني كثيرا ً لأن الطبيعة التي نعيش تجعل منه رمزاً حقيقياً للشموخ ، كما هو الجبل دائما ً رمزا ً شامخا ً يدعو للشعور بالأمان والاستقرار !
وكلما توحّدت هذه المعطيات فإن الإدراك الشعوري للألوان يتوحّد ، كما يحدث عند الأطفال المتوحدين مثلاً أو أولئك الذين يعانون من انفصام الشخصية أو مثلا ً أولئك الذين يصنّفون على أنهم يعانون من متلازمة داون الجينية !
كما تبين بعض الدراسات التي يجريها الأطباء النفسيون ، أن تفاعل الإنسان تجاه ألوان معيّنة ، يمكنه من تفسير الحالة النفسية التي يقع الإنسان تحت وطأتها ، كما أن ذات الدراسات تؤكد أنه للألوان آثار علاجية ملحوظة لبعض الانفعالات النفسية وأحيانا ً الإعاقات الجسدية . ورغم ما تؤكده هذه الدراسات إلا أنه من المبكّر جدا الجزم بآثار الألوان العلاجية المطلقة ، ومن المبكّر أيضا ً تعميم استخدامها كعلاج لبعض الحالات النفسية خصوصاً.
ففي الصين والهند واليابان تستخدم الألوان في الطب البديل، فيعتبر اللون البرتقالي مفيدا في حالات الاكتئاب، والأصفر لمرضى السكر، والأخضر للمصابين بالقرحة والخمول الروحي، والأزرق البنفسجي لمرضى الصرع.
ويتوجب علينا أن لا نغفل أن للعضو الجسدي المستقبل للضوء دوره الأساسي في عملية العلاج تلك ، فكما هو معروف علميّا أن لكل لون ، طول موجي معيّن ، وطاقة معيّنة تتناسب عكسياً مع الطول الموجي لذلك اللون ، وبالتالي فإن تلقّي العين لهذا الضوء ، ينقل الطاقة الكامنة في ذلك اللون إلى جسم الإنسان وتعمل تلك الطاقة بإزالة الاضطرابات النفسية والجسدية .!
وعلى الرغم من أن هذه الفوائد الطبية مازالت قيد البحث فإن الألوان تحدث رد فعل جسدي ونفسي محدد وواضح؛ فالغرف والأشياء ذات اللون الأبيض وتلك التي لها ظلال خفيفة لألوان "مبهجة" ربما تبدو أوسع من تلك التي طليت بألوان داكنة أو "دافئة". وكما يعلم المصممون ومهندسو الديكور فإن الألوان الداكنة لها أثر تقليصي؛ فالحجرة المبهجة التي تطلى باللون السماوي تحتاج إلى تثبيت منظم أضواء، أعلى من الحجرة المطلية بلون برتقالي باهت حتى يمكن الحصول فيها على نفس درجة الإحساس بالدفء..
كما أن الترسّبات الفكرية ، والتجارب التي مر بها العالم ، أعطت للألوان معان ٍ مختلفة ، وأصبحت هذه المعاني ، ثابتة في بعض الأمم ، والعقائد ، فمثلا : اللونان الأحمر والأسود ظلا فترة طويلة رمزان للعنف والقتل والإرهاب ، أما السياسيون فيعتبرون اللون الأحمر ، إشارة إلى معاداة الديمقراطية ، والسير نحو التغيير السياسي .
أما الألوية الحمراء الإيطالية وهي منظمة إرهابية يسارية متطرفة فقد اختارت اللون الأحمر والعنف، في سعيها لتهيئة إيطاليا في السبعينيات لثورة ماركسية؛ كما اختار الثوريون الصينيون الذين سعوا لإنهاء الثقافة التقليدية الصينية اللون الأحمر والعنف؛ وتابعهم الثوار الكمبوديون الذين يعرفون باسم "الخمير الحمر" والذين قاموا بقتل جيل بأكمله أو ما يقارب المليون ونصف المليون نسمة من السكان البالغ عددهم 5.7 مليون نسمة في فترة حكم امتدت لثلاث سنوات ونصف فقط.
إذن فالألوان لها قصة واضحة جدا مع النفسية البشرية ، وحتى تأثيرها الواضح في مسار السياسة والعقائد أيضا ً ، ولا يمكن في الحقيقة إنكار أن اللون بحدّ ذاته وسيلة حقيقية لإظهار مشاعر كامنة أو إخفاء مشاعر واضحة .
فمثلما هي الثورات مرتبطة بالألوان النارية، الأحمر ، لون الدم بجميع تدرجاته
إلا أنه في نفس الوقت لون الحب
هل يمكن أن تعبر عن الحرب بلون أزرق؟
هل يمكن أن تعبر عن الحب بلون أزرق؟
أم أن الحرب والحب ما هي إلا ثورات واضطرابات نفسية وسلوكية تقوم على اللون الأحمر!
وهل هدوء الأزرق سببه البحر... لهذا نجلس على شواطئه لتهدأ أرواحنا
أم أن الهواء المفعم بمادة اليود هو السبب في ذلك؟
أعتقد أن عوامل كثيرة تتداخل في السلوك الإنساني أكثر من مجرد اللون بحد ذاته.
نحن كالكواكب نتأثر بما حولنا
خذي القمر مثلا،، وتأثيره على البحر مدا وجزا..
إن هذا التأثير لا يقتصر على القمر فقط بل يمتد إلى بني البشر
فقد أوضحت الدراسات بأن معدل الجرائم والمصائب البشرية يرتف في الأيام البيض 13، 14،15 من كل شهر قمري..
ولهذا جاءت سنة النبي بصيام هذه الأيام للحيلولة دون التأثير السلبي على الجسم البشري.
أما إن سألتم عن لوني،، فلوني الظاهري هو الأزرق،، أما لوني الداخلي فهو الأحمر
مقال رائع يا شهيق
السؤال الآن، ما الذي دفعك للكتابة عن الألوان؟
.
أيها الصديق
أمير الورّأقين ..
.
.
الكتابة عن الألوان تحتاج لـ صفاء [ لوني ] خاص للغاية !
كأن تكون قد أمضيتَ يومكَ في البحرِ بين زرقة ِ الموجِ وزرقة السماء
أو كأن تكون في صحراءٍ شاسعة لا ترى فيها إلا الجبال وتدرجّات الأصفر !
أحياناً نحتاج لـ أن نبحث عن حالة شعورية ملوّنة ..
ربما هذا ما كنتُ ابحث عنه في المقال أعلاه ..!
رغم أنه كُتِب دفعة واحدة ، دافعه انفعالي عاطفي ..
لم اشأ أن أدخِل عليه تعديلات المراجعة .. أردته عذرياً كما كان
ربما لأن الحالة اللونية التي كنتُ فيها لا يمكن تكرارها على الأقل في الوقت القريب !
.
.
يا صديقي
هل تعتقد أنّ للألوان مغناطيسية تجتذِب الأرواح
كما يفعل الفمر بالأمواج؟!