1_
إلى النخيل التي ظلت تهتف باسمه .. وعشقه
إلى الدموع التي لم تجف بإذن الجمال
"أغنية في تابوت وضاح"


أسافرُ الآنَ
في صمتي وفي لغتي ..
وأسرجُ الشوقُ في عيني هنا وطنا

يا أفـرعَ الحُلم ما كانت مَدينتُنا ..
تهوى الرحيلَ
ولا مَدَّتْ لنا الكفنا

من أين أنحَتُ تأويلي وأدعيتي ؟؟
قلائدُ البوح
قد كانت لنا مُدنا

والرملُ
مُـذْ كان أطلالٌ نقدسه ..
والنخلُ
من رحْلة الغرباءِ
عادَ هنا

ويحَ السَّرابِ
أيلهـو خلفَ أضرحتي ؟؟
والغيمُ يُرسلُ
من كفيَّ ما دفنا

والريحُ تعزفُ آلامي ومقبرتي ..
وظلمتي
مُـذ تركتُ الحلمَ والوسنا

لمَ الغيابُ يردُ الجرحَ أسئلةً ؟؟
لمَ الهديلُ بأرضِ الحـزنِ ما سكنـا ؟؟

هنا القوافلُ
تبكي النجمَ حائرةً ..
هنا الشواطئُ
ترثي الأفْـقَ والسفنا

قالوا:
"بأخيلةِ الركبانِ غانيةٌ" ..
متى تهاوت؟
وهل ظلت بها زمنا؟

غداً
ستكتبني الأوزانُ عابرةً ..
وتأخذُ الضوءَ
من بوحي
لها ثمنا

غداً يقالُ:
"لهذا العشقِ سيدُه "
فيشعلُ الشوقُ في عيني هنا
وطنــا


::
::

إلى [ مواويل في كفنِ التأريخْ ] لـ خالد المعمري ..!
.
.
منذ متى كان الوطنُ يشتهي فينا هذه اللغة ..؟!
سأشعل الآن شموعا ً بعدد ِ حبات النشوة ِ التي تساقطتْ مني لحظة َ القراءة ِ تلك ْ
وسأحرق معها مراكب َ العودة ْ.. وليكن المنفى جاهزا ً ليجتاز َ بي عتمة َ الصمت ِ
إلى فضيلة ِ البوح ْ ..!
إما أني في حالة ِ انبهار ٍ دائم ْ .. يجعل مني عرضة ً لـ الدهشة ِ بلا توقف
أو أن ما أقرأه يفوق الدهشة َ بسنوات ٍ ضوئية ْ ..!
وفي كلا الحالتين ْ .. أقسم ُ أن هذه القصيدة ْ .. اختصرتْ سموات ِ بوحٍ كان مِن المفترض أن أطّوف بها لأصل إلى سدة ِ المنتهى !!!
لن اقرأها كما [ ظلمتُ ] أختها .. سأحملني إليها بهجة َ ضوء ْ أو عتمة َ استكانة ، لا فرق ْ فكلاهما يجعلان لي حق ّ الاقتراب ِ [ الآثم ْ ] من قدسيّة قصيدة ْ ..!
أخبرتكم أنّ هذا الشاعر واع ٍ جدا ً .. لأنه يعرف ما يكتب دون أن يربكنا إلا بالدهشة ْ .. ولا يجعل منا أفواها ً فاغرة ً تُفْتح حيرة ً .. وتُغْلَق ُ كفرا ً ..!
لـ قصيدتك َ يا خالد ْ المجدْ ..!!!
.
.


[ في فردوسهـا ْ الآنْ ]
مقدّمة ٌ إلى : مواويل خالد
إذا شعرتِ يوما ً بالحاجة لـ خلْق ِ رفيق ٍ يمارس ُ معك ِ الصمت
فلا تختاري إلا وشوشات ِ السماء ْ .. لأنها الأقرب [ إليك ِ ] فِطْرة ً !
.
.
إلى الوطنِ الأعمق :
كلما سافرت ُ طويلا ً عن جغرافيته كنتُ دوما أتساءل .. هل للروحِ حدود ٌ تمنع السلطات تجوالها..؟! وهل للوطن ِ غربة ً بين أجسادنا الملطّخة ِ غيابا ً المسحوقة ِ لعن منفى ً ..؟!
ما كنتُ اصدّق يوما ً أن الوطن المقيم أضلعي يمكن أن يتهاوى بنقر ِ إصبع ٍ أو حتى بختم ِ حبر تخطّه أصابع القطارات ِ والمطارات ْ ... وأن السماء التي بللتني ليلة َ المطر بين ردهات ِ حارتنا لا يمكن أن تقبل أن أغيّر معاطفي خارجا ًعن حدود ِ تربته .. لكنه الكفن يا أصدقاء ْ
هو الكفن الذي جعل مني طينا ً أكثر صمتا ً .. وأكثر حاجة ً للصراخ ِ من ذي قبل ْ ..
في الوقتِ الذي يهدينا فيه الوطن َ كفنا ً اسودا ً .. و وسادة َ منفى ً أنيق وسط َ تراجيع ِ الفقد والسماء التي رمّدتها الغيوم ، ليعلن بعد اللحظة ِ أن الرياح التي حملتْ معها صراخ الطفولة ماتت في أحضان ِ التقوقع .. وأن الرمال التي بنينا بها قلاعا ً ، واغتسلنا بها مِرارا ً جفّت وما عادت الأرض تحتفي بها .. وأنها الآن على بُعِد لحيظات ٍ من التحوّل إلى زفير ٍ لا يتبعه شهيق ٌ أبدا َ
حال اختفاؤنا من سموات ِ الوطن ، أدرك الجميع ُ أن الأطيان تخون كثيرا ً .. وان الوطن الساكن أرواحَ مَن رحلوا لازال كالحمائم ، يحاول إيقاظ َ الموتى ليعودوا ، ربما لأنهم عرفوا كيف يوقظون الحلم في سباته ، وكيف يشعرونه [ الوطنْ ] بالرغبة ِ الدائمة ِ في التحليق كما الأراجيح ِ الهابطةِ من السماء ِ ، الخارجة ِمن بطنِ الأرض ْ ..!
وجئنا نحن لنلقمه الفراغ ْ ، فألقمنا الخلان َ والمنفى الأطول ْ ..
.
.
في معقل الحديث عن الوطن ، اشعر دوما بالارتباكْ ، وكأني في حضرة ِ الموتِ أحيانا ً ، وبالقربِ من زلزال ِ الشوق ِ أحيانا أخرى ، المشاعر المضطربة عادةً هي الأكثر صدقا ً ، والأكثر قربا ً من الفطرة الطينيّة للبشر ْ.. لأنه كيف يمكن لـ طين ٍ يتشرّب المطر بتفاوتٍ عجيب أن يصبح َ صلدا ً ذو مسلكٍ واحد بين ليلة ٍ وضحاها ..؟! وكيف يمكن لـوساوِس المخلوقاتِ التي تسكن كل كائن ٍ ملتحفة ً ذاته ، أن تصمتْ للحظات ٍ ، فتقدّس معه ذات الشيء دون أن تراوده بالعصيان ..؟!
الرغبة ُ الكامنة في ذواتنا التي تحرّضنا دوما لامتلاكِ وطن ْ ، ما هي إلا امتداد ُ لرغبة ِ السماء ِ أن تحطّ رحالها على صدرِ الغيب بعد الوقوف ِ الطويل بلا عمدْ .. أو ربما كرغبة ِ المياه إلى السكون ِ بين أحضان ِ الصمتْ بعد أن أرهقها تجوال ُ مدّها وجزرها !!
فمتى يمكن أن يكون الوطن ُ وطنا بعيدا ً جدا عن حدود ِ التربة ِ والخرائط أو حتى اتفاقيات ِ السياسة ..؟!
أتعجب جدا من ذاتي كلما حدّثتها عن الوطن ْ، حدّثتني عن غرناطة ، عن بابل أيضا ً .. أخبرها أني أتحدّث عن الأرض التي أنجبتني فيها أرحام ُ القدر ، تعيد على ذاتي صداها ، بـنخيل بابل ، وأسطورة الحدائق المعلّقة كـ عاشق ٍ أسمى !!
عن غرناطة ْ التي أشعر بأزقّتها زِقاقا ً زقاقا ً ، وعن مجالسها ورجالها وعن أشجارها الملتّفة ِ كعنقودِ ماء ٍ يتدلى من سماء ِ الرحمة !
فأتساءل : هل أُنْكِر وطني / الأرض ْ .. أم أنّ ذاكرتي تخونني كلما تحدّثتُ عن أمر ٍ مهول ٍ، يسبب لي تصبب العرق ِ كأنّ القيامة َ تقترب !!!
وأعود لـ أُذكّرها بالفلج ِ قرب بيت ِ جدي ، وبأشجار ِ النخيل التي كثيرا ً ما ذهبتُ مع أقربائي لرؤيتهم يقطفون تمرها ، وهي الثابتة ُ الصبور ..!
بالقلاع ِ الطينية التي بنيناها وأوكلنا للشمس ِ تجفيفها .. بالصحراء ِ التي التهمتنا ذات شقاوة ْ لنعود بعد أن أهلكنا تتبّع الأثر إلى أحضانِ أمهاتنا ، واللاتي تركن فينا آثار القُبَل ِ ، والعِصِي ّ أيضا ً ..!
أو ربما ستتذكّر ذلك الجبل الذي تسلّقناه تحديّا له ، فهُزِمنا في معركة ٍ غير متكافئة ْ ، بين رغبة ٍ طينية وقوّة الطبيعة التي غدرتْ بنا وساندتْ الجبل الأشم !
أو أحدثها عن كهفي الصغير الذي للآن أحتفظ بسرّ مكانه [ حسداْ ] وخوفا ً مِن أن يصله غيري وأنا التي كتبتُ فيه صكّ ملكيتي ، ودوّنت في جداره اسمي كاملا ً حتى الجد العاشر !!!!
لكنها لا تستجيب .. رغم ما أثقلتها به ِ من ذاكرة ٍ كنتُ أخبئها تحت ِ الضلع ِ العاشر من رأسي الممتلئ تعرّجات ْ .. هي لا تذكر إلا عشتار ، وجلجامش ، ولا تردد إلا بابل بابل !!
وترسم بأصابعها التي تتدلى مِن أخمص ِ رأسي ، لوحة ً لـ عيون غرناطة ْ ، وأحياءها !!!
فأين يكمن الوطن ُ يا أصدقاء ..؟! وهل أتّهَمُ بخيانة ِالوطن ِ وأنا التي بحثتُ في تربته عن اسمي ولمّا وجدته ..؟! أم يوكل أمري للنفي بعد أن قطَعتُ دروبه درباً دربا ً لاجد رائحتي مدسوسة ً بيت أرتبته ، وقلاعه فلم أجدها ..!
قالتْ لي عرّافة ٌ بابلية : أحد الأئمة ِ أخذ رائحتك ِ ورحل ْ .. فارحلي أيضا ً لا مكان لروائح الغائبين ْ ..!
أدركتُ حينها أن ما أخذه الإمام ليس رائحتي وحسب إنما رحل وأخذ معه شيئا يشبهني أو أنا التي تشبهه ، ليغرسني في أرض ٍ أخرى ، ليطوف بي الديار جميعا ً علّه يجد ما يسدّ به رمق َ الوطنِ الذي أصبح جائعاً / جائرا ً لهول ِ ما كان يرى [ منا ] !!
.
.
والآن بعد قرون ٍ ضوئية أجدني أبحث عنها / عني لأجدني معلّقة بين أوتادِ قصيدة !
لا يمكنني انتشالي منها ، لأني سأهلك ْ بعد أن غرستُ غرسي فيها ، وتشابكتِ الروح باثني عشر وريدا ً ، وشهقة ٌ أخيرة !