على هيئة ِ مقدّمـة :
لا شكّ في أنّ الكثير منكم ، قد سبق وسمع بهذه الظاهرة التي تصنّف على أنها خارقة للطبيعة أو [ PARAPSYCHOLOGY ]، وتعتبر ظاهرة التخاطر الذهني من أقدم الظواهر اللاطبيعية وِفقاً للعلم والعادة أيضا ً، حيث أنّ العلم إلى اللحظةِ هذه لم يقدّم لنا تعليلاً كاملا ً و واضحاً عن الآلية التي تحدث فيها هذه الظاهرة ، وكل ما خرج من مختبرات العلماء لا يعدو كونه تأكيداً على وجودها لا تفسيراً لحدوثها، من خلال هذا المقال ، سأحاول إيجاد النقاط الأساسية التي ترتكز عليها هذه الظاهرة، بعيداً عن تدخّلات الجِن وعفرتة العقول .
يحدث لي كثيراً أن أفكّر في صديقتي وفجأة أمسك الهاتف لأرسل لها ، فأجد فجأة رسالة تصلني منها ، يحدث أن أقرر الاتصال بأحدهم فأجده يسبقني للاتصال ، يحدث أن أتفوّه بكلمة وفي ذات اللحظة تتفوّه صديقتي بها ، ويحدث أن أفكر في أمرٍ ما يفكّر فيه شخص آخر في ذات اللحظة ونقوم به معاً وكأنه أمر قد خططناه مسبقاً،هل حدث أنك كنت جالس في غرفتك بهدوء واسترخاء ، وفجأة تفكر في شخص وكأنك تقول في نفسك،[ منذ زمن لم أره ]! وفجأة يرن جرس الهاتف وإذا به هو نفسه من كنت تفكر به
هل حدث أنك تدخل مكانا غريبا لأول مره فتقول لمرافقيك انه مكان بديع وجميل، وفجأة تحس بلاوعيك بدأ يظهر إلى ساحة الوعي لافتة عريضة كتب عليها ونقش فيها ( ألا تظن انك سبق و أن رأيت هذا المكان)؟! وآنت جالس مع أهلك في غرفة العائلة إذ بجرس الهاتف يرن، فتقول لهم أظن انه فلان ! فيكون تماما كما قلت بالفعل انه هو! كيف؟!
تصادف فلانا من الناس فتتأمل وجهه قليلا،تضع عينك في عينيه فترى حروفا تنطق عن حاله، وترى كلمات تحدثك عن إخباره ، فتكاشفه بها لتتأكد انك أصبت الحقيقة تماما، أو أنت وزميلك تتحدثان،تريد أن تفاتحه في موضوع فإذا به ينطق بنفس ما أردت أن تقوله؟
كثيراً ما أفكّر عن تفسير هذه الظاهرة التي تحدث لي بشكل جدا مستمر ، والتي أصبحتُ بسببها أؤمِن أن للأرواح وسائل اتصال قد لا تدخل ضمن دوائر الوعي لدينا ، وأن اللاوعي عالمٌ آخر لا يمكننا تجاهله أبداً ، إذ أن دوره فاعل للغاية في الكثير من المواقف والتصرّفات.
فظاهرة التخاطر الذهني تعرّف على أنها من الظواهر الخارقة التي قد تحدث بين شخصين بصورة عفوية وخلالها قد ينجح أحدهما في إرسال معلومات معينة إلى الآخر من مسافة بعيدة.
وهي تجربة مر بها كل إنسان _على الأقل مرة في حياته _ ولكنه في الغالب يتجاهل ذكرها لغرابتها الشديدة، المشكلة في هذه الظاهرة أنها عفوية ولا يمكن تكرارها بذات الدقّة عمداً في الظروف المعملية
إلا أنها اكتُشِفت كظاهرة غريبة في عام1965 على يد عالم أحياء روسي يدعى فليل كازناتشيف
حينما اكتشف قبل خمس عقود ظاهرة قد تفسر آلية التخاطر (أو التليباثي) بين الأحياء. فقد كان يجري تجارب معملية على بعض الجراثيم الخطيرة فاكتشف أنها تتواصل مع بعضها (بطريقة لاسلكية (ففي إحدى التجارب وضع طبقين زجاجيين يضمان خلايا حية سليمة بقرب بعضها البعض. ثم أدخل جرثومة فتاكة في الطبق الأول ليقارن النتيجة مع الطبق الثاني، وبالفعل ماتت الخلايا في الطبق الأول ولكن الغريب أن الخلايا في الطبق الثاني أصيبت لاحقا بنفس المرض، رغم أنها لم تتعرض للجراثيم مباشرة!!
وفي البداية ظن أن تلوثاً ما وصل إلى العينة السليمة فكرر التجربة عدة مرات ،ولكنه دائماً يصل لنفس النتيجة. وبين عامي 1965 و 1985 جرب أنواعاً مختلفة من الأطباق والسموم والفيروسات والإشعاعات حتى أصبح على قناعة بقدرة الخلايا على الاتصال مع بعضها البعض بدون وسيط مادي.
وكان كازناتشيف قد شك منذ البداية بلعب مغناطيسية الأرض دور (الوسيط) بين الخلايا، فوجود [وسط ما] مطلب بديهي لانتقال أي تأثيرات خفية أو تموجات فيزيائية؛ فالصوت ينتقل عبر تموجات الهواء، والإرسال الراديوي عبر تموجات الأثير، و بنفس الطريقة يفترض أن تتم الاتصالات المبهمة بين الأحياء من خلال التموجات في مغناطيسية الأرض،ولإثبات هذه الفرضية ابتكر كازناتشيف غرفة خاصة دعاها (غرفة العزل المغناطيسي) ووضع فيها أحد الطبقين وأبقى الثاني خارجها. وبالفعل اختفى التأثير المتبادل بين الطرفين،أو قل كثيراً بما يتناسب وقوة العزل المغناطيسي!!

وفي نفس الوقت تقريبا اكتشف خبير أمريكي في أجهزة الكذب ظاهرة مشابهة- ولكن لدى النباتات هذه المرة. ففي عام 1966 فكر كليف باكستر بقياس المقاومة الكهربائية في أوراق نباتات الظل (بواسطة جهاز لكشف الكذب) كانت حينها مجرد فكرة عابرة ولكنه فوجئ بظهور ذبذبات ناعمة ورتيبة حين بدأ يسقيها بالماء،وعلى الفور تذكر أن هذا النوع من الذبذبات تظهر لدى الإنسان عند شعوره بالرضا والاطمئنان،ثم خطر له أن يفعل العكس فأخرج ولاعة السجائر وقربها من إحدى الأوراق،وما أن أشعل النار حتى رسم الجهاز إشارات اضطراب وفزع في خلايا النبتة،هاتان التجربتان أثبتتا أن جميع الكائنات الحية تستعمل مغناطيسية الأرض كوسيط لتبادل المشاعر ونقل المعلومات. فجميع الأحياء تغرق في بحر هائل من مغناطيسية الأرض والكون،وجميع الأحياء تتأثر بهذا المحيط وتستعمله بوعي (أو بلا وعي منها)؛ فالطيور مثلا تملك إحساسا قويا بحقول الأرض المغناطيسية وتستخدمها (كبوصلة) أثناء هجرتها ورحلاتها الطويلة. وتستعمل الأسماك والحيتان نفس الحاسة لتحديد اتجاهها داخل المحيط، كما تستعين بها الحيوانات الأليفة للعودة لمنازلها من مسافات بعيدة !
أما لدى الإنسان فرغم أن هذه الحاسة ضامرة بعض الشيء إلا أنها قد تفسر تعرضه لبعض حوادث الإحساس الخارق للعادة، فالتخاطر، وتوارد الأفكار، والتأثير عن بعد، جميعها مشاعر غامضة قد تنتقل من أدمغتنا عبر مغناطيسية الأرض (كما ينتقل الصوت عبر الأثير). وطالما ثبت أن الخلايا الحية ونباتات الظل تتواصل عن بعد فما المانع من حدوث نفس الشيء بين ذهنين بشريين يفكران في نفس الموضوع!!
إن مرجوع القدرات الخارقة للبشر قد يكون ذاتياً مستنداً إلى مواهب خاصة روحية المصدر، أو تكون مستندة إلى علم من العلوم التي من شأنها الاتصال بمخلوقات غيبية والاستعانة بها أو التأثير على البشر بصور مختلفة بعضها نافع والآخر ضار.
يرى المهتمّون بهذا العلم أنّ التخاطر هو أحد القدرات [ الطبيعية ] جدا والتي كان يستخدمها الإنسان في العصور القديمة ، كوسيلة اتصال سهلة بين الفرد والآخرين ، إلا أن التطوّر التكنولوجي والعلمي أضعفت القدرة البشرية ، وأفقدته القدرة على التواصل مع الآخرين ، بل وأفقدته القدرة على الاتصال العقلي والروحي بالكيفية التي كان يتّبعها الإنسان منذ عصور الحجر، لذا ففي هذا العصر أصبحت التخاطر ظاهر [ فوق طبيعية ] أو خارقة، إذ نراها بصورة جداً عارضة ونادرة .
سأحاول في هذا المقال أن أتوصّل لمعرفة مصدر هذه الظاهر وطبيعتها وأسباب وجودها مع علمي الكامل بأن محاولتي ستشوبها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي سأضعها علّ القارئ يدّلني على طريق إجابتها ، ورغم ذلك فإني أؤمِن جدا أنه يوجد الكثير ممن يريح نفسه بإنكار هذه الظاهرة ، فالإنسان عدو ما يجهل، مع اقتناعي الكامل أن تواتر هذه الظاهرة ووجودها في أكثر من مكان وزمان ومع أكثر من شخص لا يمكن أن يوعز للفراغ، وأنّ قليل الحيلة هو الذي يبررها بالدجل والشعوذة، خصوصاً وأنه ثمة دلائل علمية ومعرفية تؤّكد وجودها وتؤيّد فكرة أن الله يودِع في خلقه بعضاً من قدراتٍ خارقة .
كما عرفنا سابقاً أن التخاطر يعرّف على أنه عبارة عن نوع من الاتصال العقلي عند البشر بصورة غير مادية ملموسة بين شخصين بحيث يستقبل كل منهما رسالة الآخر العقلية في نفس الوقت الذي يرسلها إليه الآخر مهما بعدت أماكن تواجدهما. وبعبارة أبسط ، فالتخاطر يعني معرفة أي شخص منهما بما يدور في رأس الآخر .
مع تقدّم العلم الحديث ، ومحاولة الإنسان التعرّف أكثر على ما يدور حقيقةً في جسده، توصلّ إلى أنّه ثمة نشاطات كهرومغناطيسية يقوم بها الجسد البشري، لإتمام بعض الوظائف الحيوية ، وأن خلايا المخ عند الإنسان والتي تعد بالملايين تقوم بعدة مهام عن طريق إرسال الإشارات الكهربية فيما بينها، وهذه الإشارات الكهربية بدورها تكون بمثابة الأمر المرسل من مراكز المخ المختلفة المسئولة عن تحريك الأعضاء والإحساس والقيام بتوصيل المعلومات من الحواس إلى مراكز المخ والعكس، فتقوم بتوصيل الأوامر من المخ إلى الأعضاء من خلال الأعصاب. هذا الأمر أثبته العلم الحديث في معرَض تفسيره لدور الدماغ في التحكّم المباشر بالجسد البشري، من خلال شبكة سلكية كبيرة للغاية تتوغّل في كافة أجزاء الجسد البشري،
ومن خلال حقيقة أن الحقل الكهربائي يولّد حقلاً كهرومغناطيسي، فقد استطاع العلم الحديث اختراع أجهزة لتثبت وجود هذا المجال الكهرومغناطيسي الذي يولّده جسد الإنسان وإن كان ضعيفاً ، بل واستطاعت مثل هذه الآلات أن تصوّر هذا المجال وتصفه على أنه موجات شديدة الصغر تشكّل هالة ضوئية حول الإنسان لها مدى معين ولون طيفي يميز هذه الهالة من شخص إلى آخر ومن حالة إلى حالة لنفس الإنسان .
ومما لا شكّ فيه أن هذه الحالة أو الهالة الضوئية المحيطة بالإنسان هي نتيجة لنشاطات الدماغ الكهرومغناطيسية، المتولّدة من الدماغ والمتجهة لمناطق الاستقبال في أنحاء الجسد البشريّ من مراكز الحواس والذاكرة إلى الأطراف والأعضاء المستقبلة.ومما لا شك فيه أيضاً أن كل العمليات العقلية التي تمارسها هذه المراكز المخيّة يكون لها قدر معين من الطاقة كأثر للنشاط الكهربي المبذول فيها، وهذه الطاقة يمكن قياسها بصورة أو بأخرى لتسجل نفس القدر من الطاقة عند إعادة هذه العمليات بعينها.
الحقيقة أعلاه تثبت لنا أنّ المخ يصدر طاقة محددة بطول موجي معيّن لفعل معيّن، فمثلاً يصدر الدماغ موجة ضوئية بطول معيّن أثناء قيامه بعملية حسابية معيّنة ، وأنّ هذا الطول الموجي يبقى ثابتاً في كل مرة يقوم الدماغ فيها بعمل ذات العملية الحسابية.
ومن هنا يمكننا القول/إن جميع العمليات التي يقوم بها مخ أو عقل الإنسان يصدر عنها كمية معينة من الطاقة يمكن تمييزها عن غيرها بالقدر التي تسمح به إمكانيات الأجهزة المستعملة حالياً.
هذا الأمر يشبه تماما ً حالات استقبال الموجات الصوتية لأجهزة التلفاز والراديو إذ أنهما مستقبلان لتردد وطول موجي معيّن. وهذا الأمر ليس بالأمر الغريب خصوصاً في هذا العصر الذي ينتقل فيه الصور والصورة عبر موجات لاسلكية قصيرة وطويلة، ويتم استقبالها عن بعد ، فيتمكّن الإنسان من الحديث مع صديقه الساكن أقصى الأرض بمجرد الضغط على أزرار هاتف ، وتستطيع أنت أن تشاهد صديقك الذي يبعد عنك ملايين الأميال عبر الاتصال الصوري هاتفياً أو عبر الشبكة العنكبوتية ، بعد هذا التطور التقني الهائل هل يمكننا أن نتجاهل أنه ثمة قدرة حقيقية تسمى التلي باثي أو التخاطر الذهني ؟
فالتخاطر وإن كان ظاهرة عقلية تعتمد على استقبال وتحليل الطاقة الكهرومغناطيسية أو بمعنى أدق استقبال الموجات والترددات الصادرة من العقل البشري وتحليلها، فإن ذلك لا يكفي وحده للقيام بظاهرة التخاطر، بل هو بحاجة لقوّة مساندة ، تجعل من العملية ، عملية التخاطر قادرة على الحدوث،ونقصد بالقوة المعاونة الروح البشرية والتي تمثل الطاقة اللازمة لمضاعفة الحواس البشرية آلاف المرات عما هي عليه، كما أنها تنتقل بالحواس إلى أماكن بعيدة وعوالم مختلفة وتستقبل وترسل العديد من المعلومات من ومع الآخرين، وهو ما نلاحظه في أحلامنا وأحلام الآخرين من نشاط روحي يتم فيه الاتصال بأرواح الموتى والحديث معهم في عالمهم والانتقال إلى أماكن بعيدة أو رؤية من نحب في بلاد أخرى.
وبذلك نستطيع إثبات أن عملية التخاطر الذهني ليست ضرباً من خيال، إنما هي حقيقة علمية ، تؤيّدها الكثير من الدراسات وإن لم تكن تلك الدراسات في جوهرها تهدف للإثبات هذه الظاهرة بصورة مباشرة .
مما يجب علينا التأكيد عليه أن عملية التخاطر بحاجة لظروف وعوامل مناسبة حتى تحدث ، وتكتمل كأي عملية حيوية أو حتى تقنية أخرى ، يجب أن تتوافر فيها مقوّمات وأساسيات معيّنة تعينها على النجاح،
قبل أن ندخل في الشروط الواجب توافرها لانجاح العملية، لابد لنا أن نوضّح أن عملية التخاطر عبارة عن مُرسِل ، ومستقبل ، وفكرة أو رسالة ما ، ويجب أن يكون المُرسل متحفّزاً منفعلاً للفكرة التي يحملها ، كأن يكون الشوق قد ملأ روحه أو الغضب أو حتى الحزن،أما المستقبل فيتوجب عليه أن يكون هادئاً مسترخياً ومهيّئاً نفسياً لاستقبال إشارة المرسل، ليستطيع فهم الرسالة الفكرية أو العاطفية القادمة
وأفضل وقت لاستقبال الرسالة التخاطرية يكون حينما يكون المستقبل نائماً إذ أنّ اللاوعي يكون عادةً مهيّئاً ويسهل التأثير عليه، ولا يوجد معوّق وعيي كانشغال أو ما شابه.
ولهذا كان أكثر مظاهر التخاطر شيوعا حينما يكون المرسل منفعلاً ومستحضراً بشكل قوي لأدق التفاصيل عن الشخص المرسل إليه ( نبرة الصوت - الوجه- طريقة المشي - كيفية الجلوس- الابتسامة-رائحة الجسد) بعد تحديد الرسالة وتصور الشخص المرسل إليه لابد أن تنفعل وتتحدث إليه بصوت لو أمكن أن تُشعِر نفسك انك في اتصال معه وبعضهم يؤكد أن هناك ما يسمى إحساس المعرفة وهو انك ستتلقى شعورا أشبه ما نراه في ( عالم البريد الإلكتروني ) يعلمك بوصول الرسالة إلى الآخر!
ربما تصله بشكل منام أو أن يسمع صوتا،أو يشعر بجسدك قريبا منه،أو تصله على صورة فكره ما يمتثل لها لا شعوريا كحال المنوم مغناطيسيا وهكذا فإنك حينما تفكر بشدّة في شخصٍ ما ، فإن طاقة التفكير تلك تتحول لأثير أو مسار يغذيه الحقل المغناطيسي للأرض ، ينبعث بينك وبين الشخص الآخر ، ومن خلال هذا الأثير تنطلق الفكرة التي تريد إيصالها للطرف الآخر، ولكي تتمكن من إيصال الفكرة لابدّ أن تكون الطاقة التي تنبعث منك طاقة كافية لإيصال الفكرة ، ذات فكرة الإحساس الجسدي ، فإذا كان المؤثر يحمل طاقة أقل من الحاجز الحسّي ، فلن يتم عمل المؤثر ، إذ لابد من أن تتجاوز طاقة المؤثر الحد الأدنى .
وكذلك الحال بالنسبة للمستقبل ، فإذا كان لا يملك القدرة الذهنية والنفسية لاستقبال الفكرة أو التواصل مع المرسل، أو أنه غير قادر على التفريق بين ما هو من صميم تفكيره وما هو دخيل عليه_وهذه المهارة عادةً تكون صعبة على البشر بشكل عام_ ففي هذه الحالة لن تتم عملية انتقال الفكرة إليه وإن كان المستقبل في ذات الحيّز المكاني ، إذ لا تأثير مطلقاً للزمان أو المكان في انتقال الفكرة واستقبالها .
لكن أيضاً لا بد لنا أن نؤكّد على أنّ المعرفة العميقة والحميمة بين المرسل والمستقبل ، لها أثر واضح في إتمام عملية الإرسال والاستقبال ، ففي وجود علاقة عاطفية من أي نوعٍ كانت ، فإن التأثير يكون أقوى واشد بينهما،لذا فإنه يمكننا الآن القول أنّ المحبين هم أكثر قدرة على التخاطر, خاصة بأن أرواحهم تآلفت كما يقول الرسول -صلى الله عليه و سلم-: (الأرواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف) ،إذن عند تآلف الأرواح تكبر الفرصة في عملية التواصل الروحي والتخاطر الذهني.
في محورٍ آخر ، لابدّ لنا أن نتّفق على أنّ هذه الأفكار التي تنبعث منّا إلى الآخرين لا تذهب سًدىً ، بل أنّ كل فكرة تنطلق منا إلى الآخرين أو من الآخرين إلينا، فكل تلك الأفكار تسبح في الفضاء المحيط ، تؤثر بالآخرين ونتأثر بها نحن ، وبالتالي فإنه يتوجّب علينا أن ندرك أهميّة ما تفعله الأفكار بنا من حيث لا نشعر فهل مرّ بك احساس غريب يسري في روحك ، كأن تكون في حالة نفسية جيدة ، وفجأة تتحوّل إلى حالة سيئة دون أن تدرك سبب هذا التقلّب المزاجي المفاجئ ؟ ، ربما أوعز ذلك أنّك ربما تركتَ لنفسك الوقت لتفكّر في فلان من الناس ، فالتفكير بأي انسان كما يقول بعض علماء الطاقة أن هذا التفكير يتيح اتصالاً أثيرياً بينكما وهذا التأثير يقع ضمن أربع حالات أو نتائج وتتلخّص كالتالي :
إما أن يكون هو إيجابياً وأنت إيجابي فكلاكما سيشعر بطاقة إيجابية هائلة نتيجة إتّحاد الطاقة الموجبة بينكما،أو أن تكون أنتَ إيجابي وهو سلبي ، فتتأثر نفسيتك بسلبيّته ، أو أن تكون سلبي وهو إيجابي فتتأثر بإيجابيته أو أن تكونا معاً سلبيين وهذا هو التأثير الأخطر.
بقي أن نؤكد أن هذه الظاهرة لا يحكمها الزمان أو المكان، وهي غريزية فطرية، قام باستخدامها السابقون كآلية للبقاء بعيداً عن الحواس الطبيعية (الفيزيائية) الخمسة، هي كتشغيل الراديو و إيجاد المحطة الصحيحة بالضبط. ويجب أيضاً أن ندرك أن عملية التخاطر تحدث طوال الوقت لكننا لا نملك القدرة الكاملة على إدراكها والتعرّف عليها.
يبقى السؤال، بغض النظر عن صحّة وجود هذه الظاهرة، هو من أين تنبع في المخ ؟ فعلى الرغم من التقدم الطبّي والتكنولوجي والتقني، الذي توصّل إليه العالم، إلاّ أن أجزاء كبيرة من المخ البشري ما زالت غامضة تماماً، فالجسم الصنوبري والفص الأمامي من المخ، لم يتوصّل العلماء لوظيفتهما، إلاّ عن معلومات ضئيلة، وراح العلماء يبذلون جهودهم، دون جدوى، لمعرفة فائدة هذين العضوّين.
في النهاية أود لو أطرح ما يدور برأسي من تساؤلات /
هل ينحصر التخاطر فقط بالأفكار؟
هل يمكن أن يتعدى ذلك للسمع او الشم أو اللمس أو غيرها من الحواس؟
أم انه من الممكن أن تكون نتيجة التفكير الزائد بالشيء أن تشاركك حواسه به فمثلا أن تفكربشخص ٍما كثيرا فتسمع صوته أو تشم رائحته او تحس بلمساته رغم عدم وجوده في ذات محيطك المكاني ؟
على كلٍ، سنظل نردد قول أحد كبار العلماء، المؤمنين بوجود هذه الظاهرة[ ينبغي أن يتوقّف العلم عن محاولاته الدائبة، لإثبات وجود هذه الظواهر، ويحصر جهوده في بحث كيفيّة الإفادة منها، حتى لا نكون كمن يقضي عمره كلّه في محاولة إثبات كونه حيّاً، ثم تنقضي حياته، دون أن يصنع فيها شيئاً واحداً...]