وبينما كنت ماشيا في أحد الأزقة في كليتي, إذا بنفر من البدو يمرون, وليتهم ما مروا, كانوا كأنعام وفيها حتفها قد أمسكته, تدري بأن هلاكها يوما ولكن لا حراك, يمرحون ويضحكون ويلعبون, وكأنهم قد قدموا من كوكب غير كوكبنا, أو من زمان غير زماننا, أو قل هناك درب تبانة آخر قدموا من أحد صحاريه, كان أحدهم قد أنزل ما تقبعه إلى عينيه حتى غطاهن فلا يكاد يرى شيئا ولا أعرف لماذا ! وكان الآخر يتكلم في محموله بصوت عال متقطع ذكرني بالراعي عندما ينادي الأغنام في البستان, ولكنني لم أستوعب منه أية كلمة, وكان آخر قد تفاعل مع أصحابه تفاعلا غير منقطع النظير, فتارة يركض في الممر وتارة يرقص رقصة لا مثيل لها وتارة يغني أغنية تحتاج إلى مائة مترجم متخصص في اللهجات البدوية الخليجية المنقرضة لترجمتها.
ياللروعة, مشاهد مثيرة في كليتي قد غفلت عنها أو تجاهلتها نوعا ما إلى أن أتى هذا المشهد الإبداعي فحرك في نفسي بوادر التأمل والتفكر في مخلوقات الله عز وجل.
نعم, حقا البدوي ربما هو شي مختلف قد تتطبع بأواصل طبيعته ومكان معيشته, ولكن له الحق كإنسان أو كمواطن أن يعيش مثل ما يعيش الآخرون أو ما يمتلكون, ولربما سكنتي في العاصمة هي التي جعلتني أتعجب من مشهد قد يحدث كل يوم, ولربما هناك مشاهد أكثر إثارة لم أراها بعد, ولكنني متشوق كل الشوق من الآن وصاعدا لأن أرى مثل هذه المشاهد المثيرة, ولكن ما بداخلي هو مجموعة قهقهات من الضحك على هؤلاء, ولن تهدأ إلى بإنفاء البدو من بلاد الحضارة .
وقد يكون بي عرق ضئيل من هذا النوع من الناس أقدره بثلاثة بالمائة, ولكنني تعلمت كيف يعيش الناس بحضارة ورقي ولم يمنعني هذا من حب البدوي.
فأنا أولا وأخيرا أحبكم أيها البدو ولكنني أستنكركم.