إنا نحب الورد لكنا نحب القمح أكثر

حين يعثر فرسك بدرب الوصول ، تختار السواد لتنسحب في لحظة غياب النور ، بعيدا عن نار النظرات الشامتة أو المشفقة ، تبحث عن هروب بريء ، بجسر من ذكريات الطفولة أو أرجوحة من الأغاني .. تعتقد أحيانا أن سلة الأحلام لا يمكن أن تفرغ ، وأن سبيل الخيال لا يمكن أن يغلق أمام خطواتك المهاجرة من جحيم الواقع ، الآتية بنشوة الاقتراب ببساط لا يعرف ضجر التراب ، ولا ضجة العواصف .
في لحظات مشابهة نؤمن أن الأحاسيس والخيال والشعر والحب هو أهم ما قبضت قلوبنا ، بل هي آخر يد تمتد إلينا في غرق ذواتنا لتنتشلها ، وتجففها بشمس الأمان .
ما يصدمنا حقا أن نكتشف مدى مادية أنفسنا و أنانيتها .. أن نكتشف كيف تتحطم قيم كالإباء والعزة والكبرياء – أمام سطوة الجوع .. أن نكتشف أننا مستعدون للتضحية بفاتر أسرارنا ، ومفاتيح قلوب أحبابنا ، ودم الماضي ، وسراج الشاعرية من أجل الرغيف أو الكساء .
يوجعنا أن نكتشف أننا :

"... نحب الورد لكنا نحب القمح أكثر
ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر ..." - محمود درويش –

وحين تأتي خبرة كهذه ، من شاعر مبدع كذاك ، نراها موجعة مرعبة .
كم أنت شجاع يا درويش لتعترف أن قبتك الذهبية ليست سوى أسمنت مغلف في أكياس باهتة ، مصبوغة بمادة لزجة معبأة في براميل صدأة .. وأنك قد تنام تحتها ذات يوم لا لتحلم ببريقها ، بل لتغفوا كعجوز يائس يتوسد عصاه .. تألمنا الحقيقة يا درويش .. يؤلمنا أن نعترف أننا قد نبيع
دواوينك إن خفنا ، وأننا قد نشعل فيها النار لنتدفأ في ليالي الشتاء ..
لو أنك كذبت علينا وقلت إنا نحب القمح لكنا نحب الورد أكثر ، فليس لنا بصيرتك .. وليس لنا قلبك القوي .. ولازلنا نسكن الحلم حتى نتشرد منه لمنفى الحاجة ، وخيام "اللهم نفسي .. نفسي" ، ليتك تركتنا بظلالنا حتى نكبر!!



ربيع 2008