المبحث الأول
التَّعريف بالإمام نافع والإمام قالون
أ-التَّعريف بالإمام نافع

هو: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء المدني، أحد القرّاء السبعة المشهورين.
كان أسود شديد السواد، صبيح الوجه، حسن الخلق، فيه دعابة، أصله من أصبهان، اشتهر في المدينة، وانتهت إليه رئاسة القراءة فيها وأقرأ النّاس نيّفا وسبعين سنة وتوفي بها.
ولد في خلافة عبد الملك بن مروان سنة بضع وسبعين، وجوّد كتاب الله على عدّة من التابعين، قال موسى بن طارق: سمعته يقول ــ أي: نافع ــ := قرأت على سبعين من التابعين+.
قال مالك:=نافع إمام النّاس في القراءة، وقال سعيد بن منصور: سمعت مالكا يقول: قراءة نافع سنّة+ ( ).
وقال الليث بن سعد: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام النّاس في القراءة بالمدينة نافع بن أبي نعيم وقال ــ أيضاــ : =أدركت أهل المدينة، وهم يقولون: قراءة نافع سنّة، وعن الأصمعي قال: جالست نافع بن أبي نعيم وكان من القرّاء، الفقهاء، العبّاد+( ).
قلت:
ومما يدلّ على جلالة قدره، وتفوّقه في هذا الشأن أنّ إمام دار الهجرة هو أحد تلاميذه قال الذهبي:=وممن قرأ على هذا الإمام مالكٌ الإمام+( ). ورُوي عن نافع: =أنّه كان يوجد من فيه ريح المسك فسئل عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله تفل في فيّ+ ( ).
قرأ عليه خلقٌ كثير منهم: إسماعيل بن جعفر، وورش، وقالون وغيرهم.
وممن روى عنه فاطمة بنت علي بن أبي طالب ــ " ـ وزيد بن أسلم وأبو الزناد، ونافع مولى ابن عمر، والأعرج، وصفوان بن سليم وربيعة، وغيرهم( ).
قال ابن معين: ثقة ، وقالأبوحاتم: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، قال الذهبي: ينبغي أن يعدّ حديثه حسنا( ).
وقد كانت وفاته ــ رحمه الله تعالى ــ سنة تسع وستين ومائة( )بعد عمر حافل بالإقراء، والتعليم، والعبادة والطاعة.
ب ــ الإمام قالــون:
هو الرّاوي الأول للإمـام نافــــع ــ ودراسة أصول روايته عنه هي موضوع كتابنا ــ واسمُه: عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى الزرقي مولى الزهريين أبو موسى المدني، النّحوي و قالـون لقب معناه جيّـد بلغة الرُّوم لقّبه به شيخه نافع ، لأن قالون أصله من الرُّوم( ).
أمّا مولده فكان سنة عشرين ومائة، في أيام هشام بن عبد الملك، وكان قالون أصمّ لا يسمع البوق، وكان إذا قرأ عليه قارئ ألقم أذنه فاه، ليسمع قراءته، وهو مولى الأنصار( ).
قرأ عليه خلق كثير منهم ، ابنه أحمد، وأحمد بن يزيد الحلواني، وأبو نشيط محمد بن هارون، وأحمد بن صالح المصري الحافظ، وقد اختص به نافع كثيرا، وهو الذي سمّاه قالون لجودة قراءته، وكان أصمّ ــ كما مرّ ــ يقرأُ عليه القرآن، فيفهم الخطأ واللحن بالشفة ، فلو رفعت صوتك حتى لا غاية لم يسمع، وكان يقرأ عليه القرآن، فكان ينظر إلى شفتي القارئ، فيرد عليه اللحن والخطأ.
وذكر ابن الجزري عن قالون، قال: قال لي نافع: كم تقرأ عليّ؟!! اجلس إلى اصطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ، وقد سئل: كم قرأت على نافع؟ قال: ما لا أحصيه كثرة، إلا أني جالسته بعد الفراغ عشرين سنة، ويقال: إنه كان ربيب نافع.
روى الحديث عن شيخه نافـع،وعن محمد بن جعفر بن أبي كثيروعبد الرحمن بن أبي الزنــاد وغيرهــم.
كما روى عنه أبو زرعة الرّازي، وإبراهيم ابن ديزيل، وإسماعيل القاضي،وجماعة.
هذا..وقد كانت وفاة هذا العلم سنة عشرين ومائتين، على الصّحيح قال الذهبي: وغلط من قال توفي سنة خمس ومائتين غلطاً بيّناً( ).

المبحث الثاني
سند رواية قالون
اعلم أنَّ القراءات القرآنية العشرة التي وصلت إلينا ونقلها الخلفُ عن السَّلف هي صحيحةُ السَّند، متواترة النَّقل، لا يتطرَّق إليها الشَّكُّ والاحتمال؛ فهي معضَّدةٌ بأركان وشروط يجب أن تتوافر فيها، وإلاَّ لم تكن مقبولةً، وقد رأيتُ قبل أن أذكر سندَ رواية قالون، أن أذكر بصورة مجملة ومختصرة أهمَّ الشُّروط والأركان التي يجب توافرُها، أو لنقل: وجدها العلماء متوافرةً في القراءات المتواترة؛ لأنَّ المتواتر لا شروط في قبوله ابتداءً في القراءات القرآنية، ومنها:
1 ــ موافقتها لوجهٍ من أوجه العربية فصيحاً كان أم أفصح.
2 ــ موافقتها لرسم مصحف من المصاحف العثمانيَّة ــ التي مرت الإشارةُ إليها ــ .
3 ــ بالإضافة إلى اشتراط التَّواتر( )، والمراد به ما نقله جماعةٌ عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من البداية إلى النِّهاية، ولقد نظم ذلك صاحب الطَّيِّبة فقال: ــ
وكلُّ ما وافق وجهَ النَّحوِ وكان للرَّسم احتمالاً يحوي
وصحَّ إسناداً هو القرآنُ( ) فهذه الثَّلاثةُ الأركـــــــانُ
وحيثما يختلُّ ركنٌ أثبتِ شذوذَه لو أنَّه في السَّبعةِ( )
ولقد جاء تعريف القرآن عند العلماء بقولهم:=ما نقل بين دفَّتي المصحف نقلاً متواتراً+( )وحينئذٍ لابدَّ من التَّواتر كشرطٍ لصحَّة القراءة، ولقد رأيتُ في بداية هذا الكتاب الخاص بأصول رواية قالون أن أسرد سند روايته تتميماً للفائدة. روى الإمامُ قالونُ القراءة عرضًا وسماعاً عن الإمام نافع،وتلقَّى الإمام نافع عن سبعين من التَّابعين من بينهم الإمامُ أبو جعفر يزيد بن القعقاع، قارئ المدينة الأوَّل وكذلك من بينهم شيبة بن تصَّاح، وعبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج، وقرأ أبو جعفر على عبد الله بن عيَّاش، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وهؤلاء الثَّلاثةُ قرؤوا على أبيِّ بن كعب، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة على زيد بن مثبت، وقرأ زيدٌ وأبيُّ على رسول الله ــ * ــ وقرأ رسول الله على جبريل، وأخذ جبريل عن اللَّوح المحفوظ عن ربِّ العزَّة ــ  ــ .
فروايةُ قالون متواترةٌ في جميع طبقاتها، ولا أدلَّ على تواترها من أنَّ نافعا ًتلقَّاها عن سبعين من التَّابعين، قال موسى بن طارق:سمعتُ نافعاً يقول: قرأتُ على سبعين من التَّابعين( ).
وروايةُ قالون هي المأخوذُ بها والمنتشرةُ في بلادنا، وأفريقيا، وكلُّ من ألَّف ودوَّن في علم القراءات يصدِّر ُتأليفَه بهذه الرِّواية تعظيماً لمنزلتها، ومنزلة راويها( ).


المبحث الثَّالث
الاستعاذة وأحكامها
1ــ يسنُّ للقارئ أن يفتتح تلاوته بالاستعاذة بالله من الشَّيطان الرَّجيم سواءٌ من أوَّل السُّورة أومن أثنائها.
قال ــ تعالى ــ فإذاقرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( )
2 ــ لفظها المختار .
هو:أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم، قال القرطبيُّ:=وهذا اللَّفظُ هو الذي عليه الجمهورُ من العلماء في التَّعوُّذ؛ لأنَّه لفظ كتاب الله ــ تعالى ــ+ ( ).
3 ــ حكمة الابتداء بها.
يبدأ بها القارئ ليطهّر قلبَه،ويتحصَّن بالله ممَّا يخشى من خواطر السُّوء، وهواجس النَّفس.
4 ــ مسألة
إذا تعرَّض للقارئ عارضٌ أثناء تلاوته؛ فإن كان عارضاً ضروريًّا كسعال ونحوه، أو كان عارضاً له علاقةٌ بالتّلاوة كمن يتوقَّفُ في تلاوته ليسأل غيره ليفتح عليه فإنَّه لا يعيدُها.
أمَّا إذا كان هذا العارضُ خارجاً عن أمر القراءة فإنَّه يعيدُها ــ ولو كان الأمر شرعيًّا كردِّ السَّلام ــ إذ لا تعلُّق له بالقراءة.
5-أوجه الاستعاذة مع البسملة والقراءة
أوجه الاستعاذة مع البسملة مع أوَّل القراءة أربعةٌ، وهي:ــ
أ ــ وصل الجميع، أي:الاستعاذة مع البسملة مع أوَّل القراءة.
ب ــ قطع الجميع أي: الاستعاذة عن البسملة عن أوَّل القراءة ، وهذا أولى ( ).
جـ ــ قطع الأوَّل ــ من اصحاب القرآت السبع لاستعاذة ــ ووصل الثَّاني بالثَّالث، أي: وصل البسملة بأوَّل القراءة.
د ــ وصل الأوَّل بالثَّاني، أي: الاستعاذة بالبسملة مع الوقف عليها، والابتداء بالثَّالث، أي:بأوَّل القراءة.