تعاقبت على دولة العراق عدد من الحضارات عبر التّاريخ، فكانت حضارة الأشوريّين والبابليّين والسّومريّين وغيرهم، وقد ساهمت عدّة عوامل في جعل العراق مهدًا لهذه الحضارات وموطنًا لها منها: موقعه الجغرافي المهمّ؛ حيث يتوسّط الشّرق والغرب، وبسبب وجود نهريّ دجلة والفرات؛ حيث كان عنصر الماء في الأرض من أهمّ العناصر التي يبحث عنها البشر من أجل الاستيطان والاستقرار، وقد سمّي العراق ببلاد الرّافدين نسبة إلى نهر دجلة والفرات، وقد اشتهرت في العراق كثيرٌ من المدن الّتي كانت حاضرةً في التّاريخ منذ القدم ومنها مدينة كربلاء، فما جذور تلك المدينة ؟ وما هو سبب تسميتها بهذا الاسم؟ وما هو الحدث الأبرز في تاريخ هذه المدينة التي تقدّسها طوائف الشّيعة وتعتبرها مزارًا يقصده الآلاف من معتنقي هذ المذهب عبر العالم؟


تاريخ كربلاء

يعود تاريخ مدينة كربلاء حسب الرّوايات التّاريخيّة إلى العصر البابلي، وكثيرٌ من المؤرّخين يرجعون اسم المدينة إلى هذا العهد، وإنّ أوّل الرّوايات تتحدّث عن أنّ أصل اسم كربلاء أتى من عبارة قرب الإله، وهي من اللغة البابليّة القديمة، ومنهم من يرى بأنّ أصل هذا الاسم من مقطعين، وهما: كور؛ أي مجموعة قرى ومدن وبابل، ويصبح المعنى مجموعة قرى بابليّة، ومنهم من أرجع هذا الاسم إلى الحضارة الأشوريّة، وأصله كرب وإيل ومعناه حرم الإله، وأخيرًا منهم من أرجع اسم كربلاء إلى الفعل كربل؛ فيقال كربلتُ الحنطة أي نقيّتها، وقد سمّيت بذلك بسبب نقاوة أرضها من الحصى ورخاوة ترابها.


موقع كربلاء الجغرافي

بالنّسبة للموقع الجغرافيّ لمدينة كربلاء فهي تقع في وسط العراق؛ حيث تبعد جنوبًا ما يقارب مائة كيلو متر عن العاصمة العراقيّة بغداد، وتحدّها من الجنوب محافظة النّجف، ومن الشّرق والشّمال الشّرقي محافظة الأنبار، ومن الغرب والشّمال الغربي محافظة بابل، وتقع المدينة بجانب نهر الفرات؛ حيث تشتهر بالخضرة والبساتين والنّخيل الموجود داخلها.


وترتبط مدينة كربلاء في ذهن المسلمين بالمعركة الأليمة الّتي حدثت على أرضها؛ حيث تواجه سبط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه مع جيش يزيد بن معاوية؛ حيث انتهت المعركة الّتي سمّيت بمعركة الطّف باستشهاد الإمام الحسين وسبعين من رفاقه، ويزعم الشّيعة أنّ قبر الحسين موجودٌ في مدينة كربلاء ومدفون فيها، والحقيقة أنّ روايات التّاريخ اختلفت في مكان دفن سيّدنا الحسين رضي الله عنه، ولا توجد رواية تؤكّد مكان دفنه حقيقة .

كم قلنا يبلغ المجموع الكلي لسكان المحافظة حوالي 494235 نسمة أي تشكل (0.03)من سكان العراق، أما مساحتها فـ (5034)كم أي(1.2%) من مساحة العراقً بينما و تتألف من ثلاثة أقضية وأربعة نواحي، هي مركز قضاء كربلاء ومساحته (2397)كم وعدد سكانه (455)الف وتتبعه ناحية الحر وناحية الحسينية مساحتها (334)كم وسكانها (106)الف!

مركز قضاء الهندية مساحته (134)كم وعدد سكانه (65) الف، وتتبعه ناحية الخيرات ومساحتها (213)كم، وعدد سكانها (69)ألف، وناحية الجدول الغربي، وعدد سكانها (48)الف، قضاء عين التمر والبالغ مساحته (1956)كم وعدد سكانه (21) ألف!كما يوجد في المدينة حصن الاخيضر الذي يقع جنوب كربلاء بمسافة 48 كم وكذلك قصر شمعون فى عين تمر وفيها أكثر من 130 فندق، وفيها بحيرة الرزازة التي تقع غرب كربلاء بـ (18)كم، و التي تمتد بين محافظتي كربلاء والانبار ويبلغ طولها 60 كم وعرضها 30كم وتقسم المدينة من حيث العمران إلى قسمين يسمى الاول (كربلاء القديمة) وهو الذي أقيم على أنقاض المدينة القديمة ، و(كربلاء الجديدة) واسعة البناء ذات شوارع فسيحة وشيدت فيها المؤسسات والأسواق والمباني والمدارس الدينية التي تدرس المذهب الشيعي، ويصل المدينة الخط الحديدي الممتد بين بغداد والبصرة بفرع منه ينتهي بسدة الهندية طوله 36 كم، وتعتبر جامعة كربلاء أهم مركز علمي وثقافي متخصص ضمن المحافظة، وفيها العديد من المكاتب الخاصة بالكتب الشيعية وأكثر من مئة حسينية وجامع شيعي اصبحت بعد عام2003.

يذكر ان هناك عشرة مساجد الأهل السُنّة في مدينة كربلاء تم الاستيلاء عليها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق من قبل الأحزاب ورجال الدين الشيعة.





التواجد الإيراني في مدينة كربلاء

تشهد مدينة كربلاء منذ قرون طويلة تواجد للجالية الإيرانية التي استخدمت الورقة المذهبية للسيطرة على المدينة من خلال عدد من رجال الدين الإيرانيين الذين يدرسون في الحوزات، وقد أقامت هذه الجاليات عددا من المراكز العلمية والدينية مستفيدين من الخيرات المادية للمدينة وذلك من اجل نصرة إيران ومصالحها، ففي عام 1917 أشار السير كوكس الحاكم البريطاني في بغداد بمذكراته انه استلم برقية من ثلاثة من رجال الدين الإيرانيين المقيمين في العراق وهم (اليزدي) في النجف و(المازندراني) في كربلاء و(ميرزا تقي) في سامراء يلتمسون فيه مقابلته وعبروا له عن حرصهم الشديد على مستقبل الدولة الفارسية بعد الحرب، وعندما اعتلى العرش في إيران رضا خان عام 1925 بدعم من بريطانيا أصر على عدم الاعتراف بالعراق وإقامة علاقات معه وقد رحب

الإيرانيون المقيمون في العراق من رجال الدين المرتبطين بإيران بسلطات الاحتلال البريطاني وقدموا لهم ما كانوا بحاجة إليه من دعم ومشورة وتأييد ، ومقابل ذلك قدمت لهم مكافآت على هذه الخدمات باعتبار الأقلية الإيرانية أقلية متميزة لها خصوصية معينة حسب قانون الأجانب الذي نصت عليه المعاهدة العراقية البريطانية.

وفي زمن رضا بهلوي وابنه محمد رضا زاد الاهتمام بالجالية الإيرانية في العراق حيث جعلت هذه الجالية مرتكزا اجتماعيا وسياسيا ودينيا فارسيا مؤثرا في الوضع الداخلي لخدمة المصالح الإيرانية.

فكان اهتمام حكام إيران بتأسيس المدارس الدينية في العراق واستغلال المسألة الطائفية كأداة ووسيلة للتبشير والدعوة من خلال المدارس تمهيدا لغزوه عسكريا من الخارج كمدرسة دار الحكمة ومدرسة جامعة النجف الدينية ومدرسة القزويني ومدرسة المهدي والمدرسة الحسينية والمدرسة العلوية وغيرها، ومنعت هذه المدارس العرب من الدخول فيها لينفرد الإيرانيون بالسيطرة على الحوزة العلمية في النجف وكربلاء ، وكانت هذه المدارس تدار من قبل القنصل الإيراني في العراق (السفارة الإيرانية) ووضعوا فيها صورة رئيس الدولة الإيرانية، ورفعوا عليها العلم الإيراني، وسجلاتها ودراستها باللغة الفارسية، وتدرس القومية الفارسية وفي تلك الفترة كان يصدر في العراق صحف ومجلات مدينة عراقية 6 احرف إيرانية باللغة الفارسية إلى جانب الكتب الإيرانية التي كانت تطبع في النجف وكانت تلك الصحف تقدم للجالية الإيرانية في العراق ألوانا من المواد الفكرية والثقافية المسمومة وتغرس في أذهانهم النزعات العنصرية والطائفية .