ما الدليل على صدق إيمانكَ وقوة يقينك وشدة حبك لله ورسوله؟
الدليل: هو سرعة استجابتك لأوامر الله ورسوله.
عندما تسمع آية فيها أمر الله سبحانه وتعالى، وعندما تسمع حديثاً فيه اطاعة وخضع لامره وانقاد له أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تتقبل ذلك مباشرة دون تلكؤ؟ دون تباطؤ؟ دون تململ؟ أم أننا نماطل، ونسوف، وحينما ربنا يهديني وحينما... وحينما.. مبررات لا أكثر!

تأمل معي قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، عندما يبلغك حكم الله في مسألة من شؤون حياتك، وعندما يبلغك حكم رسول الله في قضية من قضايا معاشك، كم يمضي عليك من الزمن لتمتثل حكم الله وحكم رسول الله؟ هل تطبق أمرهما بأسرع صورة ممكنة؟ أم تتريث حيناً من الدهر، يوماً، أسبوعاً، شهراً وربما أكثر من ذلك؟ا، ويقول أيضاً سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]، وقال أيضاً سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51-52].

الأنبياء وسرعة الاستجابة إلى أوامر الله:

لما اختار موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام سبعين رجلاً لميقات وقَّته له رب العالمين، أسرع موسى للقاء الله تعالى وخلَّف قومه وراءه، فعجب الله منه، قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:83-84].

هل أنت ممن يعجلون إلى الله بالتوبة؟ أم ممن يسوفونها إلى حيث لا تنفع التوبة، ونجد أيضاً سرعة استجابة رسول الله لأوامر الله تعالى، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون من قريش- حتى اجتمعوا» (أخرجه البخاري في صحيحه)، ولنتأمل معاً كيف استجاب الصحابة لأوامر الله في تحريم الخمر، أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما كان لنا خمرٌ غير هذا الذي تسمونه الفضيح (شراب يتخذ من البسر- النهاية)، فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً، وفلاناً إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟! فقالوا: وما ذاك؟! قال: حُرِّمت الخمر، قالوا: أهرقْ هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا أرجعوها بعد خبر الرجل".

فهل شبابنا سمع النداء ولبا.. قد انتهينا ربنا قد انتهينا، الاستجابة لله حياة في أمر الحجاب، عن صفية بنت شيبة قالت: " بينما نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: "إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل؛ لما أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. انقلب رجالهن عليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطِها المُرَحَّل، فاعتجرت به؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان" (رواه أبو داود وغيره).

فهذه الآية نزلت بالليل، فلم ينتظرن حتى الصباح، بل شققن الثياب وصنعن الخمر وصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم مختمرات، فرضي الله عنهن. وسبحان الله، ما أطهرها من قلوب، وما أنقاها من نفوس!

فيا أختي في الله، كيف استقبلت أمر الحجاب هل تلكأتِ؟ هل جادلتِ: عندما أكبر، عندما أتزوج، عندما أنجب أول طفل، إلى متى؟ يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

الاستجابة لله في أمر الجهاد:

فهذا هو حنظلة غسيل الملائكة الذي كان حديث عهد بعرس، يسمع نداء الجهاد من منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فينطلق ملبياً النداء مسرعاً مستجيباً لداعي الله، ولم يتمهل حتى يغتسل من جنابته، وينطلق نحو المعركة، لتكون نهايته السعيدة ويلقى الله شهيداً وهو جنب فتغسله الملائكة.

على الجانب الآخر نجد بني إسرائيل عندما طلب منهم موسى أن يدخلوا القرية، ماذا كان ردهم؟ يقول المولى عز وجل: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:26]، قعدوا عن الاستجابة لأوامر الله، فاستحقوا العقوبة من الله التيه في الأرض، فكم من تائه في هذه الدنيا؛ لأنه لم يسارع إلى تنفيذ شرع الله، وفي معركة خيبر والقدور تغلي بلحمها، والموائد في انتظارها والبطون جوعى، في هذا المشهد المهيب يأتي النهي عن الحمر الأهلية، يصرخ العباس بأعلى صوته: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحم الحمر الأهلية"، فما توانوا لحظة وما تأخروا برهة وما أعملوا عقولهم وما رحموا جوع بطونهم، وإنما أراقوا القدور بما فيها من لحوم وبحثوا من جديد عن طعام حلال خشية لله ورسوله واستجابة لنداء الرحمن.

الاستجابة لله ورسوله في أمر الزواج:

أخرج الإمام أحمد عن أَنَسٍ قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جُلَيْبِيبٍ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَنَعَمْ إِذًا» قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لَاهَا اللَّهُ إِذًا مَا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَان، قَالَ: وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ، إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ فَأَنْكِحُوهُ، فَكَأَنَّهَا جَلَّتْ عَنْ أَبَوَيْهَا، وَقَالَا: صَدَقْتِ، فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَدْ رَضِينَاهُ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ فَزَوَّجَهَا» ثُمَّ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَكِبَ جُلَيْبِيبٌ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ قَتَلَهُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَمِنْ أَنْفَقِ بَيْتٍ فِي الْمَدِينَة".