القمرة هي الغرفة المظلمة ، وكان العالم العربي الحسن بن الهيثم قد تبحر كثيرا في علم البصريات ، مما كان له الفضل في تأسيس العلوم الحديثة للبصريات ، وقد تم إطلاق اسم موقع على سطح القمر تقديرا له باسم alhazen وكذلك تم تكريم اسم الحسن بن الهيثم عالميا في مواطن كثيرة.

مصطلح (كاميرا) في اللغة الانكليزية مستوحى من اللاتينية camera obscura وهذه أخذوها بنفس معنى قمرة وتعنيان بالعربية ثم باللاتينية :الغرفة المظلمة ،وكان ابن الهيثم أول من استخدمها كمصطلح علمي حيث عنى بها الغرفة المظلمة التي لها شباك ، واستوحى من ظلمة القمر كلمة القمرة ، ولفظها العرب بضم العين وتسكين الميم ، بيد أن نسبتها إلى القمر تكون بفتح القاف والميم ، ليس تقربا من مصطلح كاميرا الشهير الآن عالميا ، ولكن لأن القمر والكاميرا متشابهان ، والقمرة بفتح القاف والميم أقرب لسليقة اللسان ، إلا إن كان هناك ما يؤيد ضم القاف وتسكين الميم بشواهد أخرى من تاريخ اللغة العربية والمعاجم.

على أية حال ، قمرة هي أصل الكاميرا ، وقمرات هي أصل الكاميرات.

وقمرات المراقبة أصح من كاميرات المراقبة ، وشكرا.

انتشرت في السنوات الأخيرة معلومة خاطئة تفيد بأن كلمة “كاميرا” أصلها كلمة “قُمْرَة” التي أطلقها العالِمُ العربي العظيم والفيزيائي الأشهر “ابن الهيثم” على تجاربه العلمية التي أدت إلى اختراع التصوير، وبأن الغربيين أطلقوا كلمة camera تعريباً لـ”قُمْرَة” ابن الهيثم، والذي ساهم في تعزيز انتشـار “صواب” هذه المعلومة هو الإعلامي أحمد الشقيري الذي ذكرها في أحد حلقات برنامجه الأشهر “خواطر”، وشاركت مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت في نشرها بشكل واسع وترسيخها كحقيقة.

الإعلامي اللامع أحمد الشقيري لم يتقصد نشر معلومة خاطئة من خلال برنامجه المهم، وهو مشهود له بالتدقيق والتوثيق لما يتناوله في “خواطر” وفي النهاية الخطأ وارد ولا أحد معصوم عنه. لكنَّ الخطأ هنا أوقع ضرراً بانتشار هذه المعلومة، بل وتسللها إلى كتب ومراجع ومناهج دراسية، كما أصبحت ” قُمْرَة” هي أوّل ما يخطر على البال إن قابل أحدُنا أجنبياً يحمل بين يديه كاميرا.

وتوضيح خطأ المعلومة والكلمة في هذه النقاط الثلاث:

أولاً: وردت كلمة “قُمْرَة” بضم القاف في جميع معاجم اللغة العربية والقواميس الأولى بمعنى شدة البياض، أو بياض ضارب للخُضْرة، وقيل أنها صفة للقمر في ليلته الثالثة. ولم ترد أبداً بمعنى غرفة أو حجرة.

لكن في المعاجم الحديثة وردت “قَمْرَة” بفتح القاف، ويشرح كِتابُ “المنجد في اللغة” بأنها كلمة معرّبة من كلمة “camera” الإيطالية ومعناها المخدع في السفينة عند الملّاحين أو الغرفة؛ وتشبهها في الألمانية كلمة Kammer التي تحمل ذات الدلالة.

ثانياً: ابن الهيثم نفسه لم يستخدم أبداً كلمة “قُمْرَة” وخاصة في كتابه “المناظر” الذي شرح فيه تجاربه الضوئية في المسألتين الثالثة والسادسة وإنما استخدم الحجرة أو المواضع المظلمة.

ثالثاً: ما وقع بين يدي من كتب وموسوعات عربية ومقالات، تناولت موضوع العلوم عند العرب والمسلمين، أو تلك التي تخصصت في ابن الهيثم وطُبِعَتْ قبل ظهور مواقع التواصل، لا تشير أبداً إلى العلاقة بين كلمة كاميرا و قُمْرَة، بل لم تذكر كلمة “قُمْرَة” بتاتاً في حديثها عن مكتشفات وإنجازات ابن الهيثم أو غيره.

إذاً الكاميـرا -حتماً- هي نتيجة جهد بشري طويل، قائم على اكتاف علم البصريّات الذي أسسه ابن الهيثم، ولكنهــا -أيضــاً- ليست مُستوحاة من كلمة قُمْرَة!

لكن إذا أجرينا الآن بحثاً على موقع غوغل سنجد مدى الانتشار الفادح للمعلومة الخاطئة وتغلغلها، فـكلمة “قُمْرَة” أصبحت متجراً لبيع كاميرات التصوير، وملتقى ومنتدى للمصورين، كما تحولت إلى مهرجان سينمائي ودخلت في كتب وموسوعات مهمة تتناول اختراعات العرب وعلومهم، وبعضها أشرف عليه مختصون وأكاديميون.

يبدو أن التشارك بين الإعلام بأدواته التقليدية مع وسائل التواصل والإعلام الجديد بات يشكل خطراً أكبر وأسرع على المعلومة والمفاهيم، وهناك صور ومعلومات مفبركة يتم تداولها يومياً تتحول مع الوقت إلى واقع..

بل وتصبح “المعلومة التي لا بدّ منها”، والتي لا يمكن النقاش فيها، مثل قُمْرتنا هذه تماماً!

مصادر :

راجع مادة “قُمْرَة” أو “قَمَر” في لسان العرب، مختار الصحاح، المصباح المنير، تاج العروس وغيرهم.
راجع أيضاً كتاب محيط المحيط لبطرس البستاني، وكتاب العربية العالية لعارف حجاوي.

راجع أيضاً: تاريخ العلوم عند العرب كلمة السر هي اصل كلمة كاميرا وتعني الغرفة المظلمة مكونة من 6 حروف لعمر فروخ، موسوعة تاريخ العلوم العربية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، أضواء على تاريخ العلوم عند المسلمين لمحمد حسين محاسنة، تراث العرب العلمي لقدري طوقان وأثر العلماء المسلمين لأحمد علي الملا.