لكل مهنة تاريخ وعمر ارتبطت معهما تلك المهن بشخصيات عاصرتها وعصرتها وخبرت فنونها وعلومها، هنا سنسلط الضوء في كل يوم على أحد تلكم الشخصيات من خلال مهنتها.

مهنة ميكانيكا السيارات إحدى أهم المهن التي احتاجها الإنسان منذ أن ظهرت السيارات على الوجود، واحتاجت معها لصيانة وإصلاح مستمر، مع مهنة الميكانيكا نبقى في حوار مع المهندس الميكانيكي منصور بن علي التركي مدير وصاحب مجمع التركي لصيانة السيارات الذي يقول إنه يعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 35 سنة، حيث بدأها بالعمل كعامل لدى إحدى ورش السيارات القليلة في مدينته بريدة آنذاك، ويقول إنه قبل أن يلتحق كعامل في ورشة كانت لديه هواية الفك والربط وإصلاح الأشياء المتنوعة سواء السيارات أو الدراجات النارية والهوائية.

ويقول التركي إنه بعد ذلك فتح محلاً خاصاً به كبنشر للسيارات مع ممارسة خفيفة لميكانيكا السيارات ثم افتتحت ورشة ميكانيكا متخصصة بمشاركة زميل حتى استقللت عنه بعد مدة من الزمن، ولم يكن معي حينها أي عامل أجنبي، حيث كنت أديرها بنفسي، وقال إنه ما زال يمارس المهنة حتى اليوم في ورشته ويشرف شخصياً على السيارات التي تدخلها رغم وجود عمالة لديه، وذكر أن أعطال السيارات قبل ثلاثين سنة تختلف كثيراً عنها في هذا اليوم وأنها في غالبها بسيطة بخلاف سيارات هذا الوقت والتي تختلف أعطالها بسبب اعتمادها على تقنيات كهربائية وإلكترونية متطورة، ولذا فإن بعض السيارات تعجز عن إصلاحها حتى وكالات السيارات أنفسها لكنني ومن واقع الخبرة أستطيع التعامل مع أعطالها خاصة وأنني لم أترك العمل..!!

وعن الدخل المادي في مهنة الميكانيكا قال إنه دخل جيد وفيه خير كثير حينما تجد هذه المهنة من يقدرها ويعطيها حقها من الاهتمام والإخلاص والمصداقية، منوهاً أن الزبون يبحث عن المتميز فنياً والصادق أخلاقياً، وقال إن المهنة تحتاج لوقت وصبر حتى يكون الشاب لنفسه سمعة ومعرفة لدى الآخرين وأن الشهادة لا تكفي لوحدها لجعل الشاب متقناً في مجال عمله الفني.

وعن الشباب السعودي خريجي المعاهد والكليات الفنية قال بتساؤل واستغراب.. أين هم..؟

نحن نسمع عنهم ولا نراهم، وقال إنه من المؤلم أن يؤهل الشاب بدراسة نظامية ويصرف عليه الملايين من الريالات ثم إذا تخرج عمل في مهنة غير مهنته التي أهل عليها، وذكر أنه مستعد شخصياً لتوظيف الشباب السعودي في ورشته بدلاً من الأجنبي إذا أثبت السعودي كفاءته، بل إنه مستعد لتدريبهم مجاناً لديه لاكتساب المهارة والمعرفة، وقال إن مما يؤسفني أن كثيراً من الأجانب تدربوا على يدي وأتقنوا الصنعة وهم الآن يعملون بشكل منفرد لحسابهم.

وعن نصيحته التي يوجهها للشباب السعودي قال إنه يجب على الشاب أن يقتنع في هذا الوقت أنه عصر المهنة وليس عصر الشهادة، وأن من لا مهنة له لا مستقبل له، ولذا فإنه مهم على الشاب السعودي أن يقتحم الميدان ويشمر عن ساعديه، منوهاً أن كثرة العمالة الأجنبية في البلد مؤثرة على المهنة وعلى المجتمع بشكل عام.


الدولة الموازية الشبح تخدم دائما الفساد والاستبداد وتعادي بضراوة الثورة والثوار منذ حركة الجيش المباركة في ‏23‏ يوليو ‏1952‏ لم يجرؤ احد أن يدقق بشكل علمي واضح للاجابة عن سؤال: كيف تحكم مصر؟! أو بالأصح يتصدي لتحديد آليات ممارسة الحكم للدولة المصرية, وتأثير ذلك علي أوضاعها وناسها وقيمتها وقامتها.

وللأمانة العلمية فإن عصا السلطة الغليظة حجبت عن وعي المصريين الإدراك الكامل لمعني ومغزي الكثير من حقائق تاريخهم, ومنها تنحية الخديوي إسماعيل وتولية ابنه توفيق ليس فقط باعتبارها رغبة بريطانية نفذها السلطات العثماني, وكانت للتمهيد الحقيقي ليس فقط لاحتلال الارض المصرية لكنها باعتبارها الطلقة الحاسمة في فرض سلالة من الحكام الخونة والعملاء وارثهم نجاح صناعة الوهم بتغييب عميق للعقل الجمعي المصري دفع بواحد من السفهاء الجهلة لأن يبصق علي وجه أحمد عرابي البطل العظيم بعد عودته من المنفي نتيجة لخضوعه لغسيل المخ الواسع النطاق الذي ردده الطابور الخامس من العملاء والخونة اعوان الاحتلال القائل بإن ثورة عرابي الشامخة الأبية تسببت في احتلال مصر وهزيمة المصريين وهي قصة في حد ذاتها كان من الضروري أن تهز ضمائر النخب والباحثين والدارسين لرصد عمق الاختراق للدولة وللأمة المصرية ومراميه وأهدافه المدمرة للوجود وللمستقبل.
إذا كان فاروق قد ارتكز في حكمه علي الحرس الحديدي, وارتكز في نفس الوقت علي البوليس السياسي وقيادات الأمن من الانجليز وعملائهم من المصريين فإن قبضة الاحتلال البريطاني علي رقبة المصريين كانت تعتمد دوما علي صنف من العملاء المأجورين شديدي الخضوع لسادتهم الاجانب, شديدي الحرص علي تنفيذ تعليماتهم وإرادتهم وكان في مقدمتهم رؤساء وزراء ـ مصطفي فهمي رئيس الوزراء مع بدايات القرن العشرين الذي بقي في منصبه لمدة21 عاما يشكل الرقم القياسي حتي اليوم بالأوامر المباشرة للمندوب السامي البريطاني, وكانت سلطة الأمن الداخلي في قبضة الاحتلال وسلطة القضاء كانت كذلك وابلغ الامثلة الصارخة علي الخضوع الكارثي هو ما يرتبط بأحكام محكمة دنشواي وإعدام الفلاحين الابرياء وفصاحة المدعي العام الهلباوي في ادانتهم والتحريض الفج علي إعدامهم وتصويرهم بما يخالف حقيقتهم مما صنع شرخا وتصدعا في السلطة القضائية وفي مشاعر الرأي العام تحول معه الهلباوي إلي جزء من المأثور الشعبي الذي يتحدث عن الفصاحة الكاذبة والمدعية بالباطل والافك والبهتان لاسكات صوت الحق والضمير والعقل.
ولعل هذا التاريخ الكارثي يستعيد موروث مصري عن دولة البصاصين التي راجت منذ العهد العثماني علي توسيع مدي ونطاق وهو التعبير الذي يغوص في أعماق دولة الواقع ويتعامل معها باعتبارها الدولة الفعلية الحاكمة أو بالاصح الدولة القادرة علي تنفيذ أوامر الديكتاتور المستبد الطاغية وتكميم الأفواه وقمع الحريات العامة ويحتم ذلك في ظل ما تتعرض له ثورة 25 يناير العظيمة من هجمات منظمة وممنهجة بأعلي درجات الحرفية والاتقان تملك القدرة علي رصد الامكانيات المادية بالغة الضخامة عن طريق مغارات الفساد شديدة الثراء وأتاح لها مظلات الحماية والتأمين من سلطات نافذة وفاعلة أن يندفع الثوار للبحث عن مكامن الخطر الحقيقية لمواجتها حتي لاتقتصر المعركة علي تلك الشخوص البارزة علي خشبة المسرح فقط لاغير وهو ما يستوجب التحديد القاطع لابقاء اركان دولة الظل ليس باعتبارها دولة الاشباح المجهولين لكن باعتبارها دولة القهر والنصب والاستبداد, وهي بذلك الدولة الموازية التي تتعايش مع أحداث الواقع لحظة بلحظة تلك القدرة الكبيرة علي توجيهها والتحكم في دفتها وتقرير مصيرها النهائي.
ومنذ حركة يوليو المباركة وتبني مفهوم الديمقراطية المركزية القائم علي ترسيخ ماذا كان يطلق على رجال المباحث العامة في العصر المملوكي الاستبداد والقمع والديكتاتورية وما يعنيه من الاعتماد علي التنظيم السياسي لتأمين المشاركة الشعبية الجماهيرية الشكلية علي المسرح السياسي فقد غرق النظام الحاكم في مستنقع خضوع الحياة المصرية للقبضة الأمنية الغاشمة, وكشرت الحركة عن انيابها في حادثة الاعتداء علي الدكتور عبدالرازق السنهوري, رئيس مجلس الدولة والفقيه الدستوري العالمي والشخصية الوطنية العالمية شديدة الاحترام والتقدير لتعلن نهاية زمن سيادة القانون وتعلن في نفس الوقت واللحظة الرفض القاطع لحرية الرأي وعدم احترام أهل العلم والعلماء وتطلق الكابوس البشع لسطوة أهل الثقة والولاء مهما تدنت كفاءتهم وانخفضت مقدرتهم وانحط علمهم واخلاقهم, وبذلك سطع نجم الاسوأ والاردأ والافسد علي الحياة المصرية في كل المجالات والقطاعات وحرمت أم الدنيا من عطاء القادرين الاكفاء من ابنائها المخلصين.